هل إيران مسؤولة عن كل مشاكل المنطقة؟ .

د . صالح بن هاشل المسكري

تنطلق بعد أيام مناورات "رعد الشمال" في منطقة حفر الباطن إلى الطريف شمال المملكة العربية السعودية وسوف تستمر لمدة أسبوعين بمشاركة قوات عربية وإقليمية كبيرة من دول مجلس التعاون الخليجي وباكستان والأردن والسودان إضافة إلى مصر التي نفذت مناورات عديدة لقواتها المسلحة بنفس المسمى "رعد" من يناير 2012م وحتى مارس 2015م، ودول أخرى أفريقية وآسيوية، ولا توجد إحصاءات دقيقة لعدد القوات التي سوف تُشارك في مناورات "رعد الشمال" لكن التقديرات تشير إلى مشاركة أكثر من 150 ألف مُقاتل من القوات البرية والبحرية والجوية، وتُعد هذه المناورات الأضخم في تاريخ المنطقة.

هذه المناورات تأتي ضمن الخطط الإستراتيجية العسكرية بعيدة المدى ورفع مستوى الكفاءة والجاهزية القتالية لجيوش الدول المُشاركة والتعرف على بيئة وديمغرافية المنطقة الشمالية من شبه جزيرة العرب، وأنها لا تحمل مضامين أو رسائل سياسية موجهة للغير كما أعلن في وسائل الإعلام، رغم أنّ الدول المُشاركة في رعد الشمال هي نفسها تقريباً التي تنفذ حرباً حقيقية على الأرض اليمنية منذ شهر مارس عام 2015م، ولا تزال هذه الحرب مُستمرة في جنوب شبه الجزيرة العربية ولم تحسم نتيجتها بعد، وبالتالي فإنّ تسويق فكرة أن مناورات رعد الشمال هي لمجرد الاستعداد ورفع الجاهزية القتالية أمر غير منطقي وغير دقيق.

ومعلوم أنّ المناورات في حالة السلم هي تدريبات عسكرية تقوم بها الدول أو الدولة منفردة بين أفرع القوات المسلحة لتطوير أدائها وتعزيز قدرتها وكفاءتها الميدانية وتقوية الروابط بين مختلف عناصر القوات العسكرية، أما في حالة الحرب فهي عبارة عن إستراتيجية عسكرية تقوم على بدء الحرب بهجوم سريع ومُباغت يُربك العدو ويوقع به خسائر دون علم العدو مسبقًا بهذا الهجوم.

ورعد الشمال هي في الحقيقة مناورات ذات مضامين سياسية واضحة وصريحة ورسائل مباشرة لإيران وحلفائها، بل يُمكن وصفها بأنّها مُقدمة الفصل الثاني من برنامج الحرب ضد الإيرانيين وإسقاط مشروعهم في المنطقة بعد أن وجد الإيرانيون كل الطرق مُشرعة أمامهم للدخول إلى العراق إحدى قلاع العرب الأمامية (سابقاً) وطمس هويته العربية والسيطرة على مقدراته وتهجير شعبه، وهم على وشك أن يبسِطوا سيطرتهم على سوريا بالتعاون والتنسيق مع جمهورية روسيا الاتحادية الحليف التاريخي لسوريا والإستراتيجي لإيران في السنوات الأخيرة، وأصبح الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على مقربةٍ من منطقة درعا جنوب سوريا، وإذا تمكن الإيرانيون من فرض سيطرتهم الكاملة على سوريا كما هو الحال في العراق فإنّ القادم من مغامراتهم بلا ريب هو شبه جزيرة العرب. إنّ دول مجلس التعاون بادرت إلى قطع الطريق أمام الطموح الإيراني في جنوب شبه الجزيرة من خلال تشكيل التحالف العربي الذي ضم عشر دول عربية "وباركته أمريكا" لمقاتلة جماعة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران والقوات الموالية لهذه الجماعة، وأعلن حينها أنّ النظام القائم في اليمن هو من طلب التدخل الخليجي بعد أن تمكّن الحوثيون من اجتياح أغلب المحافظات اليمنية واستولوا على العاصمة صنعاء وأخذت قواتهم تزحف في اتجاه مدينة عدن الساحلية التي تشكل أهمية إستراتيجية دولية كونها مطلة على مضيق باب المندب الممر المائي الدولي الهام، وبالتالي فإنّ دولاً كثيرة لا تُريد أن يكون لإيران نفوذ في هذا المكان تحديداً، خاصة وأنّ إيران أصبحت تحيط بشبه جزيرة العرب من أكثر من جهة وأصبحت تشكل خطرًا على استقرار المنطقة، وهي في الحقيقة كذلك لأنّ لدى جمهورية الإسلامية الإيرانية مشاريع تاريخية وسياسية ودينية بعيدة المدى تتمثل في استعادة المجد الإمبراطوري القديم وفرض الثقافة الفارسية على المنطقة وهي ثقافة إقصائية لا تعترف بالآخر، بل إنّ دستورها يُلزمها بتصدير الثورة وينص على تعيين مرشد أعلى يكون إماماً للأمة وزعيماً لدولة الإسلام الكبرى، ويتملكها غرور بالتفوق بعد أن تمكنت من العراق وأصبحت قاب قوسين من السيطرة على سوريا، وهي مُثيرة للقلاقل في أكثر من دولة عربية من خلال تحريك الخلايا النائمة والفكر الطائفي في هذه البلدان، ومع هذا نقول بأنّ الحرب العربية العربية في اليمن هي مُهينة للكرامة الإنسانية عموماً بل هي حبر أسود في سجل التاريخ العربي المُظلم في أغلب صفحاته والذي نتمنى أن تحرقه الأجيال وتمسحه من ذاكرتها.

