الانتظار على "قوائم الآلام" بالمستشفيات يستدعي الحاجة إلى تقنين "التبرع بالأعضاء"

"س.خ" يعاني من الفشل الكلوي ولا يملك تكلفة السفر للخارج للعلاج

رصدت التجربة - مدرين المكتومية

س.خ موظف استقبال في إحدى شركات القطاع الخاص، يحيا كغيره من موظفي هذا القطاع، في كد وتعب لتوفير لقمة العيش، يولي اهتماما دائما بعمله، الذي يعد مصدر رزقه الأساسي، يمتلك علاقات إنسانية طيبة مع مختلف زملائه في العمل، منذ فترة ليست بالبعيدة ظهرت عليه أعراض الإرهاق والمرض، فتجاهل الأمر في بدايته لكنه بعد وقت قصير لم يتحمّل تبعات ذلك التجاهل، فأخذ يتردد على العيادات والمستشفيات، بغيّة البحث عن مُسكن يهدئ من آلامه التي باتت تعتصره.

مرت الأيام ولم يتمكن الرجل من معرفة ما أَلمَ به من ألَمٍ، حتى لجأ إلى فكرة إجراء فحوصات طبية شاملة، ورغم أنها استغرقت وقتا طويلا من حيث أخذ العينات وحتى ظهور النتائج، إلا أنه أبدى رضا بعدما تعرف على نتيجة الفحوصات.. في البداية لم يكن يتوقع "س.خ" ما ستحمله هذه النتائج من أخبار، لكن عندما حانت لحظة الحقيقة تكشفت له طبيعة الآلام التي كان يئن منها ليل نهار، فعلم من الأطباء المتابعين لحالته الصحية أنّه يعاني من تكدس الحصوات الصغيرة في الكلى، مما اضطره لإجراء عمليات تفتيت وتنظيف.

الأمر لم يكن بالهين له، فقد كان يعاني الأمرين، فتارة يشعر بأن الألم من شدته سيقبض روحه، وتارة يفاجئ بارتفاع في درجة حرارة جسده، وضعف الرؤية، فعاش فترة من الخوف من المجهول، كان يلجأ فيها إلى خالقه داعيا ربه بالشفاء.

نظام حياة

س.خ تعامل مع الأمر ببساطة بعد ذلك، ولم يعر كليته أي أهمية وتأثير في حياته، بل مضى على نظام حياته السابق، ملتزما بعمله ضاحكًا في وجه الاصدقاء والزملاء، لم يكن ينظر إلى الحياة بمنظور سلبي، بل كان يرى فيها كل إيجابي ونافع: "يكفي أننا نحيا ولازلنا نتنفس"، هكذا كان يقول. ويضيف: إنّ الأمر يزداد سوءًا حين يظن المرء أنّ المرض نهاية المطاف، وحين نعطي هذا المرض مساحة أكبر من طبيعتها، وهنا قد يبدأ المرض في السيطرة علينا، لذلك كنت أتحاشى دائما التفكير في المرض".

وعادت حياته طبيعية لا يشكو من أي ألم، ولا يكترث لأي شيء يلم به، يشرب ويأكل كل ما يريد كما اعتاد، حتى بدأت الأعراض تعود له من جديد، وواصل الألم جلده بسياط لا ترحم ضعفه ولا تجربته السابقة، شعر في داخله أنه لم يعد قادرا على الصمود، وأن عليه العودة إلى زيارة الطبيب مرة أخرى، الذي وجه له تنبيها بأنّ حالته الصحية في حاجة إلى مزيد من الحرص والاهتمام، بحيث يتعين عليه زيارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة، إذ تحول الأمر لما هو أخطر من كونه ترسبات وحصوات صغيرة، فاحتمالية إصابته بفشل كلوي باتت قريبة أكثر من أي وقت مضى.

فوجئ "س.خ" بهذه اللهجة الحادة من طبيبه المعالج، فسارع في إجراء الفحوصات التي بينت له أنّه يعاني من فشل كلوي بالفعل وأن عليه أنّ يقوم بزيارة وحدة الكلى التي يجب أن تحدد له وضعه ومدى احتياجه لغسيل الكلى. وعلى الرغم من ذلك، لم يفزع الرجل وقابل المسألة بصدر رحب، وتعايش مع المرض، وكان يذهب لزيارة الوحدة في الأسبوع مرتين لإجراء غسيل الكلى.

روتين معتاد!

لم تدم فترة الروتين الذي اعتاد عليه س.خ من حيث الذهاب مرتين إلى وحدة غسيل الكلى، وبات الأمر يزداد صعوبة يومًا بعد الآخر، إذ تأثر عمله بشدة، وبدأ في خسارة الكثير مما يملك، حتى ظهرت له فكرة السفر إلى الخارج للعلاج، لكن الوضع المادي الذي يعيشه لم يساعده لإجراء زراعة الكلى، ومنها قرار أن ينتظر دوره في أحد المستشفيات بالسلطنة، والتي سيطول معها الانتظار على قوائم ممتدة لآخرين يواجهون ذات الآلام التي تعتصره.

س.خ بدأت تظهر عليه مشاعر اليأس والإحباط، فضلا عن ضيقه بنظرات الآخرين المليئة بالشفقة والمواساة، لكنه كان يحارب هذه النظرات بكل أمل ويقين بأن المستقبل يحمل في طيّاته الخير له. وسعى إلى الحصول على دعم من أصحاب الأيادي البيضاء لتدبير نفقات السفر للعلاج، وزراعة كلى جديدة، لكن محاولاته باءت بالفشل، فعاد إلى قوائم الانتظار، والتحلي بالصبر.

لم يكن يحمل "س.خ" في نفسه أي مشاعر سلبية تجاه مرضه، بل إن جل ما كان يعانيه هو نظرة أسرته له، فقد كان يرى في أعينهم أنه بات على وشك الرحيل، وأن الحياة لم تعد تمنحه الكثير حتى يواصل المسيرة، فتحولت حياته إلى جحيم من نوع آخر، فبدأ يشعر أنه يعيش نهاية العمر، وأن الحياة توقفت عند مرضه في هذه اللحظة، ولا يتوقف عن التفكير في التوقيت الذي سيجري فيه العملية ويتخلص من الآلام التي تلم به.

إلا أن "س.خ" يأمل أن يتم فتح المجال أمام المتبرعين لمن يريد أن يتبرع بكليته، لإنقاذ شخص آخر مريض، وكذلك حتى يتم تقليص فترة انتظار المرضى على قوائم المستشفيات، فهناك العديد من المرضى يعلقون الآمال على التقدم الطبي الحاصل في أمراض الكلى.

تعليق عبر الفيس بوك