صناعة المحتوى الإلكتروني العربي من نصيب الدول الصغرى

عبيدلي العبيدلي

شهر كامل يمتد بين زيارتي الخاطفة التي لم تستمر أكثر من ساعتين لمدرسة "أم سلمة الإعدادية للبنات" في البحرين، وجولتي السريعة بين أجنحة معرض البحرين الدولي للكتاب 2016. سبب المقارنة بينهما، هو القاسم المشترك المعاصر الأول الذي يجمع بين الكتاب، والتعليم، وهو المحتوى. فبقدر ما ترتكز العملية التعليمية على محتوى جيد الكتاب المدرسي، لا يستغني معرض الكتاب عن محتوى مفيد للقارئ. أما القاسم المشترك الثاني، فهي تنامي حاجة، ومن ثم انتقال كليهما: القارئ والمنخرط في العملية التعليمية، إلى المحتوى الإلكتروني الذي لم يعد مادة كمالية، بل أصبح جزءا أساسيا من الارتقاء بواقع المنتج الفكري والثقافي في البلد المعني، وأصبح معيارا دوليا لقياس استعداد البلدان وتهيؤها للتفاعل الإيجابي مع ثورة المعلومات والاتصالات التي تجتاح العالم، والتي لم يعد في وسع دولة تحاشي تأثيراتها، والاستجابة لمتطلباتها. ومن ثم فهناك علاقة تأثير متبادلة بين تطوير صناعة المحتوى الرقمي وتطور الأمم الاقتصادي.

حالة متقدمة يكتشفها زائر "مدرسة أم سلمة " في عملية التواصل التي تنظم العلاقة التربوية، وليس التعليمية فحسب، بين التلميذة والمدرسة من جانب، والمحتوى الذي انتقل من بين دفتي الكتاب الورقي إلى الهيئة الإلكترونية من جانب آخر، تحكمها بيئة رقمية تساعد على تنمية عطاء المدرسة، وإغناء حصيلة التلميذة، وترفض، في آن، حصر دور الأولى في الإرسال والثانية في التلقي، وتضع بدلا عن ذلك الأسلوب التقليدي قناة تواصل تفاعلية ناجحة تمزج بين الدورين في صيغة ممتعة وتعليمية في آن.

مقابل ذلك، وفي نطاق المقارنة التي ترد على خاطر من سنحت له زيارة المدرسة، وقام بالتجوال في أروقة المعرض، هناك فقر ملحوظ في المحتوى الإلكتروني العربي، لا تتحمل إدارة المعرض مسؤوليته، فهو يعكس الجدب الحقيقي الذي ما تزال تعاني منه صناعة المحتوى الإلكتروني العربية إجمالا، ومن ثم فما يلمسه زوار المعرض من في هذا المجال هو صورة حية واقعية لما تعيشه صناعة المحتوى العربي، وهو ما يجري تكراره في كثير من المحافل التي تعالج هذه القضية، فبينما "يشكل العرب 5% من سكان العالم، فهم لا ينتجون أكثر من 1% من المواد المنشورة على الشبكة العنكبوتية العالمية (الويب)".

وفي نطاق تشخيصه لواقع صناعة المعلومات العربي، يقول مدير عام التحليل والدراسات المركز الوطني للمعلومات لبيب شائف محمد، "وإذا عدنا لواقعنا العربي فإننا سنجد أنّ الوطن العربي من أقل التجمّعات العالمية أثراً في مجال المعلوماتية، فلا يمتلك الوطن العربي بمجموع دُوله مجتمعةً أو منفردةً مقومات التنافس أو التأثير على مجتمع المعلومات العالمي، حيث نجد أنّ فرصته اليوم ضعيفة في امتلاك تقنية المكون المادي للمعلوماتية (Hardware) إلا أنّ الفرصة أمام العرب ما زالت مواتية لتحقيق تميز ونجاح في مجال آخر من مجالات المعلوماتية هو المحتوى والذي يمتلك العرب فيه فرص نجاح كبيرة، فصناعة المحتوى تتيح للعرب فرصاً كبيرة للتنافس وتحقيق مكانة متميزة على المستوى العالمي كون عوامل النجاح في هذا المجال لا تعتمد على عناصر تقنية بحتة واستثمار فـي التكنولوجيا، وإنّما تحتاج إلى سياسات ورؤى مستقبلية وتخطيط جيد مع استثمار في العقول البشرية. وقد أدركت البلدان العربية أهمية أن تتجه إلى تطوير قدراتها وتجميع جهودها فـي مجال المحتوى".

