مؤتمر "التطرف والمجتمع العربي" يوصي بمواجهة دعوات العداء الفكري وتمكين العلماء المعتدلين

في ختام أعماله بالجمعية العمانية للكتاب والأدباء

مسقط - الرُّؤية

أوْصَى مُؤتمر "التطرف الفكري وتأثيره على المجتمع العربي" -الذي اختتمت فعالياته، أمس، بمقر الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء بمرتفعات المطار- بالسعي إلى إيقاف دعوات العداء الفكري والديني وتجريد أصحابها من منابر الدين والسياسة، مع إيجاد الرادع القانوني المجرِّم لهذه الدعوات التي تتنافى مع التعايش الإنساني وقيم الإسلام السمحة، مع تمكين أصوات العلماء والمفكرين المعتدلين والمصلحين، وبناء جسور بينهم وبين الأطياف المجتمعات العربية والإسلامية وغير الإسلامية لنشر رسالة السلام والخير، وصياغة مشروع سلمي جامع وعابر للطوائف والمذاهب والأعراق، والعمل على إعادة بناء المثل العليا للأمة لتكون مرجعية جامعة مشتركة، تُستنبط من العقيدة الإسلامية بعد إجراء مراجعة شاملة للموروث الثقافي وتمحيص التراث الإسلامي، وضرورة الرّجوع إلى القيم المشتركة بين البشر، ومحاولة النّظر إليها من جديد، بعيدا عن الإسقاطات التأريخية والتّفسيريّة المصاحبة لها، وضرورة تفعيل هذه القيم لتحقيق الشّراكة الإنسانية، وعقد مؤتمرات وملتقيات وألوان تواصل أخرى تتناول أهمّ قضايا العصر في العالم العربي والإسلامي، وتعمل على مشاركة مختلف الفرق الفكرية، والتفكير معا لمعالجة القضايا المهمة بهدف خلق شعورا عميق لدى الآخر بأنه شريك في الإصلاح، وتعميم ثقافة النقد الذاتي؛ بهدف اقتلاع روح التعصّب التي تبدو في الأحادية. وتعميم ما يترتب على النقد الذاتي من مشاريع مراجعة حقيقية تضيّق الفرصة أمام المتطرفين، إضافة إلى مراجعة شاملة لمنظومة التفكير الفقهي، ونزع فتيل العنف من مقولاتها، وتفكيكها، والتخلص من حالة الاحتقان الديني-السياسي التي امتدت منذ الخلافة الإسلامية إلى يومنا الحاضر، مع تنفيذ مشاريع فكرية مشتركة بين مختلف تيارات الأمة الإسلامية والعربية في مجال الإنتاج الكتابي وغيره، وإعادة الاعتبار إلى السياق القومي الجامع لمقومات الأمة والنابذ لكل العصبيات والغرائز التفتيتية، وإلى البعد العالمي للسياق القومي الذي هو تحصين له وتمتين لدعائمه وتعميق لأبعاده الإنسانية والرسالية.

وتناول المؤتمر، أمس، 3 محاور؛ الأول: بعنوان "إشكالية العنف في النص الديني"، وقدمه الدكتور خالد سعيد المشرفي، وتناول الدكتور المشرفي في هذا المحور ما تشهده السنوات الأخيرة من تصاعد للعنف غير المسبوق، لاسيما ذلك المشتغل عليه، تحت شعارات دينية وعقائدية، طالت شروره وأضراره كثيرا من عواصم العالم والعالم الإسلامي، مما جعل الإسلام والمسلمين في حرج وتحت ضغط شديد، من أجل تحسين الصورة وإثبات حسن النوايا للعالم، لكن ما إن تهدأ العواصف إلا وتثور مرة أخرى، مما ولد تساؤلات حول مبعث هذا العنف وأسبابه الحقيقية، هل هي سياسية أم اقتصادية أم ثقافية؟ وهنا طرح المشرفي عدة تساؤلات تمثلت فيما يلي: إذا كانت هذه الجماعات تتحدث باسم الإسلام، فإلى أي مدى يتحمل مسؤولية ذلك؟ وهل يتعلق الأمر بجوهر الدين وحقيقته، أم أنه يغذي العنف ويدفع إليه؟ أم أن متعلق العنف هو التدين وتصورات الناس عن الدين؟ ثم إلى متى نظل ندافع عن مظلومية الدين أمام الغرب، ونلقي باللائمة والمسؤولية على مجاميعَ من البشر، مأزومين نفسيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا؟ وهنا يأخذنا المشرفي بقوله إلى مادة "قتل" بكل تصريفاتها وردت في القرآن الكريم 157 مرة، هذا عدا ألفاظ العنف الأخرى، وعدا سيل من الآثار، تتبنى نظرية العنف، وتصور أنه هو الإسلام الحقيقي. كل هذا، كيف يمكن أن يفهمه الغربي؟ وقبل ذلك -وهذا هو الأسوأ- كيف فهمها العربي؟ مشيرا إلى أن المشكلة عندما نتعامل مع النصوص كمواد خام، يتم ابتسارها من سياقاتها الزمانية والمكانية، لتطبق في سياق آخر مختلف تماما، دون أي إعمال للعقل أو محاولة للفهم، وهذا بكل بساطة ما تصنعه جماعات العنف بالإسلام، محاولة تقديمه إلينا كدين ورسالة عالمية، بل وتحاول تقديمه للآخر، على أنه المخلص من كل مساوئ الحضارة الغربية. وفي محوره، تناول الدكتور خالد المشرفي مجموعة النصوص المكونة لعقل وتفكير جماعات العنف، والتي تتردد كثيرا في أدبياتها، طارحا النظرية الفقهية (نظرية التصرفات النبوية)، كمحاولة لإيجاد قراءة مختلفة لكل ذرائع العنف، قادرة على الفرز بين الديني المقدس والسياسي التاريخي.

وقدم الدكتور حيدر حب المحور الثاني بعنوان "أوجه التعصب في المجتمع العربي-العلماني والمذهبي أنموذجا"، وتطرَّق إلى التطرُّف كونه ظاهرة أو حالة غير صحيّة، إنّها حالة تعيق تواصل أبناء المجتمع الواحد، وتحدث التفكّك فيه، وتهدّد السلم الأهلي. مؤكدا أن التطرف اتخذ أوجهاً متعدّدة في عصرنا الحاضر، فمن التطرّف الديني وحالة الأصوليّة المتنامية بين الأديان، إلى التطرّف المذهبي الذي يشعل المنطقة برمّتها، إلى التطرّف السياسي الذي يعيق تواصل الجماعات السياسية ويعزّز من حالة الاستبداد والقمع، إلى التطرّف الفكري الذي يُلغي الآخر ويتعامل معه من موقع النفي والإبعاد، وأشار إلى أن العلاقة بين ما يسمّى بـ (التيار الديني) و(التيار العلمانيّ)، إذا صحّ التعبيران، أحد أوجه تأزّم العلاقات بين الجماعات في العالم العربي والإسلامي، تماماً كما هي العلاقة المأزومة بين العديد من المذاهب والطوائف الإسلاميّة أيضاً، فقد ظهر التطرّف على هذا الصعيد أيضاً، وشهد تنامياً كبيراً في فترةٍ قياسيّة، إلى أن بلغ في العقدين الأخيرين حدّ التصادم في أكثر من موقع وعلى أكثر من صعيد.

وفي ختام الجلسة الثالثة، قدَّم الباحث معن بشور المحور الثالث بعنوان "الفكر العربي بين السياق القومي والتطلع العالمي".. وأشار إلى ظاهرة التطرف الفكري بكل أسبابها العميقة، وتجلياتها المتنوعة، حيث أوضح انها تحتاج إلى تحليل عميق، ودراسات موضوعية، ونقاش واسع، لا ينحصر بالجانب الفكري فقط، بل بالجوانب السياسية والاقتصادية والتربوية والنفسية وذلك لكي يتم التمكن من معالجة جذورها، قبل التعامل مع ظواهرها، بحيث لا يتم الاغراق في مواقف آنية، أو انفعالات لحظوية، لأن في هذا كله ما يعيد إنتاج التطرف ولو بمظاهر مختلفة في الشكل، موحدة في الجوهر، ولكنه عاد ليقول إنَّ تطرف اليوم هو استثمار ناجح، داخليًّا وخارجيًّا، في خلل بنيوي شاب علاقاتنا السياسية والاجتماعية، فعلاقة الحاكم في اعتقاده حسب قوله بالمواطن، شابها الاستبداد، وعلاقة الجماعة بالجماعة أحاط بها الإقصاء والتهميش والاجتثاث، وحتى علاقة الفرد بالفرد باتت في أحيان كثيرة أسيرة التنافر والتناحر واللهاث وراء المصالح الشخصية والنجومية والاستعراضية، مضيفا على أهمية السعي لمعالجة هذه الظاهرة من خلال إعادة الاعتبار إلى السياق القومي الجامع لمقومات الأمة والنابذ لكل العصبيات والغرائز التفتيتية. وأدار الجلسة الكاتب والشاعر عوض اللويهي.

ويُشار إلى أنَّ الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء طرحت من خلال المؤتمر عدة محاور؛ تمثلت في: الفكر الإسلامي والقيم الإنسانية، والتعريف بمصادر الفكر العربي ومعضلاته، وظاهرة العنف في المجتمع العربي، والعلاقة بين البنية الفكرية والبنية الاجتماعية في عمان، والفكر العربي وعلاقته بالمتغير السياسي، وإشكالية العنف في النص الديني، والفكر العربي بين السياق القومي والتطلع العالمي، وأوجه التعصب في المجتمع العربي: العلماني والمذهبي أنموذجا. وهدفت الجمعية من تنظيم المؤتمر إلى ملامسة الوضع الفكري الراهن وما ترتب عليه من أوضاع سياسية واجتماعية سيئة والسعي إلى إصلاح بعض جوانبه من خلال رؤى مفكرين وكتاب متخصصين في الحقل الفكري.

تعليق عبر الفيس بوك