حسين الغافري
كُتِبْ أن يُعيد التاريخ نفسه بتواجد قطبي العاصمة الإسبانية مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا هذا العام، والمقرر أن تحتضنه ميلان الإيطالية بلاد الفن والموضة والجمال. للمصادفة فهو تكرار سريع لنسخة لشبونة التي تواجد فيها ذات الفريقين، والنهائي الثالث في آخر أربعة مواسم يكون قُطّباه ناديين من البلد ذاته، بعد نهائي بايرن ميونخ وبروسيا دورتموند الألمانيين عام 2013م. لم يكن الطريق مُعبداً كي يُستنّخ نهائي لشبونة، وحتماً لن تكون الظُروف ذاتها الذي حدثت قبل عامين، فقد شاب الفريقين من التغييرات ما يكفي حتى تكون مُباراة نهائية بما تحمله المباريات النهائية من معنى عنوانه الغموض والحسابات مجهولة والقراءات والتحليلات المُبّكرة و"المُبّتكرة"!
ريال مدريد "نادي القرن العشرين" مُعتاد على النهائيات الكُبرى، فهو بطبيعة الحال سيد أوروبا بألقابه العشرة ويصل للنهائي الرابع عشر في تاريخه، وهو إنجاز لم يصل إليه غيره قد يُعزّز من نجومه باللقب الـ11 مساء الثامن والعشرين من الشهر الجاري. أما أتلتيكو مدريد فهو الرقم الصعب والفريق المحارب الذي يقف على قدميه منذ أعوام ويكسر شوكة المال والبذخ الطاغية في عصر الاحتراف. أصبح "الهنود الحمر" منافسين حقيقيين لعمالقة الكرة، وأجبروا الجميع بأن يحسبوا لهم من الحسابات الشيء الكثير، وها هو أتلتيكو يُحقق إعجازاً كرويا قلما نُشاهده في وقتنا الحاضر من عنفوان مستمر ومجاراة غير مسبوقة بقيادة الأرجنتيني سيميوني الذي تزعّم هذه الثورة الرياضية الناجعة بالفريق. نهائي استحق أن يكون مدريدياً خالصاً يُظّهر سطوة الكرة الإسبانية وعنفوانها في الأعوام العشر الماضية بلقب أوروبي جديد وحصيلة ثلاث ألقاب في الثلاث أعوام الماضية بعد لقب ريال مدريد وبرشلونة آخر عامين.
وفي الجانب الآخر، شاهدنا تأهل أشبيلية الإسباني إلى نهائي الدوري الأوروبي بعدما أزاح شاختار الأوكراني من طريقه في نصف النهائي، ويسعى إلى لقبه الخامس بعد ألقابه الأربعة آخر عشر مواسم والثالث توالياً؛ ليُضاعف سيادته لهذه البطولة. وفي حال تحقيق أشبيلية اللقب سيضع إسبانيا مناصفةً مع إيطاليا كأكثر البُلدان تحقيقاً للقب البطولة. فياريال كان قاب قوسين من أن يضع النهائي إسبانياً لولا اصطدامه بليفربول الإنكليزي والذي أصبح تنافسياً وذا طموح رحب بقيادة الألماني يورغن كلوب بعد أن عاش التخبُطات في العقدين الماضيين.
المُتابع للكرة الإسبانية يلحظ تطورها المتسارع خلال آخر عشر أعوام. بدايةً بالمُنتخب الإسباني الذي حقق يورو 2008 و2012 وبين هذين العامين حقق كأس عالم 2010 بجنوب أفريقيا. هذا النهوض بالمُنتخبات الإسبانية مصدره بروز أندية محلية صقلت المواهب التي قادت إنجازات المنتخبات الإسبانية. ففي آخر عشر أعوام حققت إسبانيا ست بطولات دوري أوروبي مناصفة بلقبين لأتلتيكو مدريد وأربعة ألقاب لأشبيلية، واجتهادات أخرى كثيرة لأندية كفياريال وفالنسيا وبلباو ويرغها صعدت إلى الأدوار المُتقدمة من عمر البطولة. أما على صعيد دوري أبطال أوروبا فقد حققت آخر عشر أعوام خمس بطولات، أربعة لبرشلونة ولقب لريال مدريد وأصبح اللقب الجديد هذا العام مضموناً للإسبان مُجدداً. من هذا كُله نستنتج أن الأندية الإسبانية حققت اثنان وعشرين لقباً قارياً وعالمياً خلال عشر أعوام ماضية إذا ما أضفنا الألقاب السبعة بالسوبر الأوروبي والأربعة بكأس العالم للأندية.
ما نود قوله أن صحوة المُنتخبات الإسبانية لم تأتي عبثاً أو نظير حظوظ ومصادفات حدثت وانتهى معها الأمر. إنما هي دليل جُهد حثيث قائم ويواكب كُل الفئات السنية كما يهتم بتطوير الأندية واستقطاب النجوم الكروية الأمر الذي أدى إلى زيادة الشعبية الجارفة لكرة القدم في البلاد وانتشارها عالمياً. وقد نُشاهد على المدى القريب مع كل هذا الطفرة الإسبانية استنساخ للكرة الإسبانية في دول أخرى باعتبارها مرجعاً رئيسياً لكرة القدم الحديثة.