الخصخصة.. جسر لعبور الأزمة

حاتم الطائي

تحتم علينا الأزمة الاقتصادية الراهنة، التفكير في اجتراح حلول تشكل جسرًا لعبور الأزمة من جهة، وفرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا الاقتصادية من جهة أخرى؛ من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، ووضع خطط واضحة المعالم للإصلاح الاقتصادي بغيّة تعزيز مسار التنمية والتنويع الاقتصادي.

وضمن الحلول التي ينبغي ألا نتجاهلها في خضم فيض الأطروحات والاقتراحات التي تعج بها الساحة الاقتصادية لتجاوز الأزمة؛ تبني الخصخصة كخيار إستراتيجي، ينسجم مع توجهاتنا الاقتصادية الكلية، حيث إنّ التخصيص يعني في جانب منه تبني حزمة من السياسات والإجراءات لتعزيز الاعتماد على آليات السوق، بهدف الحد من دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وإيلاء دور أكبر في هذا الصدد للقطاع الخاص، وإفساح المجال له للمزيد من حرية الحركة، والعمل عن طريق نقل ملكية أو إدارة بعض المشروعات العامة إلى هذا القطاع، فيما يكون للحكومة مهمة الإشراف العام لضمان حسن سير المنظومة الاقتصادية بما يكفل خدمة التنمية والنمو الاقتصادي.

فالخصخصة ليست هدفاً في حد ذاتها؛ بقدر ما هي آلية من آليات التنمية ووسائلها، وإحدى وسائل الإصلاح الاقتصادي، وتسهم في معالجة الاختلالات الهيكلية لبعض الأنشطة الاقتصادية، ولها مردودات إيجابية عديدة فيما لو أحسن تطبيقها، وهيأت لها الأرضيّة التشريعيّة الصلبة، التي تعينها على المضي قدما إلى الأمام بخطى وثابة دون أن تعرقلها البيروقراطية، أو يقطع عليها الطريق الروتين.!

وحتى تؤتي الخصخصة أكلها، وتعود بالفائدة المأمولة على الاقتصاد الوطني، ثمّة اشتراطات موضوعيّة لابد من توافرها، ومن ذلك العمل على التحديد الدقيق لأهدافها، والقطاعات المستهدفة بها، والتهيئة المثلى للشركة التي نعتزم خصخصتها، وتوعية القطاع الخاص بدوره في العملية؛ باعتبار أنّ نجاح التخصيص يكمن في نهوض هذا القطاع بدوره على الوجه الأكمل، كما يتوجب أن تسبق عملية الخصخصة دراسة معمّقة لكافة الجوانب المُتعلقة بالشركات والمؤسسات المستهدفة.

ومن الفوائد المتوخاة من التخصيص، تلافي عدم الكفاءة التي تشوب أداء القطاع العام إزاء إدارته لبعض الشركات والمؤسسات، ولقد أثبتت التجارب والنظريات الاقتصادية، أنّ في اقتصاد السوق الحر يكون القطاع الخاص أكثر فعالية في إدارة الأنشطة الاقتصادية وبالتالي يضمن تحقيق إنتاجية أعلى.

وبما أنّ بعض الشركات الحكوميّة تشكل اليوم، عبئاً مالياً وإدارياً على الحكومة فلم لا يتم تخصيصها لتخدم أهداف التنمية والأغراض التي وجدت من أجلها؟

وبالنظر إلى تجارب الآخرين، نجد أنّ الخصخصة نجحت في العديد من دول العالم التي أصبح القطاع الخاص فيها رائدًا للتنمية، وقائدًا للنمو الاقتصادي. وهنا في عمان لا تعتبر الخصخصة مصطلحًا غريبًا، حيث إنّ الدولة انتهجت هذا النهج الاقتصادي اتساقًا مع مبدأ حرية الاقتصاد، وهي ماضية فيه منذ التسعينيات، وطرحت مجموعة من الشركات للاكتتاب العام، إلا أن الأوضاع الاقتصادية الراهنة غير المواتية جراء انخفاض أسعار النفط، تفرض إعادة النظر في برامج الخصخصة بهدف التوسع فيها لضمان تحقيق مجموعة من الأهداف وفي طليعتها تحسين أداء وكفاءة التشغيل لكافة المؤسسات العامة، وتخفيف العبء المالي والإداري على الحكومة. علاوة على الإسهام في توسيع مشاركة المواطنين في الاستثمار والملكية العامة، ناهيك عن انعكاس ذلك على تعميق سوق مسقط للأوراق المالية من خلال رفده بالمزيد من شركات المساهمة العامة.

والشاهد، أننا لا نعاني من ندرة في الشركات الحكومية التي يمكن استهدافها بالتخصيص، بل لدينا كم متنوع من الشركات العامة في مجالات الكهرباء والمياه إلى الصناعة والنقل البحري والصرف الصحي، والبعض منها يعاني خسائر كبيرة نتيجة سوء ضعف الإدارة، لذا فإنّ طرح خصخصة عدد منها كل عام يمكن أن يخفف من أعباء الحكومة، ويسهم في تفعيل الشراكة مع القطاع الخاص، ويضمن عودة هذه الشركات إلى الربحية، مع إخضاعها للمحاسبة والرقابة ضمن قوانين الحوكمة المعمول بها في شركات المساهمة العامة.

ولا شك أن بيع أي من أصول الشركات الحكومية، يوفر المزيد من السيولة للحكومة لتصب في استثمارات جديدة يمكن أن تساهم في تعميق الاقتصاد الوطني، بينما الاستمرار في تحمل خسائر هذه الشركات، يعد استنزافًا للمال العام، في وقت نحن في أمس الحاجة إلى توفير السيولة وضخها في الاقتصاد الوطني. وهنا تكمن أهمية المكاسب الوطنية ضمن توجه التخصيص.

ويبقى القول، إنّ العقود الأربعة الأولى من عمر النهضة المباركة تطلبت من الحكومة الكثير من التدخل في الاقتصاد ورسم مساراته وتحديد توجهاته، إلا أنّ المرحلتين الحالية والمستقبليّة تتطلبان من الحكومة البعد عن الانغماس المباشر في التجارة وإفساح المجال للقطاع الخاص ليدير أعمال الشركات، ليقتصر دور الحكومة على الإشراف العام لضمان حماية دولة القانون والمؤسسات؛ وبذلك تعزز بلادنا مسارها صوب التقدم والازدهار.