السلطان قابوس.. صانع السلام

حمد الرَّحبي

إنَّ المتأمِّل في أحوال وأوضاع العالم العربي وما يمر به من محن وحروب وظلام دامس.. يدرك أننا نسير في نفق مظلم بليلة ظلماء، ولكن مهما طالت عتمة الليل فلا بد لها من فجر يبدد خيوطها، ومهما طال الظلام فلا بد من نور يسطع علينا بأشعة السلام والمحبة والإخاء والوحدة وهذه من سنن الله تعالى في خلقه وكونه. وإنَّه كلما تعقدت خيوط الأزمات واستحكمت حلقاتها، فإننا نستمد الثقة من حكمة جلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- ذلك القائد الهمام الذي امتلأ قلبه حبا وسلاما وخيرا للعُمانيين ولغيرهم، وشواهد التاريخ على مرِّ العقود الماضية تكشف لنا يوما بعد يوم حكمته على إيجاد حلول للازمات المستعصية وفتح أبوابها الموصدة بكل ثقة وعدل وإنصاف، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، فبعد حوار هادئ دام حوالي خمس سنوات بين الدول العظمى وإيران أثمرت نتائجه باتفاق تاريخي شهد على نجاحه القريب والبعيد وإن حاول البعض أن يعترض مساره، ويذكرني هنا قول معالي يوسف بن علوي بعد أن تمَّ إبرام ذلك الاتفاق بقوله: "إنَّ شبح الحروب قد اختفى"؛ لأنه فتح المجال لمرحلة تاريخية جديدة من السلام والأمن العالمي، والشاهد الآخر هو عندما قرعت طبول الحرب لضرب سوريا مع العلم بأنَّ هذه الحرب لها ما لها وعليها ما عليها، هنا جاءت حكمة جلالته في وقتها بردا وسلاما باتفاق تاريخي أيضا بتخلي سوريا عن سلاحها الكيميائي مقابل تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن تدخلها العسكري المباشر في سوريا.

... إنَّ ما جَرَى خلال الأيام الماضية من انسحاب مفاجئ للقوات الروسية من سوريا وتلطيف الأجواء بين المعارضة والنظام والبدء في جولات جديدة من الحوار بينهما في جنيف، فإنه في تقديري أشم رائحة حكمة جلالة السلطان قابوس -حفظه الله ورعاه- في هذا الأمر؛ حيث شهدت السلطنة قبل ذلك حراكا دبلوماسيا نشطا تمثل في زيارة وزير الخارجية الروسي ووزير الخارجية الأمريكي وكذلك زيارة معالي الأمين العام للأمم المتحدة للسلطنة...وغيرها من الزيارات لعدد من وفود الدول الإقليمية والدولية، لعلها كانت سببا في هذا التوافق وما سينتج عنه مستقبلا من تفاهمات لحل الأزمة السورية التي تشعَّبت مساراتها، وآن الأوان لإيجاد حل توافقي يُرضي جميع أطراف الأزمة ويفي بتطلعات المواطن السوري واستقرار وأمن سوريا والمنطقة.

ومن الشواهد أيضا ما جرى في أولى جولات الحوار بين أطرف النزاع في اليمن التي انطلقتْ من مسقط التي أكدت على أهمية الحوار من بداية شرارة الأزمة والحل السلمي التوافقي بين مكونات المجتمع اليمني والتي تسير حاليا في حوار مباشر بين أطراف النزاع في بعض الدول العربية والإقليمية.

وإنَّ ما تشهده السلطنة حاليا من اجتماع لأعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي التي بدأت مشاوراتها في صلالة وهي بتقديري بداية لخطوة مهمة لإرساء الأمن والسلام في ليبيا، وهي حجر الأساس للتوافق والحوار، وركيزة أساسية في توحيد البلاد ونشر السلام وبناء مستقبل ليبيا الجديد.

إنَّ ما ذُكِر أعلاه من شواهد في حكمة جلالة السلطان قابوس المعظم يحتِّم علينا أن نقف وقفة إجلال واحترام لقائد السلام ووقفة تدبر وتأمل وتدارس لمنهجه الحكيم في معالجة الأمور وحسن تدبيرها. ونسأل الله العلي القدير أن يمد في عمره وأن يلبسه ثوب الصحة والعافية والعمر المديد ولكل من سعى بالخير والسلام في تحقيقه وأخص بالذكر معالي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي، هذا السياسي المخضرم الذي تملأ الحكمة والهدوء أقواله وأفعاله.

وفي هذا الجانب، واستمرارًا لدور عُمان في إرساء قواعد السلام والأمن في العالم، أقترح إنشاء مركز عُمان للحوار والسلام الدولي بإشراف من حكومة السلطنة وبالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة ليكون منبرا للحوار والتسامح والمحبة بين شعوب العالم ليعكس ثقافة وتاريخ سلطنة عُمان ومنهجها القويم في حل الأزمات والمشكلات، مسترشدين بحكمة جلالة السلطان قابوس -حفطه الله ورعاه- ومنطلقا من ديننا الإسلامي وهدي نبينا الكريم، الذي قال عن أهل عُمان: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

Oman99433@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك