في رحاب الرؤية

عمار الغزالي

تَشرَّفتُ الأربعاء الماضي بالمشاركة في مُنتدى الرؤية الاقتصادي في دورته الخامسة والذي كان بعنوان "الاقتصاد العُماني .. من الأزمة إلى رحاب الفرص" والذي وإن كان يومًا واحدًا فقط إلا أنّه كان فرصة ثمينة لالتقاء جميع الأطراف ذات العلاقة من القطاعين العام والخاص والمُجتمع المدني وكافة المُهتمين بالشأن الاقتصادي.

والحق أنّ الرؤية لم تعد أبداً مجرد صحيفة، لقد أصبحت قريبة جدًا من كافة شرائح المجتمع العماني فبمبادراتها البناءة والمتنوعة، التي أهلتها لتكون قبلة المُبدعين من رجال أعمال ومفكرين ومبتكرين وكتّاب ومثقفين صغاراً وكبارًا ....ناهيك عن استحقاقها الصدارة كمنبرٍ للتعبير الحُر المسؤول يقدر منجزات الماضي ويستشرف المستقبل.

يأتي المنتدى هذا العام واقتصادنا الوطني يمر كغيره من اقتصاديات المنطقة بتحدياتٍ كبيرة بسبب انخفاض أسعار النفط وهو مؤثر عالمي تدخل فيه عوامل اقتصادية وسياسية كثيرة، ولعل تزامن المُنتدى مع ذكرى عظيمة مثل الإسراء والمعراج على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، يقوي فينا الأمل بأن الفرص تولد من رحم الأزمات وإنّ مع العُسر يسرًا.

في بداية الكلمة الترحيبية أعتذر المُكرَّم حاتم الطائي عن عدم قراءة الكلمة المُعدة مسبقاً بسبب نسيانه لنظارته وكتعويض للحضور وبكرمه الحاتمي الطائي المعهود وعدنا مازحاً بأن يخلع الرسمية ويتكلم بعفوية وشفافية .. وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا... بعد الكلمة الترحيبية تحرر الجميع من نظاراتهم وبرزت الشفافية عنواناً للمُنتدى..

ناقش المُنتدى تحديات الاقتصاد الوطني والتي من أهمها تحديين رئيسيين: الأول هو توفير فرص عمل للمواطنين، حوالي 400 ألف مواطن سيدخلون إلى سوق العمل من عام 2016 إلى 2022 سواء من خريجي الدبلوم العام أو البكالوريوس، بالنسبة للقطاع الحكومي لا يتحمل حالياً التوظيف الإضافي بسبب الأعباء المالية وأيضاً بسبب الترهل الحكومي، عندنا القطاع الحكومي كما هو معروف يُعاني من الترهل الحكومي، نسبة موظفي القطاع العام إلى إجمالي السكان عالية جدًا حوالي خمسين إلى ألف في حين في الدول المُتقدمة تتراوح النسبة من خمسة إلى عشرة موظفين لكل ألف من السكان. التحدي الثاني الرئيسي هو العجز المالي الناشئ عن انخفاض أسعار النفط ، بالأوضاع الحالية من المتوقع ألا يقل العجز في العام الحالي عن خمسة مليارات ريال عماني، عجز 3 سنوات متتالية بنفس الوتيرة - لا قدر الله - يساوي جميع أصول الصندوق الاحتياطي للدولة والمتراكمة خلال الأربعين عاماً الماضية منذ تأسيس الصندوق، أتحدث عن صافي أصول الصندوق وليس العوائد فقط، يعني حجم العجز ليس بالهين نسبياً.

الآنّ كلنا نقول إنّ الحل هو تمكين القطاع الخاص، لكن تمكين القطاع الخاص هو عملية تراكمية وليست لحظية فجائية، ولا نذكر هذا من قبيل الندم وإلقاء اللوم .. بيد أنّ هذا لا يعذرنا من الاستفادة والنظر في دروس الماضي بعين حاذقة تستخلص العبر لمستقبلٍ أفضل، لتمكين القطاع الخاص لابد من النظر بعين الاعتبار لثلاثة تحديات رئيسية، بات القطاع الخاص يترنح من تداعياتها، التحدي الأول: نحتاج إلى قانون استثمار أجنبي فعّال يرفع القيود عن المستثمر .

نعم هناك إنجازات في الترويج للاستثمار الأجنبي ....لكن في النهاية الأرقام تتحدث، لقد انخفضت نسبة نصيب السلطنة من إجمالي الاستثمار الأجنبي في الخليج من 8 في المئة في 2003 إلى 3 في المئة في 2013 بالرغم من ارتفاع المبلغ كرقم مطلق إلى حوالي 16 مليار ريال عماني ...لكن لكي تعرف مستواك لابد من أن تقيسها بشكل نسبي، فمنذ عام 1995 وتحديدًا من بعد رؤية عُمان 2020 ونحن نتحدث عن تعديل قانون الاستثمار الأجنبي وإلى الآن لم ير القانون النور، أيضًا حسب بيانات البنك المركزي الرسمية هناك تحويلات مالية معتبرة إلى الخارج في 2015 مما يدل على انخفاض مؤشر ثقة رجال الأعمال. التحدي الثاني هو الحاجة إلى تحديث قوانين العمل واستقدام العمالة الوافدة، لابد من المزيد من الانفتاح وتسهيل الإجراءات، وبالرغم من تفهم الجميع لتحديات القوى العاملة بالسلطنة وعلاقتها بالتجارة المستترة إلا أنّه يجب الحذر عند محاولة تحقيق أهداف ذات آثار متناقضة في نفس الوقت، نحن نُريد تسهيل الاستثمار وفي نفس الوقت نصعب إجراءات الموافقة على أيّ مستثمر بهدف القضاء على التجارة المستترة، إنّ تعقيد الإجراءات بهدف القضاء على التجارة المستترة سيُفضي حتماً إلى القضاء على التجارة بأكملها، أيضاً بالنسبة لاستقدام القوى العاملة لا يمكن للموظف في القوى العاملة أن يُفصل ويُقرر ويُحدد احتياجات شركة فيها 3000 موظف وعامل.. فإذا كانت هناك شركة مخالفة وتعدت النسبة المفروضة في فترة من الفترات بسبب ظروف معينة... من المُمكن فرض ضريبة عليها إضافية ولكن لا يُمكن أن أعطل جميع أعمال الشركة وأحظر نشاطاتها، كما فعلت بعض الدول كالبحرين التي بدأت منذ أول مايو تطبيق هذا النظام بحيث تفرض ضريبة إضافية لكل عامل إضافي إذا لم تحقق الشركة نسبة التوطين المطلوبة بنظام جديد أطلق عليه اسم (البحرنة الموازية)، أيضاً على أيّ أساس وضعت النسب المطلوبة للتعمين، أيضاً لا يُمكن أن أساوي توطين وظيفة قيادية بالشركة بوظيفة أخرى، هذا سيدفع الشركات لتعمين الوظائف البسيطة بغرض الوصول لنسب التعمين المطلوبة، وبعدها نسأل أنفسنا لمذا لا يصل العُمانيون إلى الوظائف القيادية، الموضوع يحتاج إلى تفصيل أكبر سأفرد له مقالاً بإذن الله تعالى. التحدي الثالث: نحتاج الى تسهيل الإجراءات ورفع مستوى خدمات المراجعين، كقطاع خاص يهمنا أمران في تسهيل الإجرءات لا ثالث لهما: الأول وضوح الشروط اللازمة للحصول على أي موافقة والثاني المدة اللازمة لإنهاء المعاملة، ولابد من وجود هذه المعلومات على الموقع الإلكتروني لكل جهة حكومية.. للأسف بعض مواقع الجهات الرسمية لا تكاد تجد فيها ما يُفيد، ولن نصل لهذا الهدف إلا بالمزيد من الحوكمة والشفافية والمساءلة بناء على مؤشرات قياس الأداء، وإذا رجعنا أيضًا للغة الأرقام نلاحظ انخفاض ترتيب السلطنة في مؤشر التنافسية العالمي، وهي جهة مستقلة ومحايدة، محترمة ومعتبرة عالمياً، إنّ حضرة صاحب الجلالة -حفظه الله تعالى- أعطى توجيهات واضحة لتمكين القطاع الخاص، والمجتمع العُماني متهيئ لهذا التحول، ما نحتاجه هو أداة تنفيذية قوية تحترم مؤشرات قياس الأداء.

تواصلت فعاليات المنتدى إلى ما بعد الساعه الثالثة والحضور الكريم "بدون نظارات" وفي قمة الحيوية يناقشون فرص وتحديات سوق العمل حتى تسللت إلينا روائح بوفيه الغداء وداعبت العقول والبطون لتطلق صفارات النهاية وتأذن بالوداع.

شكرًا جزيلاً للرؤية ولجميع القائمين على إنجاح الفعالية الرائعة، وإلى المزيد من العطاء والبناء والشفافية من أجل عُمان.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة