أحسن إليهم ثُمَّ تَولى عَنهم

عائشة بنت محمود النقبي

وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي شدتني الكثير من الأخبار المتعلقة بالأعمال التطوعية والتي باتت منتشرة في الآونة الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بمساعدة المحتاجين وذوي الحالات الخاصة بالمجتمع، أخذتُ أشاهد الصور الموجودة والأخبار التي تشرح ظروفها ووقت حدوثها وبقدر ما أعجبني كل هذا التلاحم المجتمعي والذي يبدو في أروع صوره والذي ليس بغريب على مجتمعاتنا الإسلامية التي تأمر شريعتها بالإحسان في كل شيء إلا أنني أحسست بشعور سيئ جداً وأنا اتمعن فيما خلف هذه الصور "تلك النظرات المكسورة لكل هؤلاء" والتي تختبئ خلف ابتساماتهم المتصنعة، تذكرت الآية التي يقول فيها رب العزة (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل) الآية 24 من سورة القصص، أخذتُ اتأملها لدقائق طويلة وأنا أرى حال الإحسان في وقتنا الحالي ومدى إخلاص النية في ظل الانفتاح الإعلامي اللامحدود والذي يُغري بالكثير. تذكرت قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فتاتي مدين قصة التأدب حتى في الإحسان حيثُ قالَ ربُ العِزّة (وسقى لهما ثم تولى إلى الظل) ولم يقل ذهب ليُخبر بإحسانه أو يتفاخر أو يطلب أجرًا أو حتى شُكراً كما يَحدثُ الآن في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. الغريب أنّ النَّاس بالغوا في موضوع نشر صور إحسانهم لدرجة أنّه أصبح هوساً لدى البعض ولا تندهش إن رأيت أحدهم يعطي عامل النظافة علبة عصير ثم يأخذ معه "سيلفي" وينشر صورتهما في جميع مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان كبير جداً يقول فيه (يستحقون عطفنا )!!! كم نحتاج في وقتنا الحالي أن نتعلم كيفية الإحسان إلى الآخرين دون جرحهم في كبريائهم وكم منِّا يظن نفسه محسناً لكنه يسيئ إلى من أحسن إليه من حيث لا يدري. أتساءلُ أحياناً عن مدى جدوى نشر أفعال الخير إذا كان الهدف الأول منها وجه الله فقط! وأجد أنّ الناس ينقسمون في هذا الموضوع إلى فريقين، معارض للنشر لأنهُ يرى أنّ في ذلك هدراً لماءِ وجه هؤلاء المحتاجين الضعفاء ومؤيد يعتبر أنَّ نشرها يُحفز الآخرين على العطاء ويهبهم دافعاً للاقتداء وبين هذا وذاك يضيع هؤلاء المساكين! لا أُنكر أنني اتفق مع كلا الطرفين من حيث صدق النية ونزاهة المبدأ لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بوجود فئة اعتبرت هؤلاء النّاس أسرع طريق للشهرة ومشروع ناجح للوصول للأضواء كما أنَّ هذه الفئة مريضة جداً لدرجة أنهم لا يكترثون بما قد يشعر به هؤلاء وهم يرون صورهم تنشر هنا وهناك وهم يأخذون صدقة أو مساعدة وكأن الفقر وحده غير كافٍ لخلق كل عذاباتهم ولا ينقصهم سوى هؤلاء الانتهازيين. ومما قد يزيد انزعاجك أن الكثير مما يُنشر من مساعدات مبهرج ومبالغ في تغطيته بطريقة عجيبة حيث تكون الصور والتعليقات شيء والواقع شيء آخر مغاير تماماً! ليتنا ندرك أن الإحسان بدون منٍ أو أذى هو من أخلاق الأنبياء وأقرب للقبول من الله كما أننا بإحساننا نحن بالواقع نصنع معروفاً لأنفسنا وليس لأحد فهذا شيء نُقدمه لآخرتنا فلمَ يا ترى قد نتباهى أو ننتظر شكراً !! وهذا ما يشرحه قوله تعالى (ثم تولى) حيث لم يقل ثم ذهب أي أنّه تولى بكامل ما فيه حتى لا يرى حياءً من أحسن إليه عارياً أمامه فَيُحرجه. لذا كان حرياً بنا بعد أيّ إحسان أن نتولى عن من أحسنا إليه بكل مافينا حتى ذلك القلب الذي ينبض بداخلنا لا نجعله يتمنى الشكر أو الجزاء من أحد. "لنُحسن إليهم ثم نتولى بعيداً إلى الظل حيث لا تسقط أعينهم علينا فنحرج حياءهم أو نخدش كرامتهم" .

عائشة بنت محمود النقبي

تعليق عبر الفيس بوك