الخطوة الأخيرة قبل "نهائي ميلان"

حسين الغافري

ذاق برشلونة من نفس الطريق المرّ الذي سارت عليه كُل الأندية التي حققت دوري أبطال أوروبا بعد شكلها الجديد مطلع التسعينات. ها هو النادي الكتالوني يؤكد ذات المصير في أن اللقب الجديد سيكون مختلفاً كُل موسم، على الأقل حتى الموسم المقبل. خرج زملاء ميسي الحاضر الغائب وخرج معه بنفيكا وباريس سان جيرمان وفولفسبورج.. أيضاً على الأقل فالبطل هذه المرة خرج بشكل لم يكن مُتوقعاً ولا معهوداً عليه في كل لقاءاته ولو أن شكل الضعف والوهن بدأ يفرض نفسه بعد أسبوع الفيفا الذي أستقبل برشلونة بثلاثة هزائم موجعة. فعلاً، برشلونة وكما يقال قد واجه رجالاً محاربين طيلة التسعين دقيقة.. ومع الشكوك في ضربة جزاء غير محتسبة في الوقت الإضافي من الشوط الثاني كانت ستذهب بالمباراة لربما إلى أشواط إضافية؛ إلا إنني أجد بأن تأهل الهنود الحمر -كما يُطلق على أتلتيكو مدريد- مستحقاً بما يكفي.. وخروج برشلونة مقنعاً فوق هذا الاكتفاء!

ما شد الانتباه في اللقاءات الأربعة ضمن دور ثمن النهائي كان محوره الأبرز العاصمة الإسبانية مدريد.. قطبا العاصمة الكبار في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية بعد عام 2014م وهي رسالة واضحة تبرز التطور الكروي للكرة الإسبانية وسطوتها محلياً وقارياً. باص النادي الملكي زفته جماهيره كالملك الفاتح إلى قصره في ملحمة شهدت معنويات عملاقة لسقف الآمال الكبيرة في قلب موازين لقاء الذهاب المُخيّب في ألمانيا أمام المنافس فولفسبورج بهدفين نظيفين، وهو ما حدث بفضل فارس مدريد الأول ومحطم الأرقام القياسية البرتغالي رونالدو. يكفي أن تتخيل شكل الملعب خارجه قبل داخله وهو يثور تشجيعاً ومؤازرةً حتى تتقين بأن العودة بالنتيجة أقرب من أهداف رونالدو الثالثة التي كفلت مسألة العبور إلى الدور المقبل رغم قيمتها. حُب جماهير الريال هي من حرّكت قلوب وعقول أبناء زيدان، والفريق أصبح على موعد أخير من نهائي ميلان في حال تخطي مانشستر سيتي صاحب التأهل التاريخي إلى المربع الذهبي لأول مرة. ريال مدريد بدأت أحلام الحادية عشر تغازل جمهوره ورئيسه بيريز ومانشستر سيتي هو حجر عقبة أخير من أجل حلم ميلان. مانشستر سيتي حقق مفاجأة بتغلبه على باريس سان جيرمان المدجج بالنجوم والذي يعيش فترة تركيز تام على دوري الأبطال الأوروبي بعد حسمه للدوري المحلي مبكراً. وهو لقاء بحد ذاته سيدخل أحدهما للتاريخ بالتأهل للمرة الأولى لدور نصف النهائي. حقيقة فالمباراة شهدت تنافس شرس كسبه الإنجليز بجدارة مطلقة ذهاباً وإياباً. وهو ما ينبئ بأن مهمة الريال معقدة للغاية في ظل الخبرة الكبيرة بالبطولة الأوروبية التي يمتلكها فريق العاصمة الإسبانية مدريد.

الشكل ذاته كان في قطب مدريد الآخر، فكل شيء يظهر عبر وسائل الإعلام الناقلة لأحداث البطولة، والإعلام الاجتماعي، وتصريحات سيميوني على التحدي والثقة.. ملعب الكالديرون الخاص بأتلتيكو كان كالبركان الثائر.. الجماهير ما توقفت لثانية من الهتاف واللاعبين لدرجة تظنهم أكثر من عددهم القانوني؛ لجهدهم وحماستهم التي زرعها فيهم الأرحنتيني سيميوني الذي هو الآخر يشعرك بأنه ركض خلال اللقاء أكثر عن نجم برشلونة ميسي!. فنياً، كان برشلونة مخنوقاً ومحاصراً ولا يملك سوى محاولة تأخير هدف قريب يطبخ على نار هادئة. الكرة تدور كثيراً بالخلف ومحاولة امتصاص حماس أتلتيكو حتى الانقضاض بهدف يقتل الطموح لم يحدث؛ فأتلتيكو جاد جداً ولاعبيه بكامل تركيزهم حتى أتى الهدف الأول الذي حرك الحماس لأعلى المستويات وغجّر الملعب هتافاً لأتلتيكو. الهدف لم يخلق ردة فعل من برشلونة وظهر تفكك الثلاثي الهجومي وإبتعاد الربط بينهم في تدوير الكرة وخلق المساحات لتنتهي المباراة بخروج البطل بشكل لم يعتد عليه جمهوره أو بمعنى أصح أُجبر على ذلك.. وإن كان فريق أحرج برشلونة في البطولة الأوروبية مؤخراً فمؤكد بأنه أتلتيكو.. وإن حدث وتواجها العام المقبل فأراهن على أن أتلتيكو سيميوني سيكرر ذات المشهد!. أتلتيكو سيكون أمام تحدي ثقيل آخر بمواجهة بايرن ميونخ الألماني ذو الصولات والتاريخ الكبير. ولعل تشابه المدرستين بين برشلونة وبايرن ميونخ سيضع اللقاء مثير لأقصى درجاته. بايرن ميونخ واجه عوائق كبيرة حتى يصل لهذا الدور بعد إصابة عدد من أبرز لاعبيه ومن المؤمل عودتهم جميعاً في الأيام المقبلة. اللقاء صعب التكهن فيه.. مثله مثل لقاء ريال مدريد ومانشستر سيتي. نحن على موعد مع نصف نهائي بأعلى مستوياته على جزئين.. والغلبة لمن يعطي فوق ما عنده؛ فالحلم بأغلى البطولات يتطلب ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك