الإرهاب ليس صناعة عربيَّة

عبيدلي العبيدلي

بَعِيْدا عن خلفياته العقائديَّة، ومدارسه الفكريَّة، شكَّل الإرهابُ عَبْر مراحل التاريخ الإنساني المختلفة تهديدًا مباشرًا لاستقرار المجتمعات الإنسانية، وعنصرا مُعيقا لتطورها، وعاملا مساعدا على تمزيق نسيجها الاجتماعي. ولهذا السبب، شكَّل الإرهابُ بأشكاله كافة دافعًا كي يطوِّر الإنسان؛ من خلال: قيمه الذاتية، وقوانينه المؤسساتية، أسلحته الفكرية والتشريعية التي من شأنها تجفيف منابع هذا السلوك الإنساني غير السوي، واجتثاث جذوره.

وعبر هذا التاريخ، تمظهر الإرهاب في هيئات مختلفة، وأخذ سحنات متباينة، لكنها صبت جميعا في نهاية المطاف في أتون موحد هدد -ولا يزال- التعايش السلمي بين المجتمعات، ويفرض قوانينه التي تنفي قبول الآخر، وتشجع على الحوار البناء بين الحضارات، وتنمي مساعي نشر السلام فوق الكون.

ويأتي تشكيل لجنة مكافحة الإرهاب بموجب قرار مجلس الأمن 1373 لسنة 2001 الذي أتُّخذ بالإجماع في 28 سبتمبر 2001، والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الموقعة بالقاهرة في 22 أبريل 1998، كأمثلة ملموسة، من بين عشرات أخرى، تدلل على حرص الإنسان على مكافحة الإرهاب.

وليس هناك ما هو أكثر من دلالة على فشل هذه المحاولات، سوى استمرار الإرهاب، واتساع نطاق عملياته الذي يمارس فيها أنشطته، وتطور الأسلحة الفتاكة التي بحوزته من جانب، ونجاح أساليبه في التغلغل في أجيال مختلفة الأعمار، وشعوب متقاربة في ثقافاتها وخلفياتها الحضارية، من جانب آخر.

وكما نشاهد ونسمع اليوم يحرص الإعلام الدولي المعاصر على غرس فكرة مفادها أن "الإرهاب"، ظاهرة مرتبطة عقائديًّا بالفكر الإسلامي، وعرقيا بالعرب، وتاريخيا بالمرحلة المعاصرة، واقتصاديا بالشعوب الفقيرة. لكن أيا من هذه التهم عار من الصحة.

فمن الناحية التاريخية، وكما يقول المحلل السياسي اللبناني قاسم محمد عثمان "إن تاريخ العمل الإرهابي يعود إلى ثقافة الإنسان بحب السيطرة وزجر الناس وتخويفهم بغية الحصول على مبتغاه بشكل يتعارض مع المفاهيم الاجتماعية الثابتة". ونلمس مثل هذا التوجه في محتوى العديد من مواقع الشبكة العنكبوتية العالمية (الويب)، الذي ترجع بداياته إلى "الإرهاب الذي مارسه الأفراد بعهد الجمهوريات اليونانية والرومانية القديمة... ويرى البعض اغتيال الإمبراطور يوليوس قيصر عام 44 ق.م مثلا من أمثلة الإرهاب ينطبق على اغتيال رئيس دولة في العصر الحديث".

ويورد موقع السفارات الأمريكية (http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2008/06/20080617191306ssissirdile0.4680292.html#axzz3tTFd1FPT) تنامي هذه الظاهرة تاريخيا، حيث يعترف بذلك قائلا: "استمر النشاط الإرهابي عبر نهاية القرون الوسطى وحتى العصر الحديث، وإن يكن على مستوى أقل إلى حد ما. وكان هذه العصر هو عصر الحروب الكبرى، كحرب الثلاثين عاما (1618-1648) والحروب النابليونية (1799-1815). وفي مثل هذه الفترات الزمنية، حين كان يتم قتل وجرح عدد كبير من الناس في ساحات المعارك، لم يكن أحد يعير اهتماماً كبيراً لحادث عنف إرهابي يقع هنا وهناك على نطاق ضيق".

