لماذا قدموا استقالاتهم؟! (1-2)

سيف بن سالم المعمري

أرقام الاستقالات المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، والتي نُسبت إلى معلمين بوزارة التربية والتعليم، وقال البعض: إنها بلغت ألف طلب استقالة لمعلمين على طاولة معالي الدكتورة وزيرة التربية والتعليم، بينما أوصلها آخرون إلى ألفي طلب، وتركز الحديث عن جملة الاستقالات التي تقدم بها المعلمون في تعليميّة محافظة الداخلية حيث بلغت مائة وسبعين حالة - حسب قولهم - ورغم أن الوزارة التزمت الصمت عن النفي أو التأكيد حول ما تمّ تداوله، إلا إنّ خبر الاستقالات - المتداول في شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية- تضمن تأكيدا قال إنّه "مصدر مقرب حسب ما يتداول" من وزارة التربية والتعليم: "يؤكد ألف طلب استقالة تقدم بها معلمون، وجاءت نهاية العام حتى لا تؤثر على سير العمل، وإنّ طلب الاستقالات التي يتم تداولها بمواقع التواصل الاجتماعي للمحافظة الداخلية طبيعية وتحدث سنويا سواء من المعلمين أو غيرهم من الموظفين بالوزارة".

واستطرد المصدر بالقول:" .. إن طلب الاستقالة يحدث بشكل مستمر خلال العام باعتباره والتقاعد حقا من الحقوق التي كفلها قانون الخدمة المدنية، ولم يقتصر على محافظة الداخلية فقط بل في جميع المحافظات، وجاء اتفاق المعلمين هذا العام بألا يقدموا استقالاتهم إلا بنهاية العام، وذلك كي لا تؤثر استقالاتهم على سير العمل بالمدارس أثناء الدراسة وصعوبة التعيين خلال العام".

وتابع "المصدر" : "إنّ عدد الاستقالات وصلت هذا العام قرابة ألف استقالة وهو رقم أعلى قليلا من المتوسط السنوي للاستقالات والتقاعدات؛ وذلك لأنّ هذا العام تمّ تجميع تقديم الاستقالات في فترة واحدة وفي السابق كان متوزعا على مدار العام، مؤكدا أنّ هناك سببا آخر لزيادة العدد قليلا خلال هذا العام وهو الإشاعة والخوف من تطبيق قانون التقاعد الجديد الذي يشاع إنّه يشترط قضاء27 سنة في الخدمة ليحق لك التقاعد بدلا من 20 سنة، علما بأنّ هذه الاستقالات لن تؤثر على سير العملية التعليمية في العام الدراسي القادم لأنّه سيتم تعيين معلمين بدلاء للمستقيلين قبل بداية العام الدراسي".

وبغض النظر عن صحّة الأرقام المتداولة في عدد الاستقالات والتي يقرأها البعض على أنّها طبيعية نظرا لحجم عدد موظفي الوزارة، والذين يبلغ عددهم ما يزيد عن ثمانين ألف موظف وهم يشكلون أكثر من 70 بالمائة من موظفي الخدمة المدنية في السلطنة، فيما قرأها آخرون على أنّ الاستقالات تعد ناقوس خطر ومؤشرات على عدم الرضا الوظيفي وخاصة للمعلمين، وأن الاستقالات جاءت نتيجة الضغط الذي يلاقيه المعلم من الوزارة متمثلا في تأخير الترقيات وعدم حصوله على حقوقه، وكذلك عدم إحساس المعلم بالتقدير الذي ينتظره من وزارته مع وضعه في بؤرة الانتقادات من قبل المسؤولين في كل ما يتعلق بالتعليم؛ فهو الشماعة التي جعلتها الوزارة الموقرة لتعليق أخطائها وفشلها- حسب رأيهم- وتساءلوا: لماذا هذا الهروب من التربية والتعليم؟ حيث كانت التربية والتعليم بيئة جاذبة في بداية الثمانينيات والتسعينيات وأول مهنة يفكر بها الطالب في الثانوية.. إذن ماذا حدث؟ وأين الخطأ؟.

نعم.. وإن كان طلب الاستقالة حق كفله القانون للموظف إلا أن الرغبة الجامحة لطلب الاستقالة التي تعشعش في أذهان الموظفين وخاصة في المؤسسات الحكومية بشكل عام والخدمة المدنية بشكل خاص بحاجة إلى وقفة موضوعيّة تضع النقاط على الحروف، بل لو أتيح المجال للموظفين في الخدمة المدنية التقدم بطلب الاستقالة مع التقاعد بعد 15 سنة لوجدت أصداء واسعة عند الموظفين، ومعظمهم يذهب للعمل في القطاع الخاص! والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا قدموا استقالاتهم من القطاع الحكومي؟ وإن كانت الحكومة - حسب ما يتداول- تعكف على رفع سن التقاعد من بعد 20 سنة إلى 27 سنة فما المردود الذي يعود على الموظف وعلى المؤسسة؟

برغم الإمكانيات البشرية والمادية التي سخرتها الحكومة بجميع مؤسسات الدولة إلا أن وتيرة الإنتاج وجودة العمل والرضا الوظيفي لا تزال دون مستوى الإمكانيات التي سخرتها الدولة، حيث إنّ عدم وجود البيئة المهنية الجاذبة هو ما يشتكي منه معظم الموظفين بمختلف المؤسسات وخاصة في القطاع المدني، والمؤشرات على ذلك تسجلها أرقام الاستقالات والرغبة في التقاعد المبكر هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى عدم وضوح أثر الإمكانيات البشرية والتوسع الهيكلي للمؤسسات والإمكانيات المادية في جودة العمل، فإن كان العالم يتطلع إلى المحطة الواحدة في إنجاز المعاملات والتي تجمع مختلف القطاعات والوزارات والتحول الرقمي فنحن بحاجة إلى محطة واحدة لكل وزارة، حيث تقضي معاملة واحدة زمنا طويلا في وزارة أو مديرية من مديرياتها وتظل تلك المعاملة تتردد من مكتب إلى آخر بنفس المبنى لعدة شهور وأحيانا سنوات! وتلقى التسويف والتأفف واللامبالاة والمحسوبيّة... إلخ، بمعنى أنه لم يختلف إنجاز المعاملة في الوزارة في عقد الثمانينيات عن عقد الألفية الثالثة إلا في تغيير وجوه الأشخاص، وفي المقابل تتشدق مؤسساتنا بتطبيق برامج واشتراطات الجودة، ولعمري ليس لها من الجودة سوى تراكم الأوراق في الأدراج، دون أي أثر مباشر على تحسين منظومة العمل.

كذلك فإنّ عدم الرضا الوظيفي منبعه عدم إنصاف الموظفين في حقوقهم في المعاملة والترقية الوظيفيّة والكفاءة والعلاوات الاستثنائية ونحوها، فتجد الوظيفة الإشرافيّة والترقية والتكريم - في معظم مؤسساتنا الحكومية- لمن هو مقرب من رئيس الوحدة ليس لكفاءته في العمل، بل لكونه يقضي لرئيسه معاملاته الخاصة، ورئيس الوحدة ليس من أولويّاته المؤسسة بل مصالحه الشخصية تقتضي له تقريب من سيخلص له معاملاته الخاصة، وبالتالي فالإخلاص في العمل والتفاني فيه والمعرفة ليست ضمن معايير التقدير لدى رئيس الوحدة لموظفيه.

saif5900@gmail.com

 

تعليق عبر الفيس بوك