مستقبل العلوم البشرية وواقع العرب

فيصل بن زاهر الكندي

خلال المائة عام المُنصرمة تغيَّرت طبيعة الحياة تغيراً ملحوظاً في شتى المجالات شملت الاتصالات والمواصلات والأنظمة العسكرية والصحة والنظام الغذائي وكذلك المناخ حتى أصبح العالم عبارة عن قرية إلكترونية قرَّبت البعيد وأبعدت القريب وتسابقت الدول لتجديد علومها ولتطوير تقنياتها استعداداً للمستقبل المُشرق بالانفجار العلمي فما هو مستقبلنا كعرب تجاه هذه التغيرات هل نحن مستعدون للمستقبل أم أننا رضينا لأنفسنا التبعية.

في السابق كان النّاس يستخدمون البهائم في التنقل ولم يُفكر واحد منهم بأن يتم لَّي مجموعة من المعادن لتصميم مجسم ممكن أن يستخدم كوسيلة للنقل لتقرب المسافات والمدن والدول والقارات، وتحقق ذلك وانبهر الناسُ بهذا التحول الكبير للبشرية ولم يتركز هذا التحول العجيب في البر والبحر فحسب وإنما تعداهما إلى الجو وكذلك الحال لو تحدثنا عن التواصل ففي السابق كانت الرسائل تستغرق شهوراً لتصل وربما لم تصل حتى أنّ البعض أصبح ضحية المراسلات العسكرية، فقد كانت الرسالة تكتب في رأس أحدهم ثم يمهلوه حتى ينمو شعره فيرسلوه في مهمته وفور استلام الرسالة وقراءتها تتم تصفيته مباشرةً حتى لا يطلع الأعداء عليها.

اليوم أصبح شيئاً مألوفاً مشاهدةُ طائرةٍ تطير دون طيار والتحكم بطائرةٍ وأجهزةٍ إلكترونية بالساعة ومراقبة ما يحدث في البيت عن طريق الهاتف النقال ورجلٌ آليٌ يتحدث إليك ويقوم بأعمالٍ منزليةٍ وجراحة المخ والقلب ورعاية الأطفال وكبار السن بل وإعداد الحليب لهم كذلك أصبح شيئاً عادياً القيام بالحديث مع شخص في الصين مباشرةً بالصوت والصورة واستلام رسائل من أشخاص من عدة قارات خلال ثوانٍ والرد عليهم خلال ثوانٍ بل بالإمكان إرسال صورة المكان الذي أنت فيه والمقاطع والملفات التي تمتلكها ولا يكلفك ذلك شيئاً إلا ضغطةُ زِر.

ربما يتعجب القارئ الكريم مما سَرَدْتُهُ هنا فلم أذكر شيئاً جديداً ولا غريباً، لكنه كان كذلك في السابق لدرجة أنك لو أخبرت شخصاً قبل مائة عام عن التقنيات التي يمتلكها كل فردٍ منِّا اليوم لا تهمك بالجنون والسحر لأنك تتحدث عن أوهامٍ وخيالاتٍ لا يُمكن لها أن تتحقق بل إنّ مجرد التفكير فيها يعتبر مضيعة للوقت وسبب ذلك هو أن توقيتُ ظهور هذه التقنيات لم يصل بعد فلكل زمان تقنياتُه وأدواته ووسائله التي تناسب احتياجاته فالحاجة أُمُ الاختراع فنحن في بدايات القرن 21 هناك دراساتٌ قائمةٌ وتجاربٌ تجرى لتأسيس علوم وتقنياتٍ سوف تظهر قريباً لم يكن الواحد منّا يتوقع أن تتحقق على سبيل المثال هناك تجاربٌ تجرى الآن لجعل الإنسان يطير دون طائرة وأخرى تجعله يختفي ويظهر في منطقةٍ أخرى وسياراتٍ بدون سائق والسوار الهاتف الذي تتحكم به بكل شيء حولك وكذلك جهاز مستقبلي للمكفوفين يساعدهم في التسوق ولا ننسى الكتب الإلكترونية eRoll الذي يسمح لك بقراءة الكتب بواسطة شاشة مرنة سهلة الطي وسنشهد أيضاً هواتف مستقبلية تحتوي على حاسب آلي متكامل وكذلك جهاز مدور نفايات المطبخ الذي يقوم بتحويل نفايات المطبخ إلى طاقة يمكن الاستفادة منها وجهاز يمكنه أن يقرأ ما في عقلك وتكنولوجيا النانو التي ستمكننا من علاج أدق اﻷمراض ولا ننسى الرجل اﻵلي سيدخل المزارع بدلاً منّا وسيقوم بالواجب ونحن نضع رجلاً على رجل.

