فيما يرى النائم

أسماء القطيبية

هل تتذكر حلمك الليلة الفائتة؟ إن كان جوابك بـ "نعم" فأنت حسب إحدى الفرضيات من القلة المحظوظة التي لا تنسى أحلامها بعد خمس دقائق من الاستيقاظ، وهو ما يحدث لغالبية النَّاس، حيث يعتقد بعض علماء النفس أنّ جميع الناس في مرحلة عميقة من نومهم يحلمون، ولكن 10% فقط منهم يتذكرون أحلامهم، بينما يقول الـ 90% الآخرون إنهم لم يحلموا. هذه الفرضية المثيرة مثل غيرها من فرضيات كثيرة وضعها العلماء وقاموا بتجارب واسعة لتبيان دقتها في محاولات لاكتشاف ماهية الأحلام وفائدتها سواءً على مستوى جسدي أو سلوكي، لكنها ما زالت قيد الدراسة نظرا لتعقد الأمر. ومن جملة ما يُجمع عليه الباحثون في هذا الموضوع استنادًا لتجارب واسعة النطاق أنّ الأحلام ضرورية للحفاظ على الصحة البدنية والنفسية للشخص، فمنع الشخص من الوصول لمرحلة الحلم يعرضه لمخاطر قد تصل إلى الإصابة بالجنون.

إن كان حماس الباحثين في البحث عن ماهية الأحلام وتفسيراتها يعود إلى أملهم في استخدامها كوسيلة علاج، فإنّ حماس النّاس لفهمها يعود إلى فضولهم لمعرفة أسرارها وفك غموضها. ومن هذا المنطلق ظهر -أول ما ظهر- تفسير الأحلام بالقرآن، إحدى تجارات الوهم ذات الربح المضمون في الوطن العربي. حيث يطالعنا التلفاز يوميًا بعدد لا بأس به من (الشيوخ) المستعدين لتفسير أيِّ حلم في التو واللحظة، مستعينين -كما يدعون- بإشارات من القرآن الكريم. وهم يتخذون ثلاثة أشكال لا رابع لها، فهناك المُفسر المُبشر الذي يُفسِّر غالب الأحلام على أنها بشارة زواج مرتقب، أو حمل منتظر، أو وظيفة قريبة، وهناك المُفسر الأقل تفاؤلاً و الأكثر حذرًا وتحذيرًا والذي يفسر غالب الأحلام على أنها إنذار سحر أو حسد للحالم، وعليه فإنّه من الضروري أن يتحصن بالرقية الشرعية، وربما ببعض الخلطات العُشبية التي سيصفها له المُفسر العطار، ونوع آخر من المفسرين بدأ في الظهور مؤخرًا وهو المُفسر الذي لا يكتفي بتفسير الحلم على المستوى الشخصي للحالم بل إنّه يرى في حلمه إشارات للأمة، فقد يكون حلم أحدهم نصرًا قريباً في حرب ضروس، أو خبر وفاة رئيس دولة ظالم وهكذا. ومن الملاحظ أنّ غالب المُتصلين في هذه البرامج من النساء وربما يعود ذلك إلى أنهن أكثر خوفاً على المستقبل وأكثر إيماناً بالخرافات من الرجال الذين يميلون إلى الواقعية.

وبرأيي أنّ الشخص بنفسه قادر على فهم أحلامه وتفسيرها لنفسه، فهو أدرى باهتماماته ومخاوفه ومشاهداته التي منها تتكون الأحلام بدل اللجوء إلى -الذي عنده علم الكتاب- ولكنِّه لا يعرف عن الحالم سوى اسمه وعمره وحالته الاجتماعية. ولنفترض مثلاً أن شخصًا لديه مقابلة عمل، وفي ليلتها حلم أنّه في امتحان مادة صعبة كان يدرسها في المدرسة، هنا يكون العامل المشترك بين الأمرين هو التوتر، فالمقابلة تبعث فيه ذات التوتر الذي يبعثه الامتحان، ولن يستطيع أي مفسر ربط هذا بذاك لأنّه ببساطة لا يعرف عن مقابلة العمل المرتقبة ولا عن الصعوبة التي كان يُعانيها الشخص مع الامتحان. وبالطبع ليست دائمًا الأحلام بهذه البساطة، فهي تتعقد وتتلون بطرق لا حصر لها. لكنها في النهاية ليست إلا متنفسًا طبيعيًا، ما لم تتحول إلى كوابيس مؤرقة تُعيق حياة الشخص وتستلزم تدخلاً طبياً ونفسياً لعلاجها.

المُحلل النفسي فرويد كان من أكثر المتحمسين لاستخدام الأحلام في علاج الأمراض النفسية والعصبية، ورغم تعقيدها ولا منطقية أحداثها فهي ذهان قصير المدى -كما يذكر فرويد نفسه-، إلا أنه قطع شوطاً كبيرًا في مساعدة مرضاه عن طريق تحليل مضامين أحلامهم التي تعبر -كما يعتقد- عن الرغبات والمخاوف التي يُقاومها الشخص في حالة الوعي. وعن ذلك يقول في كتابه الموجز في التحليل النفسي: "غالبًا ما تستعيد ذاكرة الحالم انطباعات عن طفولة الحالم المبكرة نستطيع الجزم أنّها قد نسيت، بل إنّها أصبحت لا شعورية بالكبت. وهو ما يُفسر العون الذي لا غنى عنه والذي تزودنا به الأحلام عندما نحاول أن نستنبط العهد الأول من حياة الحالم أثناء العلاج التحليلي للأمراض العصابية". وقد أثبتت طرق فرويد في استخدام الأحلام كإحدى طرق التعرف على المريض وعلاجه نجاحها وما زالت تستخدم في بعض العيادات النفسية إلى اليوم لمساعدة المرضى النفسيين والأشخاص الذين يعانون من ضغوطات نفسية.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك