إلهام الهلاليَّة
"الفوز بمسابقة معمارية هو طريق تصميمك الفائز إلى النسيان.. ونادراً ما تتحول الفكرة الفائزة إلى بناء حقيقي ومكتمل بنسبة 99%".. كانت هذه إحدى مقولات دانيال ليبسكيند وهو مهندس معماري أمريكي معاصر فاز بالعديد من المسابقات المعمارية العالمية؛ حيث إن المعمار هو أحد الفروع التي تقع في دائرة التصميم والإبداع والذي يحتاج لعوامل وبيئة محفزة لتنمو جذور هوية البناء المعماري للمجتمعات. والجدير بالذكر أنَّ أغلب المشاريع المعمارية الكبرى في العالم كانت نتاج مسابقات معمارية تنافس عليها كبار المعماريين وآخرون ذاع صيتهم واتسعت شهرتهم من خلالها.
المنافسات والمسابقات المعمارية تشمل التنافس لإيجاد الفكرة وعلاقتها بمقياس الجمال والاختلاف والغموض والمنطق.. إلى جانب تحقيق بعضها وإسناد تنفيذها للفائز في أحيان أخرى. هذه المنافسات تجعل المجتمعات تنبض بالحيوية والرغبة في تقديم الأفضل؛ حيث إنَّ تاريخ المسابقات المعمارية حافلاً بالإنجازات منذ القدم. فعلى سبيل المثال يُعدُّ معبد الأكروبوليس المعروف في أثينا أحد نتاجات المسابقات المعمارية التي عقدت قبل 2500 عام؛ حيث كانت البدايات لهذه المنافسات.
وعلى مرِّ السنين، تستمر العمارة في جني روائعها من مختلف المسابقات المعمارية لتستمد الأفكار حيث كانت؛ حيث تعدَّدت بأسماء ونطاقات مختلفة قد تشمل العالم وقد تشمل نطاقات جغرافيه محدده وقد تشمل المحترفين وأخرى للطلاب.
الجدير بالذكر أنَّ هناك الكثير من أمثلة كبار المعماريين الذين انتهجوا نهج الإصرار والإبداع واختصروا طريق الشهرة ووضعوا بصمتهم في عالم العمارة من خلال هذه المسابقات؛ حيث تعد المعمارية الراحلة زها حديد ممن شق طريق الشهرة وتمكنت من تسليط الأضواء لأعمالها من خلال المسابقات ومن أهم أعمالها الفائزة مبنى متحف الفن الحديث في أمريكا ومشروع القاهرة اكسبو سيتي. إلى جانب الكثير من المعماريين المشاهير.
وهناك الكثير من المسابقات التي تنشط في مجال العماره مثل جائزة آغا خان العالمية للعمارة، وجائزة المعهد الملكي للمعماريين البريطانيين RIBA، وجائزة الشيخ ناصر بن حمد للإبداع الشبابي في مجال العمارة، والكثير من المسابقات على مستوى العالم ودول الخليج العربي.
الملاحظ أن معماريي عُمان والوطن العربي يلجأون إلى مسابقات خارجية تحتضن إبداعاتهم وتحتفي بأعمالهم.. ومما شدني في الفترة الأخيرة لجوء بعض شركات القطاع الخاص لمثل هذه المسابقات؛ وذلك لأجل انتقاء صاحب التصميم المميز ومكافأته بتقديم أفضل الامتيازات له لتقديم الأفضل بما يصـب في المصلحة الخاصة والعامة.
أرى أن توجههم في طريقة اختيار المتقدمين هو توجـه صحيح وصائب جداً! والسؤال الذي يطرح نفسه في ميادين العمارة: لماذا تندر هذه المسابقات محليًا؟ أليست عمان بحاجه لتسديد أسهم الإبداع في مشاريعها؟ وما هو مدى حاجتنا لشق الطرق للبحث عن أشهر المعماريين العالميين الذين اشتهرت أعمالهم في إحدى المسابقات لتصميم أحد مشاريعنا المحلية؟ هل ثقافة المسابقات المعمارية وثورتها موجودة في مجتمعاتنا المحلية؟ بعيداً عن المناقصات وبيئة العمل، هل سيتمكن المعماري العربي فرداً فرداً من رفع مستوى أعماله لتصل للعالمية من خلال مسابقة فقط؟! لمَ لا تنتهج المؤسسات سياسة المسابقات للفوز بأفضل تصميم ناجح جمالياً وعملياً قبل إسناد العمل وتخصيص استشاري بطريقة مباشرةً؟
وكمثال محلي لترسيخ ثقافة المسابقات المعمارية: دور شركة عمران المتخصصة في تطوير القطاع السياحي في السلطنة؛ حيث أعلنت مؤخراً عن رغبتها في استقطاب أفضل المصممين لمشاريعها السياحية عن طريق تقديم المقترحات التصميمية؛ وذلك لخلق مساحة واسعة للشباب العماني وتوفير خيارات متعددة له ليضع لمساته الإبداعية على أرض وطنه.
قد يكون توافر مساحة من مجمع الابتكار مسقط لتبني هذه الثقافة وترسيخها أحد الحلول التي تستثمر إبداعات معماريي عمان.. تساؤلات وحلول مُقترحة تنتظم في بوتقة العمارة لكل من يتوق للتميز وحب المنافسة والتحديات من معماريي السلطنة.. نأمل أن تتقدَّم الفكرة ولا تتقادم، فثمة إبداع ينتظر مساحات عمان الشاسعة.
* مهندسة معمارية
elhamhilali90@gmail.com