وفي سوريا تُدافع إيران عن دمشق بضراوة وكأنّها تدافع عن طهران وتُقدم كل ما يمكنها تقديمه من دعم عسكري وفني ومالي للنظام القائم، ليس من أجل عيون الرئيس بشار الأسد، ولا حتى من أجل العلويين إنّما رغبة منها في إسقاط الدولة العربية السورية والإجهاز عليها لتنطلق بعد ذلك إلى مناطق عربية أخرى كلبنان التي أصبح لها نفوذ فيها من خلال حزب الله، والأردن التي سوف تكون محاصرة بالهيمنة الإيرانية، ولا يُستبعد بعد ذلك أن تتخلى إيران عن شخص الرئيس السوري بشار وتزيحه عن السلطة وتُعين قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني حاكماً عاماً على سوريا على غرار ما فعلته أمريكا عندما عينت بول بريمر حاكمًا على العراق بعد غزوها لها في حرب الخليج الثالثة عام 2003م، لأنّ الأساس في الوجود الإيراني في سوريا ليس حماية الأماكن المُقدسة كمرقد السيدة زينب في دمشق وغيرها من الأماكن كما يروجون، إنما الأساس من هذا الوجود هو استراتيجية طهران التوسعية في المنطقة، لذلك فإنّ الإعلام الإيراني يسمي عملياته في العراق وسوريا بالحرب المُقدسة أو "مدافعان حرام" بالفارسي ومعناها المدافعون عن الأماكن المقدسة، وجندت لهذا الغرض عشرات الآلاف من المقاتلين من فيلق القدس وحزب الله والميلشيات العراقية والفاطميين الأفغان والباكستانيين والمتطوعين من قوات الباسيج الذين يؤمنون بعقيدة القتال الدينية، ويقوم الحرس الثوري في إيران باختيار هذه العناصر وتدريبها والإشراف على عملياتها في الخارج..

ويأتي التحالف الإسلامي الكبير الذي أعلنته المملكة العربية السعودية في ديسمبر من العام الماضي بانضمام 34 دولة إسلامية عربية وأفريقية، ومقرر له أن يجتمع في الرياض نهاية مارس القادم ضمن الخُطط العسكرية والاستعداد لمقاتلة الإيرانيين وطردهم من سوريا، وهو كسابقه أيضًا يحظى بمُباركة أمريكية ودعم غربي إذا ما قرر حلف الأطلسي الوقوف إلى جانب تركيا "الدولة العضو في الحلف" إذا دخلت في مواجهة مُباشرة مع روسيا وإيران وربما الصين وبهذا ستدخل المنطقة في منعطف أمني خطير جدًا قد يؤدي إلى نشوب حرب عالمية ثالثة، وهو ما يسعى إليه اليهود والأمريكان حسب تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي "اليهودي" هنري كيسنجر لصحيفة "ديلي سكيب" حين قال إنّ شعور روسيا وإيران بالقوة هو شعور زائف، وإنّ الرابح من هذه الحرب هما إسرائيل التي سوف تسيطر على نصف دول الشرق الأوسط، وأمريكا التي ستُحقق حلمها في تكوين حكومة عالمية "سوبر باور" تقود بها العالم، وأن هذا هو حلم يراوده منذ سنين.

