هيّا نسأل

 

 

مدرين المكتومية

 

لا يختلف اثنان حول أنّ ثقافة السؤال في مجتمعاتنا العربية لم ترق بدرجة كافية لتواكب نمو العقل والمنطق، فهي ثقافة ما زالت تستند في كثير من أدبيّاتها على اليقينيات والمسلّمات المبنيّة على فهم مسبق أو أيديولوجيّة مسبقة أو اعتقاد وأعراف شعبيّة راسخة.. وحتى أكون منصفة لن أقول إن كل تلك المسلمات الشائعة خاطئة أو أن كل الاعتقادات ليست صحيحة، فهناك الصحيح بالفطرة والنواميس الكونّة وهناك ما هو خاطئ في التفسير والتصوّر.. لكن الأمر الذي بصدد مناقشته في هذه المساحة هو أنّ بعض المسلمات فوق أنها تجافي التدبر وإعمال العقل فإنها تقتل في المرء روح الإبداع والابتكار والبحث عن الحقيقة.

 

ففي البدء كان السؤال هو المدخل الأول لفضاءات المعرفة، وهو مفتاح العلم وطرد الجهل، وقد حثنا ديننا الحنيف على السؤال حين تسيطر الجهالة على أنفسنا "..فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" فالسؤال هو بداية المعرفة لدى الناس، وكل شخص أراد أن يتعلم أو يتعرف أو يكتشف أمرًا ما كان يوجه مجموعة من الأسئلة للحصول على إجابات تفي بالغرض من السؤال.. وفي بعض الأحايين يكون السؤال بمثابة الحل الأسلم والمنقذ الأساسي لكثير من المواقف..

 

نتعرض يوميًا لكم هائل من أسئلة الأطفال فهم يسألون عن كل شيء ببراءة وحسن نيّة.. ولأنّ عقل الطفل صفحة نقيّة بيضاء لابد أن نتحرى إجابتهم وفق أسلوب معرفي سليم وأمين يدفعهم نحو التيقن من الأشياء التي تشغل مساحات عقولهم الصغيرة، لاسيما وأنّهم في هذه المرحلة المبكرة من العمر يستمدون مخزونهم المعرفي من خلال وسيلة السؤال والجواب، كما أن تطور وسائل العصر وكثرة المتداخلات ومنابع المعرفة المتعددة يحتم علينا العمل أكثر حول غرس مفهوم السؤال وثقافته في عقول أبنائنا الصغار حتى يشبوا جاهدين وعارفين بطرق تحري العلم والمعرفة والمعلومة، كما أنّ من شأن ثقافة السؤال أن تنمي فيهم فضيلة الحوار وتقبل الرأي الآخر، وتلاقح الأفكار واتصالها اختلافًا واتفاقًا بطريقة ديمقراطية راقية.

 

لقد لعبت التكنلوجيا دورا كبيرا في تجميد عقل الإنسان وإعاقته عن البحث والتحري والدقة، حيث أصبحت الأخبار والمواضيع وأسرار العالم بالنسبة له تنتشر بضغطة زر "كوبي، بيست" لتصبح في كسر من الثانية متداولة بغض النظر عن صحتها من عدمه.

 

علينا أن نستخدم عقولنا في الاقتناع بالإجابات أو كميّة المعلومات المتدفقة ومدى صحتها من خلال توجيه جملة من الأسئلة لإيجاد ما كنا نبحث عنه، وبما أن الإجابة تعتمد على السؤال وجب علينا أن نعرف كيف نسأل؟ ومن نسأل؟ ومتى نسأل؟ وما هو السؤال نفسه الذي يوصلنا للإجابة التي ننشدها؟

 

أنّ الإجابات عادة ما تكون ميتة ولكن السؤال يبث فيها الروح ويجعلنا نستمتع بالإجابات التي قد نحصل عليها لأننا نكشف حقائق ووقائع لا يدركها الذين لم يجتهدوا من الأساس وسلّموا أنفسهم لما يتم تداوله أو لما هو حولهم من مسلمات بنيت على أسس واهية تجافي العقل والمنطق.

 

في الحياة التي نعيشها قد نظلم أحدهم، وقد ندّمر حياة أحدهم، وقد نكون سببا في فشل أحدهم، وقد نكون أيضًا مساهمين في الترويج لأمر وخبر مشين دون أن ندرك؛ فقط لأننا لم نسأل وقبعنا في الجهالة.. فقط لأننا تناسينا أننا نمتلك الوسيلة الأنجح لتلقي المعرفة.. وهي السؤال..

 

 

 

madreen@alroya.info  

 

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك