حاتم الطائي
لا يخفى على أحدٍ النجاحات السياسيّة المُتتالية التي تُحقّقها بلادنا وعلى أكثر من صعيدٍ، ارتكازًا على مبادئ راسخة، وانطلاقًا من قيمٍ مُتجذرةٍ، أرسى قواعدها جلالةُ السُّلطان المُعظّم - أيَّده الله - وفق رُؤيةٍ سامية تُكرِّس لعُمان دولةً للسلامِ وداعية للوئام في مُحيطها الإقليمي وفي العالم أجمع، دولةً تسعى إلى كسب احترام الجميع من خلال النَّأي بنفسها عن التَّدخل في شؤون الآخرين، وتعمل على تبني المساعي الخيِّرة الراميةِ إلى تدعيمِ أركان السلمِ والأمن الدوليين..
ولقد أسهمت الدبلوماسيةُ العُمانيةُ في ترجمة هذا التوجه من خلال أدوارٍ تتسم بالمصداقيةِ العاليةِ، نجحت خلالها في حلحلةِ الكثير من الملفات المُستعصية، وتمكنت من إطفاء العديدِ من بؤر التوتر، والاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى الذي تمّ إبرامه مؤخرًا، يُعد أنصع دليل وخير شاهدٍ على فاعلية الدبلوماسية العُمانية، والثقل الذي تحظى به على كافة المستويات إقليمياً ودولياً.. فلولا ثقة كافة الأطراف ذاتَ الصلةِ بالملفِ النووي الإيراني بجدوى الوساطة العُمانية وجديِّتها لمَا عادت إلى مائدةِ التّفاوضِ بعد أن هجرتها أكثر من مرةٍ، ولولا نجاح السلطنة في تقريب وجهات النَّظرِ بين المتحاورين، لما تمّ التوصلُ إلى هذا الاتّفاق التّاريخي الذي أبعد شبحَ الحروبِ عن المنطقةِ.. ونزع فتيل التوترات التي كانت تُلبِّد سماءها..
ولقد جدَّد جلالةُ السُّلطانِ المُعظّم -حفظه اللهُ ورعاه- لدى ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، التأكيدَ على تعاونِ السلطنةِ مع كافةِ الجُهودِ الراميةِ لحلِ القضايا التي تشهدها المنطقةُ بالحوارِ لما فيه إحلال السلامِ والأمنِ والاستقرارِ لمصلحةِ كافةِ شُعوبِها، بما يتَّسقُ مع أسسُ السياسة الخارجيةِ العمانيةِ، والتي أسفرت عن ثمارٍ يانعةٍ، ونتائجٍ باهرةٍ يشهد لها الجميع..
والسؤالُ الذي يبزغُ اليومَ ويفرض نفسه: كيف نستطيع أن نُترجم هذه النجاحات الدبلوماسية إلى شراكاتٍ اقتصاديةٍ قادرةٍ على تحقيق النُّمو الاقتصادي كمحركاتٍ ديناميكيةٍ خاصةٍ في ظلِ أزمة تراجع أسعار النفط؟.
لقد أكَّد جلالة السُّلطان على أهمية التنويع الاقتصادي، وهي دعوة حكيمة لتفادي الصعوبات التي تنجم عن الاعتمادية على مصدر واحدٍ..
ولا شك أنّه يُمكن استثمار العلاقاتِ الخارجيةِ المُمتازة للسلطنة مع جميع دول العالم، في إضفاء ديناميكيةٍ وحراكٍ على مختلفِ القطاعاتِ الاقتصاديةِ، لأنّ المرحلة تتطلب أن يكون الازدهار الاقتصادي على قائمة أولويات الحكومة لما يخدم المشروع الحضاري العُماني.
ومن هنا تأتي أهمية تفعيل الشراكات الاقتصاديةِ العالميةِ والدخول في شراكات دوليةٍ جديدةٍ لخلقِ فرصِ عملٍ لشبابنا وتنمية اقتصادنا بمختلف قطاعاته الواعدة، عبر إيجاد إستراتيجية للحراك الاقتصادي واقتناص الفرص الاقتصادية بمختلف القطاعاتِ، وحتى تكون تحركاتنا الاقتصادية في مستوى نجاحاتنا السياسية على الساحتين الإقليمية والدولية.. خاصة وأنّ ثمَّة مفارقة بين النجاحاتِ السياسيةِ للسلطنة ومستوى علاقاتها مع الدول، وضعف ترجمة ذلك إلى واقعٍ اقتصادي .. والفرصة مُتاحةُ الآن لتفعيل الشراكةِ الاقتصاديةِ مع إيران، والانتقال بها إلى مرحلة أعلى خاصة في هذا الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم، وتبعث بوفودها إلى طهران لتوقيع الاتفاقيات الاقتصاديةِ في مُستهل مرحلةٍ جديدةٍ ستكون فيها إيران مركز ثقل اقتصادي لا يُستهان به.
ولا شك أنّ الانطلاقةَ نحو آفاقٍ أرحب للشراكةِ مع دول العالمِ تتطلب إطلاق القُدرات الكامنة للقطاعِ الخاصِ ومنحه المزيد من التسهيلات وخلق بيئة مُحفزةٍ للأعمالِ والشراكاتِ الدوليةِ وتجاوز البيروقراطية والبطء في الأداء وتفعيل الحكومةِ الإلكترونية تسهيلاً للمعاملات.
كما تأتي أهمية تقويةِ القطاعِ المالي باعتباره عنصرًا ضرورياً للتوصل إلى نسبٍ أعلى للنمو من خلال اجتذاب الاستثمارات، ليكون عاملاً داعمًا لركائز التنويع المُحددة في خطة التنمية الخمسية التَّاسعة والمُشتملةِ على قطاعاتٍ واعدةٍ هي: السياحة واللوجستي والصناعة والتعدين والثروة السمكية..
والشاهد أنّ جميع هذه القطاعات يُمكن أن تلعب الشراكاتُ الدوليةُ، والاستثماراتُ الخارجيةُ دورًا محوريًا في الارتقاء بإسهامها الاقتصادي، خاصة إذا ما تمّ ربط ذلك بتوطين التقنية المُتقدمة..
وفي هذا الإطار تكتسب الاتفاقية التي وقعها معالي يوسف بن علوي مع وزير الخارجية الأمريكي في دافوس مؤخراً حول التبادل المعرفي والتكنولوجي مع السلطنة، أهميةً استثنائيةً لكونها تُسهم في ردم الهُوةِ المَعرفيةِ في المجالاتِ التَّقنيةِ بالسلطنةِ، الأمرُ الذي يرفُد اقتصاد المعرفةِ، الذي بدوره يدعم الاقتصاد الوطني ويُعزز قابليته للتنوع والاستدامة..
خلاصة القول: إنّنا اليوم بحاجة إلى رؤيةٍ اقتصاديةٍ قادرةٍ على ترجمة الإنجازات السّياسية والدبلوماسيّة الباهرةِ إلى فرصٍ حقيقيةٍ للنّمو الاقتصادي.