على صعيد مختلف، وفي نطاق تشخيص واقع صناعة المعلومات العربية ـ تركز الباحثة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا نبال إدلبي العقبات والصعاب التي ما تزال تقف عقبة في وجه تطوير هذه الصناعة قائلة، هناك معوقات تواجهها مساعي "تطوير المحتوى العربي (من بينها): انخفاض معدل انتشار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وضعف المبادلات الاقتصادية فيما بين الدول العربية، (بالإضافة إلى) ضعف الأنشطة الثقافية، (إلى جانب) ضعف مستوى الخدمات الرسمية وقطاع الخدمات عمومًا، (بالإضافة إلى) غياب التشريعات والقوانين التنفيذية، (سوية مع) بعض الصعوبات الخاصة باللغة العربية".

هذا لا يعني جمود المحاولات العربية لتطوير المحتوى الإلكتروني العربي، وهذا ما ترصده مقالة متخصصة نشرتها الباحثة هند الخليفة التي ترصد مجموعة من المجهودات من بين ألأهم فيها: "جهود الكويت: برعاية مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تقام جائزة الكويت الإلكترونية السنوية لإثراء المحتوى الإلكتروني في الكويت. وجهود مملكة البحرين، (حيث) تنظم هيئة الحكومة الإلكترونية بمملكة البحرين بالاشتراك مع وزارة الصناعة والتجارة وجمعية البحرين للإنترنت جائزة البحرين السنوية للمحتوى الإلكتروني وتقع هذه الجائزة تحت مظلة جائزة القمة العالمية (WSA) التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. (وهناك) قطر وعمان والإمارات (وكل منها مارس) دورا بارزا في إثراء المحتوى الرقمي عبر تنظيم المسابقات ودعم بعض المشاريع الواعدة، مثل جائزة عمان الرقمية التي تهدف إلى تقدير الأداء المتميز في تقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية".

وفوق هذه جميعًا هناك "إعلان القاهرة الخاص بتوحيد الرؤى العربية للقمة العالمية للمعلومـات اهتماما بالمحتوى، كما تضمنت الاستراتيجية العربية إشارات إلى أهمية الاهتمام بالمحتوى كونه المجال الذي يتيح أفضل الفرص للبلدان العربية في امتلاك مقومات التميز والاستقلالية فـي مجتمع المعلومات العالمي".

وطالما أن هناك قناعة عربية بأهمية المحتوى الإلكتروني العربي، ليس في القطاع التربوي فحسب، وإنما في كل ميادين الاقتصاد الأخرى، فربما آن الأوان كي يخطو العرب خطوتهم الأولى على هذه الطريق، والتي ليست بالضرورة عربية شاملة في مراحلها الأولى المبكرة، بل ربما من الأفضل لها أن تكون مبادرة من دولة أو مجموعة من الدول.

ولو تلفت المرء يمينا ويسارا فربما يكتشف أن هذه الخطوة ليست بالضرورة، حصرا على أكبر الدول العربية، ولا أغناها، ولا أكثرها سكانا. فنحن في زمن الدول الصغيرة ذات التعداد السكاني الصغير نسبيا، وبموارد بشرية محدودة، لكنها تمتلك الرؤية المستقبلية، والإرادة الحديدية.

تعليق عبر الفيس بوك