بعد مائة عامٍ من الآن ربما ستتمكن البشرية من التحكم بالجاذبية الأرضية وهي إحدى أهدافهم الكبرى وستظهر تقنيات نعتبرها اليوم من المستحيلات وربما حدثت في الأحلام لكنها ستحدث وستتحقق وستعتبر التقنيات المتطورة التي لدينا اليوم مجرد ألعاب للأطفال لا قيمة لها مقارنةً بالانفتاح العلمي الذي سيصلون إليه مستقبلاً فالمناخ سيتبدل والدول ستتغير والفكر سيتغير والتعليم سيتطور ونمط الحياة سيتغير ووسائل الاتصالات والمواصلات ستتغير فالوقت يمضي بسرعة وفي كل يوم اختراعٌ أو اكتشاف فهناك من يعمل ليل نهار لتحقيق ذلك وهذا شيءُ طبيعيٌ فالحاجةُ أُمُ الاختراع والعلم ليس له حد والتطور مستمر فأين موقعنا من هذا كله؟.

قديمًا كُنا نحن العرب أشهر المخترعين والمفكرين كالكاميرا مع ابن الهيثم والطربيد مع الرماح والحاسبات التناظرية مع أبو الريحان والاستطرلاب مع أبوبكر الفرازي وغيرها والدورة الدموية الصغرى مع ابن النفيس والانعكاس الضوئي مع ابن الهيثم واستخلاص العطور مع ابن سيناء ورقاص الساعة مع ابن يونس المصري ومحاولة الطيران مع عباس ابن فرناس وغيرهم في شتى العلوم والمعارف لا يتسع المقام لذكرهم.

تعتبر الدول العربية اليوم متأخرةٌ جداً في مجال الاكتشافات والاختراعات فلو قارنا معاهد اﻷبحاث العلمية التي تمتلكها إسرائيل وحدها بما عندنا نحن العرب فهي لا تعتبرُ شيئاً بل لا تذكر فإسرائيل تحولت من كونها كيان استيطاني يعتمد على الزراعة إلى دولة متقدمة تعتمد بنيتها العسكرية والصناعية على المعرفة فهي تمتلك 55 مؤسسة للتعليم العالي و23 مؤسسة تأهيل للمعلمين و24 كلية أكاديمية تدرس أكثر من 500 تخصص عدد طلابها يزيدون على 270 ألفًا رغم ذلك تحتل المركز 15 من جهة الأبحاث المنشورة وتنفق سنوياً 4.7% للبحث العلمي لذا ينبغي على العرب أن يعيدوا النظر في قضية الدراسات والبحوث العلمية والاتجاه بقوة تجاه الاختراعات والاكتشافات، فالعرب يمتلكون رصيداً ثقافياً قوياً أكبر مما لدى الآخرين يؤهلهم للقيام بذلك وعقيدتهم تحثهم على طلب العلم والسير في الأرض واكتشاف ما فيها وإن ماضيها التليد يعكس صورة مصغرة لذلك فقد كنّا في العُلا علمياً وثقافياً فيما كانت أُوروبا تعيشُ في الظلام لذا فالوحدةُ مطلوبةٌ في جميع المجالات ففي الاتحاد قوة وفي الفرقة ضعفٌ وشتات فلنعالج قضايانا ولنتوحد في جميع المجالات البناءة ولنترك الخلافات جانباً ولنكن مستعدين لمستقبلٍ علميٍ باهر يعيدنا ﻷمجادنا.

تعليق عبر الفيس بوك