أعداء النَّجاح

حاتم الطائي

لا ندَّعي أنّ عُمان هي جمهوريةُ أفلاطون أو مدينتهُ الفاضلةُ، ولكن مُقارنةً بمُحيطِها المُضطرب، تُعد السلطنةُ وبمقاييس الأمن والاستقرار، واحة أمانٍ، ونموذجاً مضيئاً للتعايشِ والتسامحِ في عالم يمور بالاختلالاتِ والصراعاتِ..

كما أنّ عُمان أضحت في مصاف؛ بل رائدة الدولِ التي تسعى إلى إحلال السِّلم واستتباب الأمن العالميين، وقد أثمرت جهودها في هذا المجال عن ثمارٍ طيبةٍ وواضحةٍ وضوح الشمسِ في رابعةِ النَّهار..

ويشهد المُنصفونَ في هذا العالمِ بما لبِلادنا من نوايا حَسنةٍ، وأيادٍ بيضاء، تهُبُ لمُساعدةِ من يستنجدُ بها، وتبادر أحيانًا من تلقاءِ نفسها إحقاقاً لمبادئها التي تسيرعليها ووضع أُسسها جلالة السُّلطان قابوس منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي..

والحالُ هكذا، من المُستغرب بمكان أن ترتفع أصواتٌ نشازٌ هُنا وهُناك، في محاولةٍ يائسةٍ للنيلِ من المُكتسب العُماني، والإنجازات المُتحققةِ على أكثر من صعيدٍ، في إنكارٍ صريحٍ لحجم المُنجز خاصةً على صعيد إرساء نهجٍ جديدٍ في العلاقات الدولية يقومُ على إعلاء منطق الحوار كسبيلٍ وحيدٍ لحل النزاعات والتوصل إلى حلول إزاء القضايا الشائكة، وما قضيةُ الملفِ النووي الإيراني ببعيدةٍ عن الأذهان..

يسعى هؤلاء المُغرضون إلى زعزعةِ ثقةِ المواطنِ في وطنهِ، وإضعافِ وطنيته، وبذر الشكوك حول حكومته، بهدف النيلِ من قوة تماسك اللُحمة الوطنية، وضعضعةِ جذور الثقةِ التي ترتكز عليها الوشائج التي تربط أبناء هذا الوطن ببلادهم..

 وللأسف أنّ هذه الهجمةَ المُرتدة التي تتزامن مع النجاحاتِ التي حققتها بلادنا خلال الفترة الأخيرة، وعلى أكثر من مستوى، خاصة على الصعيد الدولي، تجد من يتلقفونها في الداخل، بل ويروجون لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكأنّها حقٌ لا يأتيه الباطلُ، بينما هي في واقعِ الأمرِ إشاعاتٍ مغرضةٍ، تُطلقها عُقولٌ شريرةٌ ونفوسٌ مريضةٌ في سبيلِ النّيلِ من المُنجز العُماني، وإضعاف النَّسيج الوطني لتحقيق مآربٍ مشبوهةٍ..

 ومما يدعُو إلى وقفةٍ جادةٍ لاستقصاء المرامي الحقيقيةِ وراء هذه الحملات، أنّها باتت في تزايدٍ مستمرٍ، كما أنّها تنتشر انتشار النَّار في الهشيمِ لاعتمادها على عدة وسائل، فهي تُسخر لإيصال هذه الرسائل السلبيةِ مواقع التواصل الاجتماعي، وتروّج لتصنيفاتٍ تُصدرها مجلاتٌ ومنظماتٌ مشبوهةٌ في الأساس، ومعروفٌ عنها أنّها تميل مع من يدفع أكثر وفي أغلبها، مؤسسات ومجلات خاصة ولا علاقة لها بالمؤسسات الدولية المرموقة، أو المنظمات الرصينة.. والعديد من هذه الجهات المُغرضة، يتقاضى مبالغ مادية، مقابل تنفيذ حملات علاقات عامة تهدف إلى تحسين صورة دولة ما أو تشويه أخرى حسب طلب من يدفع أكثر!.