وبقراءة أولية لمشهد التحالف الإسلامي نجد أنّ لكل دولة في هذا التحالف هدفان، هدف رئيسي مُعلن وهو القضاء على المشروع الإيراني الخطير الذي يُهدد أمن المنطقة وعقيدتها ومصالحها، وأهداف أخرى غير مُعلنة تتعلق بالشأن الداخلي لكل دولة حسب ما ينظرون ويخططون ويأملون، فتركيا على سبيل المثال تأمل في القضاء نهائياً على حزب العمال الكردستاني المعروف بـ "بي كا كا "الذي يطالب باستقلال الأكراد عن الدولة التركية وتقرير مصيرهم وحقوق مدنية وسياسية وثقافية في إطار الهوية الكردية ويسبب صداعًا مزمناً لاستقرار الدولة التركية منذ عقود، ومصر تأمل في مساعدة التحالف لها في حرب الاستنزاف التي تفرضها عليها تنظيمات بيت المقدس وهم يصعدون هجماتهم على الجيش والشرطة في سيناء وينفذون عمليات انتحارية مؤلمة في داخل المدن المصرية، ودول الخليج لديها مصالح خاصة وتسعى للقضاء على عصابات الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" والقاعدة والنصرة والخلايا الإرهابية الأخرى التي وجدت حاضنات لها في أكثر من دولة عربية منها العراق وسوريا واليمن وتهدد الاستقرار السياسي والاقتصادي وأصبحت تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي لهذه الدول والدليل ما قامت به من تفجيرات إرهابية في السعودية والكويت والبحرين، وباكستان أيضًا لديها مصلحة خاصة من الانضمام للتحالف الإسلامي من أجل تأمين حدودها المتاخمة لإقليم بلوشستان من التدخلات الإيرانية وإضعاف جماعة الهزارة الشيعية ذات القومية الفارسية الذين يتواجدون في أفغانستان وباكستان ويُقدر عددهم بأكثر من مليونين ونصف المليون في البلدين وتعتبرهم باكستان كفارًا يستحقون القتل.

في الأخير نقول إنّ من يظن بأنّ التحالفات العربية أو الإسلامية أو أية تحالفات إقليمية أخرى قادمة هي لمصلحة الأمة العربية والإسلامية وحماية مكتسباتها وشعوبها ومعتقداتها ومصالحها فهو مخطئ وواهم، وأن هذه التحالفات تأتي ضمن مخطط دولي صهيوني عكف على وضعه منذ سنوات طويلة مفكرون وخبراء يهود أمثال كيسنجر ورفاقه لرسم خارطة الشرق الأوسط والعالم الجديد وفق الرؤية والمصلحة الأمريكية والإسرائيلية، وهذه المخططات والدراسات لم تعُد سرية وهي منشورة في عدة كتب ومصادر وموجودة في مكتبة الكونجرس الأمريكي، وهذه التحالفات ماهي إلا مواليد مستنسخة من التحالف الدولي الأب الذي شكلته أمريكا عام 2014 بمناسبة ذكرى سبتمبر المشؤوم لمحاربة عصابات داعش كما تدعي، وأعلنت وقتها أنّ أمريكا لن ترسل جنودًا للقتال المباشر في المنطقة وستترك هذه المهمة للقوات المحلية ليتقاتلوا ويستنزفوا ويدمروا بعض، وتبدأ هي في الانسحاب التدريجي من المنطقة، مع استمرارها في بيع الأوهام الساذجة للعرب واستنزاف قدراتهم واستغلال أموالهم في الاتفاقيات العسكرية والعقود الأمنية وصفقات السلاح، ومشاريع الإعمار الوهمية التي تتكسب منها الشركات الأمريكية الداعمة للوبي الصهيوني وللقرار السياسي في أمريكا.

Sh-almaskry5@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك