حاتم الطائي
يُثير دونالد ترامب -الذي باتَ في حُكم المؤكَّد أنْ يكونَ مُرشَّح الحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية، والسباق نحو البيت الأبيض للعام 2016- الكثيرَ من الجدلِ؛ بسبب مواقفه المتطرفة والمعادية للكثير من الإثنيات والمعتقدات، خاصة الدين الإسلامي الذي يعتنقه أكثر من مليار ونصف المليار شخص حول العالم؛ حيث دَعَا أكثرَ من مرة -وبشكل صريح واستفزازي- إلى مَنْع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهو بذلك يتبنَّى خطاباً متطرِّفاً يفيضُ كراهية وحقدا ضد هذا الدين الخاتم، والذين يُوجد في الولايات المتحدة نفسها الملايين ممن يدينون به، ولم يُوضِّح ترامب موقفه إزاء هؤلاء: هل يُطالب بطردهم إلى ما وراء الحدود رغم أهليتهم الكاملة كمواطنين أمريكيين ربما أكثر منه وطنية؟
وبمواقفه هذه، وَضَع ترامب حزبَه الجمهوري في موقف لا يُحسد عليه، واضطره أكثر من مرة لمحاولة التنصل من تصريحاته.
والردُّ المُفْحِم على تخرُّصات ترامب جاء من داخل أمريكا نفسها؛ حيث تابعنا جميعًا كيف أنَّ كافة القوى السياسية الأمريكية رأتْ في تصريحاته سطحية وتفاهة لا تليق بمرشَّح لسُدَّة الرئاسة في أقوى بلد في العالم. في وقت اتَّسمتْ فيه استنكارات واستهجانات العالم العربي والإسلامي لهذه التصريحات، بخفوت الصَّوت، وكانتْ خجولة للغاية وبصورة لا يُمكن تبريرها.
ولنا تساؤل: يا تُرى، هل كان ترامب يجرُؤ على الدعوة لمنع اليهود من دخول الولايات المتحدة؟ أو اتباع أية ديانات أو مُعتقدات أخرى كالهندوس والبوذيين؟ قطعاً لن يجرؤ، ولكنه وحتى يستقطب أصواتًا قليلة من اليمين المتطرف، أطْلَق هذه الدعوة الخرقاء، والتي تُنافي الدستور الأمريكي نفسه، الذي لا يُفرِّق بين المواطنين على أساس مُعتقداتهم.
يَعْلَم ترامب يقينًا أنَّه لو أطلق دعوةً مُماثلة بحقِّ اليهود مثلاً لكان رد الفعل مزلزِلًا؛ لذا عَمَد إلى مُغازلة اليهود ومجاملتهم بالقول: "أنا أكثر المحبِّين لإسرائيل، وأعدكم بمساعدات عسكرية"، يقول ذلك تأكيداً لموقفه الدَّاعم لإسرائيل وتطرفها وممارساتها القمعية في صراعها ضد الفلسطينيين.
... إنَّ موقفَ ترامب المعادي للإسلام يأتي في جانب منه مُتَّسقاً مع مَوْجة العداء لهذا الدين الذي يتعرَّض لتشويه مُتعمَّد في الإعلام الغربي، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر؛ حيث أصْبَح المتهم الأول في أي حادث يقع هناك، رغم أنَّ الجميع يعلم أنه كما يوجد هنالك تطرف إسلامي، هناك بالمقابل تطرف في الأديان الأخرى من مسيحية ويهودية وهندوسية وبوذية؛ فالتطرف له جذوره الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ولا يمكن قصره على دين معين.
ودينٌ في سماحة الإسلام لا يُمكن أن يُؤخذ بجريرة قِلَّة ممَّن أساؤوا فَهْم تعاليمه وفسَّروها وفقاً لأهوائهم المتطرِّفة والمتأثرة بمعطيات واقعهم الذي يعجُّ بالظلامات التي يتسبَّب الغربُ في العديد منها، كما أنَّ الغرب تسبَّب في نُشوء الكثيرِ من الحركات المتطرفة؛ ومنها: "داعش"، التي لم يكن ظهورها مُمكنًا لولا الغزو الأمريكي للعراق.
ورَغْم هذه الحقائق الماثلة، يُطالب ترامب بقرارات لتحجيم عدد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، وحصرهم في قاعدة بيانات خاصة بهم، في تناقض صارخ ليس مع الدستور الأمريكي فحسب، بل مع كافة المواثيق والأعراف الدولية والإنسانية التي تمنع التفرقة على أساس المعتقد.
ولا تقتصرُ تفلُّتات ترامب ومواقفه المتحيِّزة على الإسلام فحسب، بل تعدَّى ذلك ليشمل العديد من الإثنيات التي نالها بأوصاف وتقريعات تنمُّ عن نفسية مريضة؛ إذ عبَّر عن عنصريته الكرهية بموقفه من السود؛ حيث يقول: "إنَّ الكسل سمة مرتبطة بالسود"، مُتغافلا حقيقة أنهم يشكلون جزءًا مهمًّا من المجتمع الأمريكي، ولهم إسهامهم في بناءِ نهضة الولايات المتحدة، ولكن يبدو أنَّ ترامب لا يزال يعيش بعقلية الفَصْل العُنصري الذي يُصنِّف السود في أمريكا كعِرْق من الدرجة الثانية!
ولا يختلفُ مَوْقف ترامب من المكسيكيين كثيرا، حيث يدعو لبناء سور على الحدود مع المكسيك، على أن تدفع الأخيرة تكلفة بنائه، وتمادى في غَيِّه لينعت المكسيكيين بأنهم "خارقون للقانون" ومجرمون مسؤولون عن جلب المخدرات غير المشروعة إلى الولايات المتحدة!
... إنَّ الخطابَ العنصريَّ لدى ترامب يُزيد من الكراهية بين الشعوب، ويشوِّه الحقائق، ويخلط الحابل بالنابل، ولن تُفلح تبريراته لاستهداف الآخرين بحجة "أنَّهم يكرهوننا".
ومن المفارقات الغريبة في تصريحات ترامب: مُطالبته بالضغط لتخفيض أسعار النفط الشرق أوسطي، بنعرة استعلائية بغِيْضَة تعكسُ جَهْلَه بحقائق الاقتصاد، وهو يسعى من وراء ذلك إلى دغدغة أحلام بعض الأمريكان ممن يبحثون عن حلول سهلة للأزمة الاقتصادية؛ من خلال إلصاق التهم بالآخر دون وجه حق. ومثل هذا الخطاب الساذج له شيء من البريق والجاذبية لدى البعض في المجتمع الأمريكي، لكنَّه يبقى خطاباً خطيراً وعنصريًّا ومدمِّراً.
ويبقى السؤال: هل يمكن لدونالد ترامب، واستنادا إلى مواقفه هذه، أن يفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
شخصيًّا.. لا أتوقع ذلك، بل سيكون الطريق مُمهَّدا لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون؛ لتحل محل باراك أوباما في البيت الأبيض، وهي جديرة بذلك.