الأسد الرقم العصي في معادلة السلام السورية

عبيدلي العبيدلي

في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم السبت الموافق 6 فبراير 2016، بعث وزير الخارجية السوري وليد المعلم رسالة صريحة تعلوها نبرة واضحة تهديدية تقول "إن أي تدخل بري أجنبي في الأراضي السورية هو بمثابة (عدوان) والمعتدون سيعودون بصناديق خشبية، (مضيفا)، والعدوان يرتب مقاومته التي تصبح واجبا على كل مواطن سوري".

جاء ذلك في رد فعل مباشر على إعلان المتحدث باسم التحالف العربي الذي تقوده السعودية -قبل يومين من هذا التصريح-" أن الرياض مستعدة للمشاركة في أي عملية برية يقررها التحالف الدولي بقيادة واشنطن ضد تنظيم (الدولة الإسلامية) في سوريا".

كان يمكن النظر إلى هذه التهديدات الإعلامية على أنها مجرد حرب كلامية، لولا أنها جاءت إثر إعلان المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا عن تعليق محدثات جنيف3 حتى الأسبوع الرابع من شهر فبراير 2016، وترافقت مع مجموعة من الأحداث التي تشكل نقلة نوعية في مسارات الصراع الذي يشتد أواره في الساحة السورية، ويمكن رصد الأهم من بين تلك التطورات في الأحداث التالية:

1. التصعيد الملموس في الهجمات العسكرية الروسية، المرافقة لتلك التي يشنها جيش النظام معززة بقوات نظامية من إيران، ومصحوبة بمقاتلين من حزب الله اللبناني، والتي أدت إلى تفريغ مجموعة من البلدات السورية من سكانها، وأرغمتهم على النزوح إلى مناطق مختلفة، لكن جلهم توجه نحو الحدود السورية - التركية.

2. التوسع الأفقي والعمودي العسكري الروسي في آن. فإلى جانب الانتشار الأفقي للقوات البرية، هناك التوغل عموديا عبر الضربات الجوية المتلاحقة التي ينفذها السلاح الجوي الروسي، الأمر الذي ينذر بتحول نوعي في موازين القوى لصالح نظام بشار الأسد وجبهة تحالفاته، وهذا بدوره يعيد الصراع إلى خانته الأولى التي فجرت الصراع، قبل بروز قوى أخرى مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" على ساحة الصراع، خاصة عندما نتمعن في ما جاء على لسان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ، الذي اعتبر "الغارات الجوية الروسية المكثفة في سوريا تقوض الجهود لإيجاد حل سياسي للحرب السورية".

3. فشل جلسات الحوار التي بدأ بطاولة جنيف1 وما تزال تراوح في مكانها حتى بعد أن وصلنا إلى جنيف3. وبغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى فشل مسيرة الحوار التي تمتد لما يزيد على ثلاثة أعوام، كما جاءت على لسان طرفي الحوار الأساسيين، فمحصلتها تقول إن الأطراف وصلت إلى طريق مسدود لأنها لم تتوافق على البنود الرئيسة، وفي المقدمة منها مصير بشار الأسد على نحو شخصي، ونظامه على المستوى السياسي.

4. تزايد عدد المشاركين المباشرين في القتال، فبعد أن كانت القوات محصورة في الجيش النظامي، وإيران وحزب الله من جهة، والقوى المنخرطة في المعارضة المعترف بها من جهة ثانية، وجدنا جيش "تنظيم الدولة الإسلامية"، واليوم هناك احتمال تدخل قوات خليجية بشكل مباشر في الحرب، الأمر الذي ينذر بتقلبات في موازين القوى بدرجة حادة، لا تسمح لأي من الطرفين "الاستمتاع" بنصر حاسم ملموس، خاصة عندما نقرأ بعناية اتهامات نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، للمملكة العربية السعودية، "بـالتظاهر بمحاربة الإرهاب عن طريق إرسال قوات برية رمزية لمكافحة تنظيم (داعش) في سوريا بشكل، مشككا في قدرات السعودية العسكرية ومتهما المملكة بدعم الجماعات الإرهابية التكفيرية السورية".

إذا قرأنا هذا التطورات، وأزحنا القشرة الرقيقة التي تغلف سياسات وتصريحات القوى المتصارعة، فسنجد انها جميعا تتمحور حول قضية واحدة هي مصير نظام الأسد كمؤسسة، وهذا الأخير كرئيس لها مسؤول عن كل الجرائم التي ارتكبها النظام منذ ما يزيد على نصف قرن من حكم بشار، ومن قبله والده حافظ.

1. فمن جانب يرفض النظام القبول بالشرط الأساسي الذي تتمسك به القوى المعارضة له، وهو رحيله، وربما محاكمته بعد إزاحته، وبالتالي فهو يرى أن مصيرا مظلما في انتظاره، ما لم ينجح في الاستمرار في الحكم لفترة تمكنه من النفاذ من أية محاكمة دولية محتملة. هذا يفسر تعزيز تحالفاته الإقليمية مع إيران، والدولية مع روسيا التي تلتقي مصالحهما المباشرة في المنطقة مع استمرار النظام، وعلى رأسه بشار في السلطة. من أصعب المشاكل حلا في مفاوضات السلام مصير الرئيس السوري بشار الأسد وأعوانه. ويدرك الأسد انه لا يستطيع، كما يقول عنه المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش (مقرها نيويورك) كينيث روث، أن يتنصل من مسؤوليته "عن أكبر عدد من الإصابات في صفوف المدنيين حتى الآن، بعد أن نفذ جيشه هجمات عشوائية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وحاصر مناطق بأكملها، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، وقام بتعذيب وإعدام السجناء، بينما يُصرّ خصوم الأسد بأن يتنازل عن السلطة، وهذا بالطبع لن يكون شرطا مسبقا للمحادثات". أما بالنسبة لإيران، فسقوط نظام الأسد، يعني بتر للشريان الشيعي الذي بنته ورعته منذ ما يزيد على 14 سنة، عندما أسقط نظام طاغية العراق صدام حسين. بالقدر ذاته تتمسك روسيا بنظام الأسد، لأنه النظام الوحيد في المنطقة من بين الأنظمة الشمولية العربية الأخرى، التي تحتفظ موسكو بعلاقات تاريخية معه، بما في ذلك السماح لها بالتواجد العسكري المباشر في طرسوس.

2. على نحو مواز، وكما يقول روث أيضا "يُواجه المفاوضون السؤال الصعب وهو من الذي ينبغي أن يحل محل الأسد؟ وفقا لإعلان فيينا، سوف يتقرر هذا السؤال في نهاية المطاف بعد تنظيم الانتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. وبذلك فاٍن انتخابات ذات مصداقية في سوريا التي مزقتها الحرب، حيث شرد الملايين، سوف تستغرق الكثير من الوقت والتحضير لتنظيمها."

وهذا يجعل من الأسد شخصيا الرقم العصي في معادلة حل المعضلة السورية.

تعليق عبر الفيس بوك