دبلوماسية الحكمة في زمن الاضطرابات

علي بن بدر البوسعيدي

 

لم يكن مستغربا لدى أيٍّ من مُتابعي الشأن السياسي العُماني، أن تُطالعهم وسائل الإعلام، أمس، بخبر إشادة جامعة الدول العربية بالمساعي الحثيثة التي تبذلها السلطنة لرأب الصدع بين المختلفين وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، على خلفية استضافتها لاجتماعات الهيئة التأسيسية لصيغة مشروع الدستور الليبي في مدينة صلالة برعاية الأمم المتحدة.. إذ هو النهج الدبلوماسي الفريد الذي تقوم عليه دعائم السياسة الخارجية للسلطنة.

والتصريح الذي أدلى به السفير أحمد بن حلي نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، لم يحوِ فقط مجرد إشادة بالتحركات العُمانية في المنطقة، بل انطوى في جانب منه على ما يُمكن التأسيس عليه في التعاطي مع القضايا الملمَّة بالمنطقة؛ حيث أكد بن حلي على أنّ هذه الاجتماعات أمر مهم بعد بدء مهمة حكومة الوفاق الوطني في أداء مهامها، باعتبار أن صياغة الدستور والاتفاق على بنوده ستكون أحد المراحل لبناء مؤسسات الدولة الليبية.

وهذه بلا شك عادة الدُّبلوماسية العُمانية، التي لطالما أكد مولانا حضرة صاحب الجلالة -أعزّه الله- على ثوابتها في أكثر من مناسبة؛ ومنها النطق السامي في افتتاح مجلس عمان في العام 2006؛ حين قال: "أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية، جدواه وسلامته بتوفيق من الله، ونحن ملتزمون بهذا النهج الذي يقوم على مناصرة الحق والعدل والسلام والأمن والتسامح والمحبة والدعوة إلى تعاون الدول من أجل توطيد الاستقرار وزيادة النماء والازدهار".

وبالتوازي مع هذا التوجُّه، أثبتت الأحداث أن التخطيط الإستراتيجي السليم هو العنوان الدائم لصناعة القرار السياسي لدينا، وهو ما يتيح فرصاً متعددة للاختيارات الصائبة المتأنية والتي تُتخذ بعد دراسة ومراجعات وافية، بفضل التوجيهات السديدة لمولانا المعظم الذي أسس عُمان الحديثة في صورة برَّاقة لتحتل مكانة تليق بها وتتجاوب مع الموروث التاريخي لها، ولترتقي بموقعها ودورها المحوري تدريجيا.. وهو ما تحقق اليوم على أرض الواقع بفضل الله؛ إذ صارت السلطنة مرجعاً ومركزاً تقصده دول وزعامات العالم للمشورة، وأخذ الرأي والاستفادة من حكمة القائد والرؤية الصائبة والقراءة الواعية للأحداث، مع الحفاظ على الحياد الإيجابي واستقلال قرارها الوطني.. حفظ الله عُمان، حفظ الله جلالة السلطان.

تعليق عبر الفيس بوك