مطرح مطرح مطرح...!

محمد بن رضا اللواتي

النداء التقليدي لسائقي سيّارات الأجرة العمانيين، تسمعهم في مواقع تجمعهم ينادون الركاب بهذا الأسلوب العتيق، وقد تجد في السيارة 3 ركاب والشاغر لا يزال موجودًا لراكب، بينما يستمر صاحب التاكسي في ندائه الكلاسيكي هذا مستخدمًا اسم المكان الذي يود التوجه إليه إلى أن يجد راكبا للمقعد الشاغر فينطلق إلى وجهته.

وبعد الإعلان عن تطوير الواجهة البحرية لميناء السلطان قابوس بمطرح، والمتوقع انتهاء المرحلة الأولى من مراحله الأربعة في 2019، سيغدو نداء "مطرح مطرح مطرح" لسيّارات الأجرة مرتفعًا جدا، فعندما كان معالي الدكتور وزير النقل والاتصالات يُعلن للصحافة والإعلام عن هذا المشروع الجبار، أشار إلى أنّ توجيهات جلالة السلطان المفدى بتحويل ميناء السلطان قابوس إلى ميناء سياحي ناظرة إلى استثمار هذا الموقع الجغرافي والطبيعة الخلابة ومعالم مطرح القديمة التي لا تزال راسخة في جذور التاريخ العماني، ونوافق معاليه تحليله ذاك، فمطرح بمقوّماتها السياحية، وبهذا المشروع الجبار بإمكانها حقا أن تغدو الواجهة السياحية الأولى للعائلات العمانية وغيرها كذلك.

إلا إذا - لا سمح الله - تكررت الأخطاء كالتي وقع فيها التخطيط لطريق مسقط السريع، أعني المخرج والمدخل الواحد والذي يبدأ من أسفل جسر القرم، والذي يسبب يوميًا اختناقًا متكررًا، وفي مختلف أوقات اليوم، بالغًا ذروته عند الصباح والظهيرة والمغرب كذلك.

هذا الأزمة إن تكررت في التخطيط لمخارج ومداخل مطرح القادمة فسوف يكون الأمر مؤلمًا للغاية، وقد ألمح البعض ممن كان حاضرًا في المؤتمر الصحفي الذي عقده السيد "جيمس ويسكن" حول المشروع، ألمحوا إلى ما قد يسببه سوء التخطيط للمداخل والمخارج، وتساءلوا ما إذا كانت هنالك حلول لهذه الإشكاليّة، والتي اعترف السيد "ويسكن" بوجودها، وأبدى أمله أن يحصل المشروع على دعم من الجهات المعنية لحلها.

المشروع المذهل الذي تبلغ كلفته الإجماليّة حوالي نصف مليار ريال - بعد أن كانت مليارا، وهذا خبر سار، فالمعتاد هو كما حدث لبعض المشاريع أن الكلفة زادت عن التي خُطط لها - ومدته لا تزيد عن 10 سنوات كحد أقصى - نرجو ألا يقع له ما وقع لبعض المشاريع الوطنية التي فاقت مدة تجهيزه عما خُطط له وبنحو عجيب - يجلب بيئة متكاملة لبيع الأسماك والخضروات، ومطاعم، ومواقف، تصل إلى 6 آلاف موقف في نهاية المشروع، وفنادق من مستوى 5 نجوم وأخرى أقل، ومجمّع تجاري، وبيئة ترفيهية للعائلات، ومرفأ، وقاعات خاصة لمختلف المناسبات، والشقق السكنية، ومراكز صحية متخصصة، وناد رياضي، وأرصفة للسفن السياحية العملاقة، ومقاه ومحلات تجارية، بجانب أرصفة للعبارات السريعة وقوارب خفر السواحل، وغير ذلك، تعكف الآن بلدية مسقط على إعداد الطريق البحري له، فهل هذا سيكون كافيًا؟

إن كانت تعكف على إعداده طريقا حصريا، بالطبع إضافة إلى القديم الحالي، فيجزم جمع كبير من المهتمين والغيارى على المشاريع الوطنية، أنّ الواجهة ستعاني عاجلا من أزمة مرور خانقة، إذ ستضطر السيارات القادمة للموقع الفريد، إلى المرور من عنق الزجاجة أو الانصراف، إن كان ذلك متاحا وسهلا.

كل من سمع بالمشروع ودقق في تفاصيله، وما سيوفره من فرص وظيفية قد تتجاوز 15 ألف، والدور الذي يلعبه القطاع الخاص فيه، كذلك حجم نصيب قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيه، يجزم بأنّه سيكون داعمًا للاقتصاد الوطني، لذا التقليل من أخطاء التخطيط الجيد سيعمل على تفويت الفرصة حتمًا على المشروع لأن يكون أقل مما ينبغي له أن يكون، لا سيما وأنّه يأتي في وقت تشهد المنطقة فيه أحداثا اقتصادية واجتماعية كبرى - كما أشار إلى ذلك زكريا فكري في تغطيته لخبر اللقاء الصحفي - من قبيل اكسبو 2020، وكأس العالم 2022.

تستطيع الواجهة الرائعة هذه استقطاب زوار الإكسبو، كما وبإمكانها وبنحو ما أن تكون مقرا سكنيًا لضيوف المونديال، ويمكن في هذا الصدد أن تلعب العبارات دورًا كبيرا في النقل البحري، وهي التي تعبر العباب إلى مرافئ بعيدة، حتمًا سيسعها هذا النقل إلى الموانئ القريبة.

ليت في الخطوة الأولى يتم رسم هدف محدد وواضح، على ألا يكون "تنفيذ الواجهة البحرية" نفسه، لأنّ ذلك معناه الخطط الاستراتيجيّة لن تلتفت إلا إلى تنفيذ المشروع لأجل المشروع. أمّا إذا كانت "مطرح الواجهة البحريّة والسياحية العائليّة الأولى"على سبيل المثال، فالتخطيط حينها سيعمل على جعل الهدف قابلا للتحقيق، بالالتفاتة إلى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بتواجد الناس فيه.

نريد لعام 2025 وقد اكتملت فيه كل مراحل المشروع كما هو المتوقع، أن يضاهي فيه أرقى المشاريع السياحة بل يفوقها، ويمارس جذبًا سياحيا لا نظير له، جاعلا السلطنة في قائمة العشر دول الأولى في الجذب السياحي، وهذا ممكن حقا، فما تزخر به السلطنة من مقوّمات سياحية تُحير المرء فعلا وتجعله يتساءل طويلا: أما آن لهذه المقومات أن تُستغل بما يعود بالنفع على هذه الأرض الطيّبة؟ هنالك من جعلوا من المناطق البائسة سياحيًا، والفاقدة لكل المقوّمات، حاضنة لها، في حين ننعم نحن بكل ما نريده فما الذي يعوزنا تحديدًا؟

وبقي تساؤل صغير طرحه بعض المهتمين وهو: هل للمنتجع المهجور "عينت" أن يجد المشروع الكبير فيه جاذبًا يدعو إلى استغلاله ليكون أحد أفضل المنتجعات البحرية الصغيرة في مسقط؟ تُرى، ولم لا؟


mohammed@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك