الادخار في ظل الأزمات

مدرين المكتومية

من يقول إنّ المال لا يصنع المُعجزات ومن منِّا يقول إنّ المال لا يغير الأحوال ولا يجعل للشخص مكانة، فكم من فقيرٍ له أمنياته ولا سبيل لتحقيقها في زمن أصبح فيه المال يشتري الماء والهواء ويدفع حتى ثمن حواراتنا معًا، لا يعني ذلك أنّ المال يشتري السَّعادة، لكن المؤكد أنّ عدم وجوده يُمكن أن يأتي على أية سعادة فالفقر قد يحرم الإنسان من التمتع بالصحة، بل قد يُؤدي عدم التمكن من توفير مقابل العلاج إلى فقدان الحياة.

فالمال إذن ليس نقمة إلا إذا فقد أهميته لدينا فأنفقناه فيما يضر، ويتوجَّب علينا العمل بقدر ما يُمكننا من التوفير لأيام قد لا نعلم ما تأتي به، وكما يقول المثل "القرش الأبيض لليوم الأسود"، وهذا المفهوم يبدو غائبًا ليس فقط عن الأفراد بل كشفت أزمة تراجع النفط أنّه كان غائباً أيضاً عن بعض أجهزة الدولة، وهذا ما عظَّم من آثار الإصلاح الذي تحاول الحكومة عمله فرأينا قوائم بحوافز للموظفين يجري إلغاؤها فلا يرضى من كانوا يحصلون عليها ولا من لم يحصلوا عليها بعد أن انتبهوا إلى أنّ بعض زملائهم كانوا يحصلون على مزايا لا يحصل عليها وزراء في دول أخرى.

حاجتنا لمراجعة حساباتنا سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى المؤسسات والبنوك أصبحت ملحة، فهذا الحساب والرصيد هو السند في مستقبل لا نعرف ما يحمل لنا في ثناياه، ومن هنا فعلى كل فردٍ أن يَعدَّ العدة لمستقبله وأن يحسب لنكسات قد تعتري حياته ألف حساب، لأننا لا نعلم ما الذي سيحدث بعد سنة أو شهر أو حتى ليلة، ولكن إن استطاع الشخص أن يدَّخر لنفسه مالاً للأيام الصعبة يكون قد أنجز الأهم وحصن نفسه من نوائب الدهر، لأن المال سنداً حقيقياً لك في وقت الشدائد، حيث ليس بمقدور الآخرين سوى مواساتك في المرض ودفع فاتورة العلاج، أو على الأقل يمكن أن يبدوا حزنهم لأنك لا تستطيع تسديد رسوم التعليم لأبنائك الذين حرمهم عدم وجود المال من إكمال دراستهم.

وتمثل العلاقات الاجتماعية الأخرى أمرًا مهماً في حياتنا ولكن قلة المال قد تؤثر عليها سلباً أيضآ فيجد أصحابها أنفسهم بين مقارنات لا داعي لها، ويجدون أنفسهم غير قادرين على الانخراط مع من يمتلكون المال، حتى لا يُقال بأنّ لديهم مصالح شخصية من وراء ذلك، وحتى لا يشعرون بأنهم أقل مستوى، خاصة وأنّ المجتمع أصبح يمارس دور البحث عن السبب قبل البحث عن الروابط الإنسانية، وعن الصلات البشرية وعن الفطرة الأولى التي تحترم الإنسان قبل كل شيء بدون أي مقارنات تحكمه كما هو الحال عند موته، فالمسلمون قد يتمايزون في الدنيا ولكنّ مصيرهم واحد حيث تجمعهم الآخرة حين لا يصبح لأي شيء أهمية، وهذا لا يعني أن ننتظر أن نتساوى تحت التراب بل علينا أن نسعى لأن نكون كغيرنا وندخر لمستقبلنا ونكون قادرين على المواجهة والصمود في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المنطقة، وخلاصة الأمر هو أن المال أصبح جزءا أساسياً في زمان صارت المادة هي المحرك الأساسي لكل شيء، وبالتالي علينا أن نحسن ونطور من إمكانياتنا لنخلق لأنفسنا فرصاً حقيقية تجعلنا نعيش حياة كريمة.

madreen@alroya.info

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة