النجار يقدّم في مذكرات "شيخ المؤرخين العرب" سيرة ذاتية حافلة بالأحداث التاريخية

مسقط - الرؤية

استهل مصطفى عبدالقادر النجار فصول سيرته الذاتية ضمن كتاب "مذكرات شيخ المؤرخين العرب " الصادر عن الدار العربية للموسوعات بالإشارة إلى تاريخ ومكان ميلاده "ولدت عام 1935 من أب نجار.. بيتنا كان في الصبخة الصغيرة التي تقع على شط العشار المتفرع من شط العرب.. أبي حقق أمنيتي في تكملة دراستي الجامعية.. أرسلني مع والدتي ليتم قبولي في دار المعلمين العالية"..

ولأنّ مذكرات القادة ورجالات الفكر تكمن أهميتها في أنّها تعد وثائق حيّة معاصرة للحدث التاريخي وتنقل الصورة مباشرة دون الاعتماد على تواتر الأحداث وأسانيدها المتصلة أو حتى المنقطعة؛ فقد توخّى النجار في سفره القيم هذا الحقيقة أينما كانت، وأتى على ذكرها بإيجابياتها وسلبياتها؛ ليكون صادقا مع قلمه وفكره لاسيما وأنّه رأس منظمة أمانة التاريخ العربي لأكثر من عقد من الزمان وتقلد مناصب عديدة وعكف على قراءة التاريخ لعشرات السنين حتى حاز بجدارته وسعة علمه في هذا الجانب لقب "شيخ المؤرخين العرب". ويحفل كتاب النجار بكم هائل من المعلومات القيّمة سردها بين أضابير محطات حياته المختلفة من ترعرع صبا إلى مراحله التعليمية وحتى مرحلة شغله مناصب إدارية في عدد من المدارس حتى أنّه تسنم منصب نقيب المعلمين في البصرة عام 1976 ومعيدًا بجامعة البصرة وأستاذا متفرغًا في بعض الجامعات العربية، ولم ينس أن يتطرق إلى فترة حياته وهو ضابط برتبة ملازم ثان إبّان تخرجه من كلية ضباط الاحتياط؛ لذا لاغرو إن قلنا أنّه كان شاهدًا على عصره إذ شهد فترة الملك الراحل فيصل الثاني ملك العراق، وعاصر تقلبات السياسة في العراق بعد حكم عبد الكريم قاسم الذي أطاح بالملكية، وانقلاب 1963م، وفترة صدام حسين قبل أن يقرر مفارقة وطنه إثر مؤامرة حيكت ضده؛ فغادر أرض الصبا مُكرها نحو اليمن ليشرف على مناهج التاريخ بجامعة صنعاء ثمّ مغادرا منها إلى مسقط مستشارًا أكاديميًا بمكتب جلالة السلطان للشؤون الثقافية بالديوان السلطاني..

ويعترف النجار أنّه لم يزاول أي نشاط سياسي ولم يحضر أي اجتماع سياسي أو حزبي، وأنّ توجهاته لا تخرج عن إطار القومية العربية وتحمّسه للعروبة. ويصف نفسه وهو جالس على "كرسي الاعتراف" أنّه إنسان مفكر وعالم وباحث ومؤرخ، وتتقلب نفسه بحسب قوانين النفس الإنسانية ما بين ضجر وسعادة وتفاؤل وكآبة غير أنّه يرى في القلم والكتاب لذة تنسيه كل رهق الحياة.

وكصفحة من حياته المنفتحة على كل العلوم والثقافات والحقب التاريخية التي سبر أغوارها آثر شيخ المؤرخين العرب ألا يعمد إلى تقسيم كتابه إلى فصول وأبواب فقد تدفقت سني حياته منسابة بين دفتي الكتاب بتواتر طبيعي متنكبا لغة مباشرة ومنهجا سرديا قادرا على نقلك إلى زمانك المعاصر بملكاته ومواهبه التي تحفزك للحوار معه ورقيًا بمتعة شديدة.

ويسلط الكتاب الضوء على مسيرة النجار العلمية ومراحله الدراسية المختلفة، وعدد اللجان والمحافل العربية والدولية التي شارك فيها، والأوسمة والدروع والميداليات التي تقلدها والشهادات التقديرية التي حصل عليها ومن بينها تتويجه من قبل المعهد الأمريكي بجائزة رجل العلم للعام 2007م، ويسرد في سفر الذكريات الكتب التي ألفها بجانب البحوث المنشورة في مختلف الدوريات العالمية، كما حوى بعض ما كُتب ونشر عن النجار على لسان آخرين في الدوريات العلمية العربية والأجنبية، ومثال لذلك ما كتبه خالد الشنقيطي عن الحوار الذي دار بين صدام حسين والنجار حين طلب الأول من بعض الباحثين ما يُثبت ملكيّة العراق للكويت كجزء منه، بالإضافة إلى قصّة اتّهام النجار بأنّه أصبح عميلا للنظام الأردني فقط لأنّه اثني على العاهل الأردني الراحل الملك حسين. وتضمنت الشاهدات أيضًا كلمة لدكتور إبراهيم العلاف أستاذ التاريخ بجامعة الموصل التي أوضح فيها دور النجار في إقامة الدعامة الخليجية والعربية عبر تأسيس "مركز دراسات الخليج العربي" حتى جعل منه المركز البحثي الأول في منطقة الخليج العربي.

وحمل الكتاب رؤى الدكتور النجار بخصوص دراسة وقراءة التاريخ العربي الحديث وتاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر، وذلك من منطلق أنّ الخليج جزء من نسيج الوطن العري الكبير لذا أي تغيير أو مشاحاة تبعدنا عن هذه الحقيقة ويرى أن أي دعوة برزت في منطقة الخليج تدعو إلى الأسرية أو العشائرية أو القطرية أو الإقليمية أجهضت ولم يكتب لها النجاح.

وينطلق النجار في كتابه من منطلق أنّ الاهتمام بالتاريخ السياسي لا يكون بمعزل عن التاريخ الاجتماعي والحضاري والفكري والنفسي. ولم يقتصر التناول في الكتاب على الحكي التاريخي فقط بل نلمح جنسا أدبيا آخر بين صفحات الكتاب وهي أشعار نضدها بيراعه النضير، وبث في بعض منها حبه لعمان وفي البعض الآخر لواعج روحه وما يعتريه من رؤى ومشاهد حياتية.

تعليق عبر الفيس بوك