خبراء: استفادة الاقتصاد الوطني من السياحة "معدومة".. والإدارة الناجحة للقطاع تستلزم تطوير المرافق وتعزيز التنافسية ووضع خطط قابلة للتنفيذ

دعوا إلى تحسين كفاءة تحصيل الرسوم والضرائب ومواجهة الاحتكار وتغيير الثقافة المجتمعية والترويج الأمثل للسلطنة

 

 

سلمان: القطاع السياحي يزخر بالفرص الواعدة.. وضعف الخدمات والتسويق يحد من نمو العوائد

البادي: ارتفاع الأسعار وضعف التخطيط وعدم اكتمال منظومة الخدمات.. تحديات تعيق نمو السياحة

سنجور: التسويق الجيّد للسلطنة يزيد من جذب السياح.. والقطاع يفتقد للتنافسية

الحارثي: البيروقراطية وغياب التنسيق من أبرز تحديات نمو السياحة

المعمري: الطفرة النفطية خلال السنوات الماضية صرفت الأنظار عن الاستثمار في السياحة

 

 

الرؤية- أحمد الجهوري

 

 

أجمع خبراء ومختصون أنّ استفادة الاقتصاد الوطني من القطاع السياحي تكاد تكون معدومة، مبررين ذلك بالنقص الحاد في المرافق والخدمات السياحية وعدم كفاءة النظام الضريبي والتحفظ المجتمعي إزاء السياحة الوافدة، فضلا عن ضعف خطط الترويج السياحي في الخارج.

وقالوا إنّ القطاع في أمس الحاجة إلى إدارة ناجحة وتضافر جهود القطاعين الحكومي والخاص، والنهوض بأداء المرافق والخدمات، والتعجيل بتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسياحة، وزيادة معدل إسهام القطاع في الناتج المحلي للبلاد.

وأوضحوا أنه على الرغم من كل ما تتمتع به السلطنة من عناصر جذب سياحي قادرة على الارتقاء بها لصدارة المقاصد السياحية عالميا، إلا أنّ نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي خلال العام تتراوح بين 2.6% و2.8% فقط، وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بالمقوّمات السياحيّة التي تزخر بها البلاد. وأشاروا إلى أنّ استراتيجيّة السياحة التي طال انتظارها ولم يتم تطبيقها حتى الآن، ربما لن تحقق الدفعة القويّة للقطاع، لتحقيق المأمول منه.

وطالب الخبراء بضرورة توظيف المقوّمات السياحيّة بالسلطنة في ظل انهيار أسعار النفط وتأثير ذلك على الإيرادات الحكومية، إذ أنّ القطاع السياحي من أهم القطاعات الحيويّة المنعشة لأي اقتصاد حول العالم، وهو بمثابة البديل الرئيسي لتخفيف العجز في الموازنة العامة، لكن شريطة توظيفه بالشكل الصحيح.

وتابعوا أن من أسباب تأخر بعض المشاريع السياحية وجود أملاك للمواطنين في الأماكن المزمع تطويرها، ومثال ذلك مشروع عين الثوارة ومتنزه شاطئ السوادي المتأثر بإحرامات المدينة الزرقاء، علاوة على أنّ المواقع السياحية مثل الأودية وغيرها غير قادرة على استقطاب المستثمرين، بدعوى عدم الجدوى الاقتصادية، إذ تمثل هذه المواقع مقاصد موسمية وليست مستدامة- على حد قولهم-.

 

 

 

وقال المحلل المالي مصطفى سلمان الرئيس التنفيذي للشركة المتَّحدة للأوراق المالية إنّ السلطنة تزخر بمميزات عدة، يمكن أن تجعل منها وجهة سياحية مفضلة للعديد من السياح، وهناك دول تواجه أعباء أكبر في الجذب السياحي، لكن هذا القطاع يمثل مصدر دخل رئيس لها، مثل مصر التي تعتمد على السياحة بشكل رئيسي في توفير العملة الصعبة (الدولار)، وتجني مئات المليارات من الجنيهات بفضل الإنفاق السياحي، وهو ما يعظم الناتج المحلي. وبيّن أنّ الإنفاق السياحي يساعد على زيادة إيرادات الفنادق وتكاليف الإقامة ورسوم المنشآت الخدمية، وشراء السلع والبضائع من السوق المحلية، علاوة على تنشيط السياح للصناعات التقليدية التي تشتهر بها كل ولاية، مثل الكميم والخناجر والحلي المحلية والحلوى العمانية. وتابع سلمان أنّ النمو السياحي يزيد من عائدات النقل، لاسيما الطيران والنقل البحري، مثل الرحلات البحرية، لافتا إلى أنّ موقع السلطنة وطبيعتها الجغرافيّة يمكن أن يساعد على زيادة أعداد السياح بنسبة 20% خلال السنوات المقبلة. ودعا سلمان إلى ضرورة الاستفادة من الاستثمارات السياحية، لاسيما وأنّ السلطنة على سبيل المثال تمتلك شواطئ لا مثيل لها في المنطقة، سواء من حيث امتدادها من شمال البلاد إلى جنوبها، أو في تنوعها وثرائها، لكنه حث على ضرورة توفير الخدمات السياحية على هذه الشواطئ، حتى تكون وجهة مثلى للكثير من السياح، الذين يأتون إلى السلطنة للتمتع بشمسها الدافئة في فصل الشتاء، وما توفره من متعة واسترخاء.

 

تغيير الأنماط

 

وأشار سلمان إلى تأخر استفادة السلطنة من عائدات القطاع السياحي، وقال إنّ جزءا كبيرًا من هذه المشكلة يعود إلى طبيعة المجتمع المحلي، الذي ربما يرفض في كثير من الأحيان تواجد الأجانب على الشواطئ قادمين بثقافاتهم، وأيضا ربما تكون هناك معوقات من قبل الحكومة، التي لم تطرح المزيد من الشواطئ للاستغلال السياحي. وأوضح أن المجتمع المحلي لا يبدو مستعدًا لتغير نمط الحياة فيما يتعلق بقدوم السياح، وتوافدهم، لذلك يتعيّن مراجعة الخطط الإعلامية والتوعوية المتعلقة بهذه الشؤون.

وفيما يتعلق بالإستراتيجة التي تعمل عليها وزراة السياحة، قال سلمان إنّ من الممكن البدء في توفير تسهيلات في منافذ الدخول البرية والجويّة، وتطوير البرامج السياحية وزيادة التنسيق مع مقدمي الخدمات حول العالم، واقترح وضع حزم سياحيّة متكاملة بأسعار تشجيعيّة تنافس في السوق العالمي، كما أنّه يمكن الاتفاق مع دول الجوار على تنظيم رحلات إقليميّة، تكون السلطنة جزءًا منها، كأن تكون تأشيرة الدخول لأي دولة خليجية- على سبيل المثال- متاحة للاستخدام في باقي دول المجلس، على غرار تأشيرة "شنجن" الأوروبية، وهو ما يدعم مسيرة التكامل الخليجي.

وتابع أنّ المشاريع السياحيّة تواجه تعقيدات إدارية متعددة، كما أن عدم استقرار التدفق السياحي يمثل عبئا على استقرار هذه العوائد، مما ينجم عنه ارتفاع أسعار الخدمات السياحية، وبالتالي تراجع تنافسيّتها. وبيّن أنّ السلطنة تملك العديد من المقومات السياحيّة الجليّة للجميع، إذ أنّ الطبيعة المتميّزة والشواطئ الجميلة وتباين الظروف المناخية من صلالة للجبل الأخضر إلى شواطئ مسقط ومرورًا بالشرقية، وكل ذلك يمنح السلطنة ميزة استثنائية تحقق الانتعاش السياحي طوال فترات السنة، وبالتالي يمكن تعزيز فعالية القطاع السياحي على مدار العام. وزاد أنّ هناك العديد من الأنشطة الرياضيّة التي يمكن أن تكون محل جذب على مدى العام، منها المغامرات الجبلية والغطس واستكشاف الكهوف وخوض رمال الصحراء، والعديد من الأنشطة التي تعتبر من المميزات غير المتوافرة في أي بلد آخر، لكن ينقصنا الترويج والتسويق.

