الزواج موضة

خالد الخوالدي

تتعدَّد أشكال وألوان الموضات في هذه الأيام؛ بعضها يحن للقديم، وبعضها لا يَرْضى إلا بالجديد، والبعض الآخر لا يقبل إلا أنَّ يكون خارج الصف ويمضي في طريق مختلف تحت مبدأ "خالف تُعرف"، وبعض هذه الموضات التي تنتشر في المجتمع كانتشار النار في الهشيم لا تنمُّ عن الواقع المحلي الذي نعيشه، بل يغلب عليها الاستيراد من الخارج؛ سواء القريب منا أو البعيد، دون مسؤولية ومراعاة لقيم وعادات وتقاليد المجتمع وأعرافه التي هي أساس يغلب بعض الأحيان القواعد الشرعية للدين.

وكُنتُ أعتقد أنَّ هذه الموضات تأتي بغيَّة التجديد والتطوير والتحديث وهي أمور نحتاج إليها؛ فالزمان في تجدد، والحياة في تسارع لا تنتظر المتهاونين والمتكاسلين، وكم صُدمتُ عندما أدركتُ أنَّ بعض هذه الموضات لا تتعدَّى التقليد والتقليد الأعمى للأسف، ولا تتعدى المظاهر والتباهي حتى يشار إلى من يقتنيها بالبنان بأنه مُبدع عصره ومبتكر زمانه، ونسي أو تناسى هؤلاء أنهم أصبحوا علكة تُلاك في أفواه الناس، وانقلب السحر على الساحر، وأصبحوا حديثَ الناس في المجالس والمقاهي وفي وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى أصبحوا منبوذين في المجتمع.

ولم يخلد في خاطري يوما أنَّ الزواج أيضا سيصبح موضة؛ لأن منطلقاتي الفكرية والروحية والدينية تنظر إلى الزواج بأنه حياة لها مبادئها وسُننها والتزاماتها ومسؤولياتها، وصُدمت وعشت في رعب عندما كان يحدثني أحد الشباب عن رغبته بالزواج من إحدى الجنسيات العربية، وعندما سألته عن الأسباب قال إن هناك موضة منتشرة في هذه الآونة بالزواج من هذه الجنسية، وحسب قوله أنَّ هناك تناميا لهذا الأمر في أوساط حتى المتزوجين، وعندما بحثت في الأمر اتضح لي أنَّ هذا سببه هو التقليد ورفقاء السوء (فالصاحب ساحب)، وإهمال بعض النساء الاهتمام بأزواجهن، وارتفاع المهور قد يكون سببا، ومن الأسباب أيضا أنَّ بعض الأسر العُمانية لا تنظر إلى الحديث الشريف عن رسولنا الكريم -صلي الله عليه وسلم- "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". وإنما ينظرون إلى كم يملك من المال، ومن أي عائلة، ومن أي محافظة...وغيرها من الأمور التي لا تقدِّم ولا تؤخر في أمر الزواج، وذكرني الموضوع بمقهى اشتهر قبل سنوات؛ حيث كانت تعمل به موظفات من خارج السلطنة، ومن أراد إنهاء موضوع له في إحدى المؤسسات الحكومية، فما عليه إلا أن يذهب إلى هذا المقهى، حتى غار أصحاب الكثير من المطاعم والمقاهي في السلطنة فعملوا على توظيف عدد كبير من حملة هذه الجنسية والجنسيات الأخرى، وامتلأت هذه المقاهي بالجنس الناعم حتى يقدموا الوجبة الرئيسية في جذب الشباب، وارتفع سعر كأس الشاي بهذه المقاهي من مائة بيسة إلى ريال واحد.

وأستغرب أن يُصبح حتى الزواج موضة ولعبة واستهتارًا، وأن يصل الأمر إلى هذا الفكر من الانحدار والسماجة وعدم احترام لكل القيم الأخلاقية والدينية والمجتمعية، وإذا صح هذا الكلام بأن الزواج من جنسية معينة أصبح موضة، فلابد ان نقرأ الفاتحة على أجيال المستقبل، ولا نتعشم خيرا فيهم أبدا؛ لأنهم سيخترعون موضات أشنع من آبائهم!!! ولعلاج الموضات المنتشرة في البلد لابد أن تتكاتف ضدها مُختلف المؤسسات في الدولة والمجتمع -بداية من البيت والمدرسة والمسجد وأهل الحل والرأي- ولابد للحكومة أن يكون لها اليد الطولى في تطبيق القوانين والتشريعات التي تُحافظ على حقِّ المجتمع في أن يسير إلى جادة الصواب، وتشجيع الشباب على الزواج من خلال تخفيض التكاليف والمهور، وزيادة العمل على إقامة الأعراس الجماعية والتمسك بالشريعة الربانية التي لو تمسكنا بها لن نضل ولن نعمل على تقليد غيرنا ونركض وراء أي موضة.

وليسمح لي القراء الكرام بطرح هذا الموضوع لأن الأمر إذا كان بهذه الطريقة، فإنَّ السكوت عنه جريمة في حق المجتمع وحق الوطن، وإنني أؤمن أشد الإيمان ومتيقن ومدرك وواعٍ بأنَّ هناك كثيرًا من حالات الزواج من جنسيات عربية وأجنبية في السلطنة قائمة على المحبة والود والرحمة والاحترام، وكل المعاني الإنسانية النبيلة، واستطاعتْ هذه الأسر أن تخرج لنا قامات وخامات بشرية رفعتْ من شأن الوطن وأعلت من شأن مجتمعها فكانت خير سلف لخير خلف.

وأخيرا.. لابد أن أؤكد أنَّ الأمر لم يصل إلى حد الظاهرة، وأن موضوع الزواج من الخارج له قوانينه في السلطنة، وأن حكمة مولانا صاحب الجلالة في ضبط أمر الزواج وسن قوانين ترمي لأن يكون زواج الشاب العُماني من بنات الوطن هو الأولوية المطلقة، كانت له إيجابياته العظمى وفوائده الجمَّة، واستطاع أن يحافظ على نسيج المجتمع العماني وأصوله عكس كثير من المجتمعات التي أصبحتْ تعاني من تفكك هذا النسيج، ناهيك عن دور هذه القوانين في تقليل نسبة العنوسة في السلطنة... دمتم ودامت عمان بخير!

Khalid1330@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك