المناظرات وثقافة الحوار

خلفان العاصمي

لم يكن مفاجئا لي أن تربط محدثتي في الحوار الذي دار بيني وبينها خلال استضافتي لها عبر برنامجي الإذاعي (نهاية الأسبوع) حول أهمية نشر ثقافة الحوار لدى طلاب المدارس على وجه الخصوص وعلى مستوى فئة الشباب بشكل عام؛ بين التصعيد الذي صاحب أحداث عام 2011 من تخريب لبعض المتلكات العامة والخاصة وأعمال الشغب الأخرى التي نتذكرها جيدا، وبين عدم وجود لغة حوار واضحة وصريحة بين المستقبل والمرسل خلال تلك الأحداث؛ حيث إنّ الفجوة ما بين جيل شاب لديه الكثير ليقوله ويعبر عنه ولكنّه يفتقد لاستراتيجيات الحوار الصحيحة وبين محاوِر لا يتقن اللغة المناسبة لإيصال الرسالة كما يريدها ذلك المستقبِل لها.

من خلال هذا الموقف أيقن الجميع وخاصة الجهات المعنية عن الشباب سواء وسائل الإعلام أو المؤسسات التعليمية ومؤسسات المجتمع المدني بأهمية وجود الحوار الناجع ما بين الشباب بعضهم البعض وبينهم وبين الأطراف الأخرى سواء كانت المتفقة معهم في الرأي أو المختلفة. ولعلنا نتذكر ما جاء بعد تلك الفترة من برامج إعلامية منها (منتدى الوصال) الذي ما زال يبث حتى الآن عبر إذاعة الوصال والبرنامج التلفزيوني (حوار الشباب) الذي بث على مدى أكثر من دورة برامجية عبر تلفزيون السلطنة، وبرامج أخرى وُجّهت للشباب وهدفت إلى تقريب ما يدور في فكرهم والتوجهات العامة في السلطنة.

جاء ذلك تأكيدا على وجود حاجة ملحة إلى تعزيز ثقافة الحوار وتعلّم استراتيجيّاته وفنياته ومهاراته وآدابه وقيمه العامة وأصوله لدى جميع افراد المجتمع، في ظل معطيات العصر الحالية من سرعة معرفية هائلة وتضاعف مستمر لتدفق المعلومات، مما خلق فجوة معرفية ورقمية بين ما يملكه الانسان من معلومات وبين ما هو جديد منها؛ وهذا ما تطلب من الجميع فتح قنوات اتصال وتواصل فكري وثقافي واجتماعي دائم من أجل ردم تلك الفجوة أو تجسيرها.

وتتأكد أيضًا الحاجة للحوار بين افراد المجتمع لمواجهة الكثير من القضايا المجتمعية المعاصرة في شتى الميادين المختلفة خاصة في ظل التقدم الهائل والعولمة التي طغت على العالم اليوم في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تتيح للفرد في أي مكان من العالم أن يشارك في الحوار ومتابعة الأحداث وتبادل الآراء مع الآخرين من خلال وسائل الاتصال الإلكترونية والشبكة العالمية للمعلومات.

وعلى مستوى المؤسسات التعليمية فقد تبنّت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع اللجنة الوطنية للشباب برنامجا يعنى بتعزيز استراتيجيّات ثقافة الحوار لدى طلاب المدارس يستهدف تزويد طلاب الصفين الحادي عشر والثاني عشر باستراتيجيّات الحوار الفعّال، وكنت قد طرحت على ضيفتي فكرة أن يبدأ تعويد الطلاب على كل ما يخص الحوار منذ وقت مبكر سواء عبر تشريب المناهج بذلك أو من خلال الأنشطة اللاصفية الموجهة، حيث يتم من خلال البرنامج التدريبي تدريب عدد من معلمي المواد الإنسانية على هذه الاستراتيجيات؛ بهدف تعريفهم بماهية الحوار والمهارات اللازمة للمحاور، وتوظيف استراتيجيات تعلم وتعليم الحوار، والتعرف على نماذج تطبيقية محلية وإقليمية حول استراتيجيات تعزيز ثقافة الحوار لدى طلبة المدارس، والتركيز على التعريف بماهية الحوار والمهارات اللازمة للمُحاور، والتعريف بمفاهيم وأسس ثقافة الحوار، واكتساب المتدربين المعارف الأساسية للحوار، والتعرف على أنواع الحوار ومستوياته، والمهارات التي يتطلبها، والتعرف على المحددات والقواعد التنظيمية له وتدريبهم على استراتيجيات تعلّم وتعليم الحوار، وتوظيف هذه الاستراتيجيات المتمثلة في التعلم التعاوني، الألعاب التعليمية، المحادثة، المناقشة، تمثيل الأدوار، العصف الذهني، العروض التمثيلية، التعلم بالاكتشاف، الخريطة الذهنية والمناظرات، والتي تعد من الأساليب البارزة في الوقت الحالي فيما يتعلق باستراتيجيات الحوار، وخاصة على مستوى المؤسسات التعليمية والشبابية، حيث شهد هذا النوع الأدبي من أنواع الحوار تصاعدا ملحوظا في عدد الممارسين له على المستوى المدرسي وعلى المستوى الجامعي كذلك، حيث اطلقت وزارة التربية والتعليم مسابقة للمناظرات تتنافس فيها مختلف المحافظات على المستوى المركزي وتمثل المحافظة الحاصلة على المركز الأول السلطنة على المستوى الدولي في المنافسات التي تقام بدولة قطر من تنظيم مركز المناظرات هناك، حيث حصلت السلطنة مؤخرا على المركز السابع ضمن التسلسل العالمي فيما تم اختيار أحد المدربين المحليين ليكون سفيرا للمركز في السلطنة، وعلى المستوى الجامعي فقد أطلق عدد من مؤسسات التعليم العالي أندية خاصة بالمناظرات لعل أبرزها نادي جامعة صحار والذي يستعد حاليا للمنافسة على المستوى العالمي.

تعليق عبر الفيس بوك