وأوضح أنّ القطاع السياحي يحتاج إلى الكثير من الخطوات، فهناك نقص حاد بالمرافق من فنادق ومنتجعات ومرافق مساندة من مقاهٍ عالية الجودة ومطاعم على الطرق السياحية، مشيرًا إلى أهميّة دور القطاع الخاص في هذا الجانب، الذي لم يأخذ زمام المبادرة حتى الآن، ويقوم بما يتعيّن عليه فعله لرفد القطاع السياحي بمزيد من الموارد والخدمات، ما يساعد على إيجاد مناخ سياحي جاذب ليس فقط للسائح الأجنبي، بل أيضًا للمواطن والمقيم داخل الدولة. وأشار في الوقت نفسه إلى أهمية السياحة الداخليّة، ودورها في تنشيط القطاع، من خلال زيارة المناطق المختلفة باستمرار وخلال الإجازات الأسبوعية والموسمية، لكن ما ينطبق على السياح الخارجيين ينطبق أيضا على أهل البلد، فهم بحاجة لخدمات مساندة لإثراء التجربة.

وأشار إلى أنّ هذا القرار يحتاج من المجتمع تقبل الفكرة، مشيرا إلى أنه في حالة تجاوز التحديات المجتمعية ستكون السلطنة قادرة على مضاعفة أعداد السياح في فترة وجيزة، وكذلك إدخال بعض التعديلات في الإجراءات وتنمية وتطوير بعض المرافق والتعاون مع عدد من مؤسسات التسويق العالمية.

وشدد سلمان على أهمية القطاع السياحي في إيجاد فرص عمل للمواطنين، داعيا إلى ضرورة اتخاذ قرار استراتيجي يساعد في تطوير القطاع والنهوض به، بما يعود بالنفع على المجتمع والاقتصاد.

 

الأزمة الاقتصادية

 

وقال الشيخ علي البادي عضو مجلس الشورى سابقا إن الاستثمارات في القطاع السياحي قادرة على زيادة عائدات السلطنة وتعزيز موارد الدخل، خاصة في ظل التراجع الحاد لأسعار النفط، لكنّه أشار إلى ضرورة تقديم التسهيلات والتراخيص لتنفيذ مشروعات في هذا القطاع، وتحفيز شركات ومؤسسات القطاع الخاص على ضخ الاستثمارات، شريطة أن يتم ذلك بصورة تكامليّة ومخططة. وأوضح أنّ من أسباب تأخر استفادة السلطنة من القطاع السياحي في زيادة مصادر الدخل، هو تأخر إصدار القوانين واللوائح المنظمة لعمل القطاع، وعدم كفاءة تحصيل الرسوم والضرائب المقررة، وكذلك ضآلة نسبتها، مقارنة مع ما تقدمه الدولة الأخرى من تسهيلات ومن امتيازات للقطاع السياحي، كما أنّ مسألة احتكار المنشآت الفندقية والسياحية والتي يملك غالبيتها عدد محدود جدًا من الأفراد والمؤسسات والشركات.

وأضاف أنّ من بين الأسباب الأخرى ارتفاع أسعار الخدمات المقدمة في القطاع، والتي تسببت في عدم جاذبية السياحة في عمان للسائحين، كما أنّ السياسات الحكومية تحتاج إلى مزيد من التعديلات لتحقيق نمو القطاع على النحو المأمول، فضلا عن ضعف التخطيط السياحي، وعدم اكتمال منظومة الخدمات والبنى الأساسية للسياحة.

وأوضح أنّ الكثيرين يأملون أن تحقق الإستراتيجة السياحية المرتقبة الكثير من التطلعات، لاسيما فيما يتعلق برفد الاقتصاد الوطني وتوفير مصدر دخل إضافي، لكنه أشار إلى أنّ ذلك لن يتحقق إلا بتضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص على السواء. ولفت إلى ما يواجهه القطاع من تحديات والمعوقات التي تحول دون اكتمال المشروعات السياحية، ومن أبرزها الإدارة الفعالة للقطاع، والتسويق الناجح، وتكامل الخدمات.

وشدد على أنّ السلطنة تملك العديد من مقومات الجذب السياحي وفي مقدمتها التنوع التضاريسي والمناخي الفريد والحياة الفطرية المتنوعة، والموروثات المادية والثقافية الرائعة، والشواطئ الخلابة والأهم من كل ذلك طيبة وخلق ورحابة المجتمع العماني وتسامحه وكرم ضيافته، فضلا عن نعمة الأمن والأمان التي حبا الله بها السلطنة. وتابع أنّ القطاع السياحي يحتاج إلى استكمال البنى الأساسيّة الداعمة له من طرق ومطارات وموانئ وسكك الحديد، علاوة على توفير منشآت فندقية تستهدف متوسطي الدخل وما دون، فضلا عن الارتقاء بجودة الخدمات الفندقية وتنافسية الأسعار، والتركيز على السياحة التراثية والطبيعية.

وأضاف أنّ السياحة الداخلية تمثل كذلك موردا مهما وحيويا من موارد السياحة، لذلك لابد من خلق وإيجاد عناصر جذب سياحي تستهدف السياحة المحلية من خلال الاستفادة من بعض التجارب الإقليمية في هذا المجال. وأوضح أنّ النسبة المستهدفة لقطاع السياحة التي أشار إليها معالي وزير السياحة عند 5% من الناتج المحلي "متواضعة جدا"، وضئيلة ولا ترتقي مطلقا لمقومات الجذب السياحي التي تملكها السلطنة، ولا تتماشى مع المأمول من هذا القطاع.

 

تعاون الجميع

 

وقال الاقتصادي الدكتور سعود عبدالكريم سنجور إن القطاع السياحي واحد من أهم القطاعات التي يعول عليها للمساهمة في الدخل، وذلك لأهميته في الناتج المحلي لأي دولة، ولذلك ينبغي تفعيل القطاع من خلال تعاون عدة جهات خدمية حكومية من ناحية وتعاون المواطنين بالإسهام في تطوير هذا القطاع. وأضاف أنّ السياحة ليست آلة تعمل ذاتيًا، بل يجب أن نعمل بها ونعمل من خلالها بما يخدم القطاع، مشيرًا إلى أنّه يجب على وزارة السياحة التعاون مع مختلف مؤسسات الدولة، وأن تخلق منظومة خاصة بالفنادق، بما يضمن تعزيز تنافسية الفنادق، إضافة إلى الالتزام بجودة الخدمة. وحث سنجور المواطنين والمقيمين من مستخدمي الشواطئ على المحافظة عليها بما يضمن لها استدامتها.

ويرى سنجور أنّ من أسباب تأخر نمو القطاع السياحي، أنّ بعض القائمين على السياحة لم يدركوا أهميّة القطاع، وكيفية الاستفادة منه، ما يستدعي إعادة النظر في هذا الأمر، وتجاوز الإجراءات البيروقراطية، وإشكاليّة منح الأراضي السياحية، التي يجب أن تتم وفق آليات شفافة. واقترح أن يتم سحب الأراضي التي لم تستغل سياحيًا حتى الآن، لتجنب عمليات المضاربة على هذه القطع.

وبيّن أنّ الخدمات السياحية تحتاج إلى مزيد من التطوير والتأهيل، فعلى سبيل المثال لا يوجد مطاعم أو حتى دورات مياه في سد وادي ضيقة، في كافة المواقع، رغم أنّ الآلاف من السواح يرتادون هذا الموقع، وكذلك الحال في كثير من المواقع السياحية.

وأضاف أنّه من أولى التحديات أن يتم منح أراضٍ سياحية لمن هم قادرون على تطوير السياحة والنهوض بها، فضلا عن اتخاذ المؤسسات الحكومية المعنية الإجراءات الكفيلة بتذليل المعوقات، ويوفر فرص العمل للشباب العماني. ومضى قائلا إن الأسعار الخيالية في الفنادق وتأجير السيّارات وسيارات الأجرة (التاكسي) يضرون بالقطاع، إذ يتسبب ذلك في طرد وليس جذب السياح، إذ أنّ السائح يبحث دائمًا عن الوجهة الأقل تكلفة.

وأوضح أنّه يتعين الاستفادة من استدامة القطاع السياحي على مدار العام، حيث تمتلك السلطنة تنوعًا مناخيًا يسمح بمواسم سياحية متنوعة حسب كل ولاية أو محافظة، وليس فقط موسم واحد، وذلك بفضل ما تملكه البلاد من مقومات مميزة تعكس التنوع البيئي والمناخي. وضرب سنجور مثالا بسياحة الآثار، حيث يمكن تفعيلها من خلال تنظيم رحلات دورية إلى القلاع والحصون، وكذلك السياحة الطبيعية التي تشمل الأودية وبساتين النخيل والطرقات التي تمر بين هذه، وهو ما يوفر للسائح العديد من الخيارات، لكن يبقى التحدي الأكبر في توفير الخدمات والمرافق اللازمة.

ويرى سنجور أنّ السياحة في السلطنة تحتاج إلى مزيد من الاهتمام، والتسويق الصحيح القائم على المعرفة، وتوفير الخدمات والمرافق التي يحتاجها السائح، وزيادة الغرف الفندقية، مشيرًا إلى أنه يجب معاملة العماني بسعر خاص في الفنادق لتشجيع السياحة الداخلية، وذلك من خلال تقديم عروض وحزم خاصة للمواطنين.

كما حثّ على ضرورة زيادة التوعية بالقطاع السياحي ودوره في نمو الاقتصاد، والتشديد على أهميّة المحافظة على المرافق المختلفة والعمل على حمايتها من الأضرار.

وتابع أنّ مساهمة القطاع السياحي في توفير فرص عمل لا تزال دون المستوى المأمول، وهو ما يتطلب إعادة النظر في السياسات المنظمة للقطاع فيما يتعلق بنسب التعمين.

 

المواقع الخلابة

 

وقال الكاتب سعود الحارثي إنّ السلطنة قادرة على تفعيل قطاع السياحة، وذلك عبر إعداد خطة عاجلة تشترك فيها جميع الجهات ذات العلاقة، بما في ذلك القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، على أنّ تتضمن الخطة ترميم الحارات والأسواق والقلاع القديمة والمواقع السياحية البارزة، وتهيئة الخدمات الضرورية كالتشجير والمظلات والحدائق في الأودية والشواطئ والمواقع ذات الجذب السياحي، وإقامة مدينة ملاهي مزودة بمجمع تجاري وشاليهات ومقاه حديثة في مسقط والجبل الأخضر كمرحلة أولى، علاوة على تنظيم فعاليات ثقافية وترفيهية، والاستفادة من الفلكلور الشعبي، وتنظيم الأسواق المتنقلة في الحارات والأسواق القديمة بعد ترميمها وفي القرى والمناطق السياحية التي تشهد رواجا سياحيا، وضرورة إنشاء المزيد من الفنادق والاستراحات السياحية، والعمل على دراسة أسعارها وتخفيضها، بما يتناسب مع إمكانات السائح ويقدم تنوعًا في الأسعار، مع إعداد حزم تسويقية للترويج السياحي.

وأوضح أنّ من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تأخر تطور القطاع السياحي، مركزية اتخاذ القرارات وتعقيد الإجراءات أمام المبادرات والأفكار والمشاريع، سواء كانت محلية أو أجنبية، وغياب التنسيق بين الجهات المختصة باعتبار أنّ قطاع السياحة تعنى به الكثير من المؤسسات المختصة. وأضاف أنّ من الأسباب الأخرى قلة مشاريع البنية التحتية في القطاع، ونقص مشاريع الحدائق ومواقع الترفيه، وعدم توفير النقل العام بصورة كافية، بجانب الحاجة إلى ترميم الحارات والأسواق والقلاع القديمة.

وتابع: "كثر الحديث مؤخرًا عن استراتيجية وزارة السياحة، لكن في حقيقة الأمر لم تعد مشكلتنا في السلطنة مرتبطة بالاستراتيجيات والخطط والبرامج والدراسات والتوصيات، فهذه كلها متوفرة لكن محفوظة لم يتم توظيفها والاستفادة منها. وبيّن أنّ المشكلة الرئيسية ترتبط بالتنفيذ والانتقال بمحاور وتوصيات هذه الاستراتيجيات من القول إلى العمل. وأشار إلى أنّ عدة جهات تتحدث منذ عقود عن أهمية تنويع مصادر الدخل والاستغناء التدريجي عن النفط المعرض للنضوب وأنهيار أسعاره، والعمل على تطوير القطاعات الواعدة ومنها قطاع السياحة، لكن لا يزال الأمر في طور الحديث وأوراق العمل، دون خطوات حقيقية على الأرض، تضمن تنفيذ التوصيات المتعلقة بتطوير القطاع.

وأشار إلى أنّ من أبرز التحديات التي تواجه القطاع تراجع أسعار النفط، وهو ما سوف يؤثر على المشاريع السياحة الممولة من الحكومة، علاوة على تعقيد الاجراءات الداخلية، وغياب التنسيق بين الجهات، وتناثر وتعدد المواقع والمقومات السياحية على مدى الخارطة العمانية، وما يتطلبه ذلك من جهد توثيقي وتطويري، علاوة على عدم إعداد مرشدين سياحيين مؤهلين للتعامل مع السائح، ويمتلكون التاريخ والثقافة والمعلومات الدقيقة عن المواقع السياحية.

وأكد أنّ السلطنة تمتلك مقومات سياحية متنوعة لا تتوافر للعديد من بلدان العالم، وهي مقومات تاريخية وأثرية وحضارة قديمة، وأودية وصحاري وجبال وشواطئ، كما أنّ الطقس معتدل في عدد من المواقع كصلالة والجبل الأخضر وشواطئ بحر العرب، ومعتدل شتاء في مختلف مناطق السلطنة.

وأوضح أنّ السياحة العمانية تحتاج إلى المزيد من الفنادق والاستراحات، والملاهي والمجمعات التجارية والحدائق وخدمات تجذب السائح، بالإضافة إلى توظيف المواقع السياحية بتنوعها لتطوير السياحة البحرية والصحراوية والبيئية والرياضات الخطرة، وإنشاء شبكة نقل عام بما في ذلك النقل البحري. وفيما يهم السائح المحلي، قال إنّه ينبغي توفير الخدمات التي يبحث عنها المواطن العماني في الخارج ولا يجدها في بلده، وأهمها الملاهي وحدائق الحيوانات والمطاعم والفنادق التي تناسب ومستوى دخله.

ويرى الحارثي أنّ نسبة 5% المتوقعة لمساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي بحلول عام 2020، هي نسبة دون الطموح والمؤمل من هذا القطاع الغني بالموارد، إذا ما قارناها مع مقومات هذا القطاع، وما تحظى به عمان من تنوع سياحي، هذا فضلا عن أنّه أقل مما تضمنته الاستراتيجيات السابقة.

وتابع ألا أحد يجهل أنّ القطاع السياحي قطاع حيوي وقادر على استيعاب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل وأن ينشئ عشرات المشاريع المرتبطة بالشركات الصغيرة والمتوسطة، في حالة توظيفه على النحو الأمثل المدروس، وتمّ توظيف الاستثمارات المختلفة لتطويره وإثرائه، علاوة على الاستفادة من تجارب الدول الرائدة في هذا المجال.

وشدد على أن السياحة في عمان حتى تنتعش وتحقق عوائد مرضية، فإنّها تحتاج إلى خدمات وبنية أساسيّة قوية، ومدة زمنيّة حتى تتمكن من تحقيق أرباح مشجعة ومحفزة للقطاع الخاص للاستثمار فيها، وهو ما يفرض على الحكومة انتهاج سياسات قادرة على توفير بيئة تشجع القطاع الخاص للدخول في استثمارات سياحية، وتوفير مناخ ملائم يقوم على تسهيل الإجراءات والمساهمة في بناء المشاريع السياحية وتعزيز الخدمات وجذب الاستثمار الأجنبي.

وأشار إلى الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وقال إنّه لا يرى أية مؤشرات لوجود شراكة حقيقية بين القطاعين للاستثمار في السياحة، باستثناء بعض المحاولات التي لم تحقق المرجو منها، والبعض الآخر لم ينتقل إلى مرحلة التنفيذ والعمل.