وكانت القرون الثلاثة: القرن السادس عشر، والسابع عشر، حتى الثامن عشر، مرحلة عمَّ العالم فيها -كما تتحدث كتب التاريخ خلالها- موجة عارمة من الإرهاب، عندما راحت، كما تورد بعض المصادر الموثوقة (http://tunisiamagazine.blogspot.com/2015/02/Comment-resister-au-terrorisme.html)، "عصابات خارجة عن القانون ترتكب أعمال القرصنة التي كانت عبارة عن ممارسات نهب واعتقال حيال السفن التجارية، ورغم أنَّ القرصنة كانت تُمارس لابتزاز الأموال أولا، إلا أنها كانت تمارس كذلك لإرغام بعض السلطات على تحقيق مطالب سياسية معينة. وفي بداية القرن التاسع عشر، كانت الولايات المتحدة الأمريكية مرتعا جديدا للإرهاب، فقد نشأت هناك عدة حركات عنصرية هدفها إرهاب الزنوج والملونين بصورة عامة، وتتجسد هذه الحركات في الأنشطة التي كانت تمارسها منظمة "ككلاس كلان" الإرهابية التي أنشأها المزارعون الجنوبيون عام 1856 ضد الحقوق المدنية للزنوج وكان الشنق على الأشجار قانون المنظمة هذه".

ومن الخطأ الفادح عند الحديث عن تاريخ الإرهاب القفز فوق حقبة ازدهاره في القارة الأوروبية، خصوصا في فرنسا إبان الثورة الفرنسية الممتدة بين الأعوام 1789 إلى 1799، حتى وصمها المؤرخون بكونها "فترة الرعب".

وبالنسبة لنا نحن العرب، دون سائر شعوب العالم الأخرى، ليس هناك إرهاب يفوق في أعماله وفي وسائل الانتقام التي يستخدمها، وفي طرق الثأر التي يتباها بها، من ذلك الإرهاب الذي مارسته العصابات الصهيونية، قبل تأسيس الكيان الصهيوني، والذي لا يزال يواصل تطبيقها عبر مؤسسات الدولة التي أقامتها العصابات اليهودية، تجاه الشعب الفلسطيني، والتي كانت تنطلق من سياسة إبادة كاملة لشعب أعزل.

ولعلَّ أحد الأسباب التي تُساهم في فشل مواجهات الإرهاب والقضاء عليه كظاهرة هو عدم وجود تعريف محدد للإرهاب. هذا ما نوهت له دراسة عرض بعض نتائجها الباحث يحيى عبدالمبدي، وكانت نتائج استبيان نُفِّذ في العام 1983، ووردت نتائجه في كتاب أليكس شميد، حول الإرهاب السياسي -شارك فيه "مائة من الدارسين والخبراء في هذا المجال لتحديد مفهوم الإرهاب". وقد جاءت النتائج لتؤكد التفاوت في المفهوم، لكنها في الوقت ذاته أكدت على وجود عناصر مشتركة لدى العينة المختارة للدراسة بشأن الإرهاب، يلخصها عبدالمبدي في النقاط التالية:

1- الإرهاب هو مفهوم مجرد بلا كنه محدد.

2- التعريف المفرد لا يمكن أن يحصى الاستخدامات الممكنة للمصطلح.

3- تشترك العديد من مختلف التعريفات في عناصر مشتركة.

4- معنى الإرهاب ينحصر عادة بين هدف وضحية.

كلُّ ذلك يؤكد أن الإرهاب ليس كما تروِّج له مؤسسات الإعلام الغربية، وتقع ضحية ساذجة لها أجهزة الإعلام العربي، ليس صناعة عربية، بقدر ما هو ظاهرة عالمية، كما أنه ليس حالة مستجدة، بل سلوك إنساني له جذوره التاريخية، وغير مرتبط بدين معين أو ملة بذاتها، فقد مارسته فئات متطرفة شاذة انتمت لمختلف الديانات السماوية وغير السماوية.

تعليق عبر الفيس بوك