إنّ أمثال هؤلاء الذين يستهدفون السَّلطنة، لا يُمكن وصفهم إلا بأنّهم أعداءٌ للنجاح، لأنّ سِهامهم التي يُصوبونها نحو عُمان تهدف في المقام الأول إلى تشويه الصورة التي باتت تتشكل في الوعي العالمي عن السلطنة كدولة سلام في منطقة تشتعل أطرافها بالنزاعات والحروب، وأضحت قيادتها مثالاً لصوت الحكمة والاعتدال في عالم تتناوشه خطابات التطرُّف والكراهية..

نَعم، إنّ هناك كثيراً من أعداء النجاح ممن لا يودُون أن يروا عُمان تحلق عالياً، دولة اختارت السلام منهجًا، وطبقته عملياً، ونأت بنفسها عن الشحن الطائفي والسياسي لتُركز بشكلٍ أكبر على قضايا التنمية، وتُوظف مواردها في بناء الإنسان المُعتدل البعيد كل البُعد عن مزالق التطرَّف.

إنّ هذه الحَملةَ المسعُورةَ ضد مُنجزاتنا كوطنٍ وشعبٍ، هي جزءٌ من حربٍ نفسيةٍ تستهدفُ معنويات المواطنين، المطالبين بتوخي الحذر في التعامل مع مثل هذه الرسائل المشبوهةِ، وعدم التَّماهي مع الدعوات المُغرضة لنشرها.. بل وعليهم أن يتساءلوا عن توقيت هذه الحملات .. ومن يقف وراءها من خلف الحدود، ولماذا هذا الحرص البالغ على ترويجها عبر مختلف شبكات التواصل الاجتماعي؟.

إنّ الإجابةَ عن هذه التساؤلات الموضوعية، تُبين لنا بجلاء أن وراء الأكمةِ ما وراءها، وأنّ ثمةَ جهاتٍ لها مصلحة في هذه الحرب الإلكترونية التي تستهدف بلادنا..

ومن هُنا يجب على المواطنين أن ينتبهوا لما يُحاك عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل كثيراً من الغثِّ وقليلاً من المصداقية..

 

 نحتاج الآن إلى نظرةٍ فاحصةٍ على هذا النَّشاط المشبوه لتحديد مصادره وبالتالي التَّعامل معه بما يستحق من جديةٍ، لأنّ سياسة التقاضي عن مثل هذه الاستهدافات، ودفن الرؤوس في الرمال لن تجدي مع هكذا أنشطة مسمومة لأنّها تستهدف خلخلة التماسك المجتمعي، وحقن الوهن في جبهتنا الداخلية لأنّه لا يسُر هذه الجهات أن ترى فيها هذا التلاحم، والذي بحول الله سيستمر صخرةً تتحطم عندها أحلامُ الطامعين..

 ولقد نبَّه المُفكر الصيني سي تزو منذ أكثر من ألفين وخمسمائة عام إلى مخاطر الحرب النفسية في كتابه الموسوم " فن الحرب" فهو يرى "أنّ أعظم درجات المهارة هي تحطيم العدو دون قتال" ..

 فمن المعروف أنّ الحرب النفسية تقضي على معنويات العدو عبر استهداف وتضليل الرأي العام بالشائعات المُغرضة الرامية إلى زرع عوامل الفرقة والانقسام والشتات في المجتمع باستخدام المعلومات المغلوطة المُغلفة بالأرقام والاستبيانات لتبدو حقيقية، رغم أنّ الحقيقة بريئة منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب!.

إنّ التَّصدي الأمثل لمثل هذه الحملات المشبوهة، يكمن في أكثر من مسار، ومنها : الرد عليها بما يكفل دحضها، ويُفند أكاذيبها، كما أنّ تحصين المُجتمع بالوعي يُعد خط الدفاع الأول الذي تسقُط عنده كل الشائعات والاستهدافات المُغرضة..

 ونختتم بقوله تعالى " وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ"  فاطر 43..

حفظ الله عُمان من تخرصات المُغرضين، ومن أهواء الطامعين.