فيروس زيكا: البعد السياسي والاقتصادي

عبيدلي العبيدلي

سيطرت أخبار انتشار فيروس زيكا على مواد الأجهزة الإعلامية التقليدية منها والعنكبوتية. وجد المتابع نفسه ضحية سيل من الأخبار والتغطيات الإعلامية شاركت فيها مؤسسات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، تقول: "إن ما بين 3 إلى 4 ملايين شخص قد يصابون بفيروس زيكا في الأمريكتين خلال العام الجاري... أغلب هؤلاء لن تظهر عليهم أعراض المرض... ويرتبط الفيروس بعدم اكتمال نمو المخ عند الأطفال حديثي الولادة... السلطات المعنية في الولايات المتحدة تعرب عن أملها في بدء تجريب لقاح بشري ضد المرض بنهاية العام الجاري... رئيس اللجنة الأولمبية الدولية توماس باتش يعلن أن هناك خطوات تتخذ من أجل حماية الدورة الأولمبية الصيفية المقررة في ريو دي جانيرو... المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان، تحذر من أن زيكا انتقل من مرحلة التهديد البسيط إلى التهديد المثير للقلق... إن ما بين 500 ألف و 1.5 مليون شخص أصيبوا بالفيروس في البرازيل، وانتشر الفيروس بعد ذلك إلى أكثر من 20 دولة في المنطقة... لا يوجد علاج لفيروس زيكا حتى الآن وهناك محاولات في الولايات المتحدة لإنتاج لقاح له... رئيسة البرازيل، ديلما روسيف، تحث أمريكا اللاتينية على التوحد من أجل مواجهة الفيروس... باحثان هما دانيال أر لوس ولورانس أو غوستين، يحذران في مقال نشر بدورية الجمعية الطبية الأمريكية، إن فشل منظمة الصحة العالمية في مواجهة أزمة إيبولا الأخيرة في وقت مبكر ربما أدى إلى وفاة الآلاف".

وللعلم فقط، وقبل تسليط الأضواء على الدوافع الحقيقية وراء هذه الضجة الإعلامية التي لا تخلو من الغرابة، تؤكد المصادر العلمية على أنّ "فيروس زيكا اكتشف أول مرة في أوغندا عام 1947، لكنه لم ينتشر على هذا النطاق من قبل". أي أنّه مكتشف قبل ما يزيد على النصف قرن من الزمان.

ليس القصد هنا التخفيف من المخاطر التي يحملها هذا الفيروس، ولا المناشدة بوقف حملات التصدي له ومواجهته بما يضمن محاصرته، بل والقضاء عليه إن أمكن. لكن ما يثير الغرابة في شأن المعالجة الإعلامية لانتشار هذا الفيروس هو التوقيت الزمني وشدة الضجيج الإعلامي الذي رافق الحملة، الأمر الذي يدعو إلى الذهاب أبعد من مجرد اكتشاف فيروس يُهدد العالم.

لقد عودتنا الدوائر الحاكمة في الدول العظمى، أن ليس هناك من شيء توليه مثل هذا الاهتمام، إلا ويكون وراءه بعدان: أولهما اقتصادي، يمس مصالحها الخاصة بشكل مُباشر سواء في الداخل أو في الخارج، أما الثاني، وهو صنوه الثاني، فهو البعد السياسي الذي يشمل مشروعاتها السياسية الخارجية، واستراتيجياتها الدولية.

هذا يدفع المتابع لتلك الحملة الإعلامية بشأن محاربة زيكا إلى الربط بينها وبين هذين البعدين، وفي هذا شيء من المنطق.

فكما يبدو يواجه الغرب اليوم، وفي مقدمته الولايات المتحدة أزمة اقتصادية داخلية جديدة، يرافقها احتمال هجوم اقتصادي من خصم عنيد هو الصين، وهذه حالة نادرة أن يترافق فيها ركود اقتصادي غربي، وتأهب منافس شرقي. وليس الإرباك الذي أوجده ذلك الهبوط المريع غير المرتقب في أسعار النفط، وهو السلعة الإستراتيجية الاقتصادية الدولية، والإرباك الذي أحدثه في أسواق المال العالمية، سوى أحد أبرز ملامح هذه الأزمة. مواجهة هذه الحالة الطارئة والخروج منها بأقل الخسائر ليست مهمة مستحيلة لكنها صعبة وبحاجة إلى بعض الوقت الذي تستفيد منه الدوائر الغربية في ابتكار حلول جديدة للمواجهة. ولا يمكن الفصل هنا بين تلك الأزمة ومشروعات قوانين الهجرة الجديدة التي باتت تفكر في سنها تلك العواصم، والتي تعبر في جوهرها عن الإنهاك الذي بات يُعاني منه الاقتصاد الغربي. وتحاشياً لضغوطات الرأي العام المحلي، خاصة وأنّ الولايات المتحدة مقدمة على مرحلة انتخابات رئاسية قريبة، لا بد من حرف هذا الرأي العام نحو قضية مرعبة ترغمه على التركيز عليها، كي يتسنى لتلك الدوائر إعادة خلط الأوراق والخروج من الأزمة.

على نحو موازٍ، وبأهمية لا تقل عن تلك الأزمة الاقتصادية، هناك الأزمة السياسية التي تتمرغ فيها العواصم الغربية، وعلى وجه الخصوص واشنطن. فما يجري في الشرق الأوسط من تصاعد لمظاهر الإرهاب وزيادة انتشاره على المستويين الكمي والكيفي، وما يُرافق ذلك من تخبط غربي في الخروج من أوحال معارك لم يكونوا بعيدين عن إشعالها في المراحل المبكرة منها، يرغمهم، تحاشيًا لمحاسبة داخلية، من بذل الجهود لصرف الرأي العام في بلدانهم نحو قضايا يجري تضخيمها في أذهان المواطنين كي تضع غشاوة على أعينهم تحول دون رؤية تلك الجرائم التي لم يعد بيد الغرب ذلك المفتاح السحري الذي كان يملكه في فترات الاستعمار المبكرة للتحكم فيها.

مرة أخرى تحتاج العواصم الغربية إلى بعض الوقت كي تستعيد أنفاسها، وتعيد ترتيب أوراقها للخروج من هذه الأزمة، لكن في البعد السياسي، التهديد قادم من قوى صغيرة باتت قادرة على نسج تحالفات دولية تعينها على الوقوف في وجه المشروعات الغربية. وهذه هي المرة الأولى، منذ حرب فيتنام، التي تواجه فيها واشنطن أمامها في الملعب السياسي قوى وطنية وإقليمية بدلاً من ممثلي عواصم الدول الكبرى.

ليس هناك من ينكر وجود فيروس زيكا، وليس هناك من يدعو إلى التخفيف من حملات محاربته من أجل القضاء عليه. لكن بالقدر ذاته ليس هناك من يوافق على أن يجري التلاعب بعقول سكان العالم وعواطفهم من أجل مساعدة العواصم الغربية، وتحديدا واشنطن كي تنتشل نفسها من أوحال مستنقعات هي التي أوجدتها، وهي التي نشرت فيها فيروسات أكثر خطورة من زيكا.

تعليق عبر الفيس بوك