وأشار إلى أنّ القطاع الخاص ورجال الأعمال مطالبون بالقيام بخطوات جادة ومبادرات صادقة للاستثمار في الحقول السياحيّة والمساهمة في دعم الاقتصاد الوطني، وخلق فرص عمل حقيقية للباحثين عن عمل في هذا القطاع. وقال إنّه آن الأوان لأن يُستثمر المال العماني في الداخل وأن ينتقل الاستثمار من القطاعات التقليدية مثل العقار إلى قطاعات أخرى أكثر جرأة كقطاع السياحة، فلا مناص من إسهام رؤوس الأموال العمانية في السياحة.

وأوضح أنّ القطاع الخاص يحتاج إلى التشجيع والدعم وإيجاد البيئة المحفزة والرؤية الواضحة من قبل الحكومة، فضلا عن وضع سياسات أكثر انفتاحًا وأعمق تنسيقًا، والانتقال بالشراكة من مرحلة الأقوال إلى الأفعال من خلال إصدار قوانين وأنظمة جاذبة للاستثمارات الأجنبية، مشيرًا إلى أنّه عند تطبيق هذه العناصر سيكون هناك قطاع خاص واعد قادر على الاستثمار في مختلف القطاعات بما في ذلك القطاع السياحي.

 

إجراءات الاستثمار

 

وقال شبيب المعمري الرئيس التنفيذي لإنجاز عمان إن تفعيل إسهام القطاع السياحي يكمن في الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية والناجمة عن تدهور أسعار النفط، من خلال إقناع القطاع الخاص المحلي والأجنبي بزيادة استثماراته، مع خلق فرص للشركات الصغيرة والمتوسطة، وتسهيل إجراءات الاستثمار وخاصة للأجانب ولصغار المُستثمرين المحليين.

وأوضح المعمري أنّ تأخر الاستفادة من السياحة في تنويع مصادر الدخل، عائد إلى ارتفاع أسعار برميل النفط في أوقات الرخاء الاقتصادي، ما دفع الجميع إلى الارتكان إلى زيادة العائدات النفطية وحدها، وعدم اقتناع القطاع الخاص المحلي بجدوى الاستثمار في السياحة، علاوة على ضعف تقبل المجتمع للوظائف المرتبطة بالسياحة.

وحول توقعات استراتيجية السياحة المرتقبة والتي من المؤمل تطبيقها مطلع العام الجديد، قال المعمري: "متفائل جدا بتطبيق هذه الاستراتيجية وما سينتج عنها؛ حيث إننا في أمس الحاجة لتوجه واضح يربط جميع الجهات الحكومية والخاصة والأكاديميّة والمجتمع فيما يحقق مصلحة الجميع". وأضاف أنّ أبرز التحديات التي تواجه المشروعات السياحية هي الإجراءات البيروقراطية، والتمويل، وغياب الخبرة المتراكمة، لاسيما تلك المرتبطة بصناعة معينة وتتوارث عبر أجيال تمارس نفس العمل.

وأوضح أنّ السلطنة تمتلك المقوّمات السياحية اللازمة مثل التنوع الجغرافي والثقافي والمناخي، مما يشجع استدامة السياحة طوال العام، كما يمكن تفعيل شواطئ السلطنة الممتدة وجبال السلطنة الشاهقة، والصحاري العمانية المنبسطة، وغيرها من المميزات البيئية والحياة الفطرية وغيرها. وقال إنّ ما تحتاج إليه السياحة في السلطنة لتساهم في تطويرها والتوسّع من جذب السواح، هو التقبل المجتمعي لفكرة "السياحة كأسلوب حياة".

ولا يرى المعمري أنّ الوضع القائم يشير إلى جاهزية البلد لاستقبال مئات الآلاف من السياح، إذ لا تزال السياحة في السلطنة في مراحلها الأولى، لكن الآمال معقودة على الاستراتيجيّة الوطنيّة للسياحة في النهوض بالقطاع.

تعليق عبر الفيس بوك