قصيدتان نظمتا في مولد جلالة السلطان ضمن كنوز المخطوطات بوزارة التراث

الأولى نظمها قاسم المصري.. والثانية للقاضي عيسى الطيواني

مسقط - حمزة السالمي

ما أروع أن يجد المرء مقصده بعد عناء طويل، وما أروع أن يكون هذا المقصد كنزاً ثمينا يتناسب مع مناسبة غالية على نفوسنا، وهي مرور خمسة وسبعين عاماً على مولد جلالته، وخمسة وأربعين عاما على نهضته المباركة، فقد قُدِّر لي حينما كُنت أقلِّب كنوزَ المخطوطات العمانية بوزارة التراث والثقافة أنْ تقع يداي على مخطوطة تحوي قصائد لشعراء كبار من شعراء القرن العشرين، وحينما كنت أتصفح ثناياها وقع بصري على قصيدتين كُتبتا قبل ما يقرب من خمس وسبعين سنة تهنئة للسلطان سعيد بن تيمور، بمقدم نجله الميمون المبارك السلطان قابوس.

إنَّ لهاتين القصيدتين قيمة تاريخية مفادها التنبؤ القادم بما سيؤول إليه الوطن من حضارة مجيدة على يد هذا الرجل الإنسان الباني الملهم؛ لذا سعيتُ أن أنشرها اليوم وبلادنا عُمان من أقصاها إلى أقصاها تحتفل بقائدها العظيم الذي قاد مسيرة عمان، وبنى لها حضارة فاقت الخيال، وإن ما تحمله هاتان القصيدتان من معانٍ يستشرف بها هذان الشاعران المستقبل ويتنبآن في ذلك الوقت بما سيفعله هذا القائد القادم من قيادته لركب هذه الامة العمانية العظيمة. فهما حكاية خمسة وسبعين عاماً خلت، تحققت نبوءتهما وصدقت فراستهما في هذا المولود المبارك، فهنيئا لعمان هذا القائد الهمام، وهنيئا لشعب عمان ما قادهم له هذا القائد العظيم من تقدم وحضارة، وهنيئا للعرب والمسلمين بل والعالم أجمع بـ"رجل السلام"، الذي حقَّ على العالم أن يحتفل بما يقدمه للبشرية من عطاء، ولا أريد أن أطيل الثناء في شخص جلالته، فإنجازاته لا تستوفيها الكتب وإن طال شرحها، ولكن أريد أن أضع بين يدي القارئ الكريم هاتين القصيدتين ليستمتع بجماليتهما في الفراسة بهذا الرجل العظيم.

- القصيدة الأولى: ناظمها قاسم بن محمد الباروني المصري، وتناولت التهنئة البارونية بمولد سمو عهد المملكة العمانية الأمير قابوس. والمصري هو أديب وشاعر ليبي، ولد وعاش بمصر، كان والده من العلماء الفضلاء الأجلاء انتقل من طرابلس إلى القاهرة وأسس فيها (المطبعة البارونية) ، وقد طبع فيها نفائس الكتب:

تبسَّمَ الروضُ عن وردٍ وريحانِ

يختالُ في حُللٍ من نسجِ هتّانِ

ونمّقَ الطّلُ بالأزهارِ بُردتَهُ

حتى بَدتْ كبساطٍ من خُراسانِ

يزهو بنورٍ بديعِ اللونِ مؤتلقاً

كلؤلؤٍ رَطِبٍ من بحرِ إيرانِ

يطفو على بُسطٍ من سُندسٍ خُضرٍ

كأنّه حَبَبٌ طافٍ بغُدرانِ

مرّت بهِ نَسماتُ الصبحِ عابثةً

بنرجسٍ وشقيقٍ أحمرٍ قانِ

هبّت على مصرَ مِن ظفَّارَ عابقةٌ

كأنّما اختلستْ أنفاسَ سُلطانِ

سلطانَ مسقطَ راعي الحقِ في أممٍ

وناشرَ العدلِ في بيدٍ وبلدانِ

حسامُه العضبُ حامي الدينِ من عطبٍ

وباعثَ الروحِ في أبناءِ قحطانِ

يا درةً لمعتْ في تاجِ سلطنةٍ

قد صانَها الجدُّ في عزٍ وسلطانِ

ووطّدَ العرشَ تيمورٌ خليفتُهُ

على دعائمَ من عدلٍ وإحسانِ

وقام يخطوُ سعيدٌ بالورى صَعداً

إلى مدارجَ إسعادٍ وعرفانِ

أهلاً بمولودِكَ الميمونَ في وطنٍ

لآلِ وهبٍ على تقوى وإيمانِ

يحمي الإباضيةَ السمحاءَ من نَزَقٍ

ومن مفاسدَ في الدنيا وخسرانِ

لاحَ الجبينُ على الأكوانِ فانهمرتْ

سيولُ خيلٍ بأنجادٍ ووديانِ

وافى البشيرُ مليكُ القطرِ منشرحاً

وخلفه الشعبُ في رجلٍ ورُكبانِ

ألقى ببُشرى وليدٍ جلّ بارئُهُ

كفرقدِ البدرِ في الديجورِ فتّانِ

ففي السماءِ هلالٌ شطّ مطلعُهُ

وفي عمانَ هلالٌ مشرقٌ ثاني

يا طاويَ الجوِ من مصرٍ إلى بلدٍ

فيهِ الشقيقُ عزيزٌ بين إخوانِ

وأُسرةٌ من كرامِ الناسِ هاجرةٌ

مِن جَورِ مُعتسفٍ في خيرِ أوطانِ

مُكرّماتٍ ببيتِ الجودِ هانئة

كالأهلِ في ظلِّ رحمانٍ ومعوانِ

بلِّغ مليكَ عمانٍ عِقدَ تهنئةٍ

نظمتُ لُؤلؤَهُ من بحرِ وِجدانِ

واحملْ إليهِ كتاباً من طرابلسٍ

يطوي صحائفَ من حمدٍ وشُكرانِ

وقبِّل المهدَ ترعاهُ ملائكةٌ

كمهدِ عيسى وعينُ الوالد الحاني

وادعُ المهيمن يحمي العمرَ في ظفرٍ

وليّ عهدَ عمانٍ خيرَ ولدانِ

إنَّ الوليدَ رجاءَ القومِ في مصرٍ

وزنجبارَ ونالوتٍ ووهرانِ

- القصيدة الثانية: نظمها الشيخ القاضي عيسى بن صالح بن عامر الطيواني مهنئا جلالة السلطان السيد سعيد بن تيمور بمولد نجله قابوس بظفار. وهو فقيه، وقاضٍ، وشاعر عماني، ولد عام 1306هـ - 1888م، نشأ وترعرع وسط أسرة عريقة عُرفت بالعلم والدين والأدب العربي. عمل قاضياً ثم رئيساً للقضاة بمسقط:

بُشرى فقد أحيا البشيرُ نفوسا

وأدارَ مِن خمرِ السرورِ كُؤوسا

وافى يزفُّ إلى البلادِ بشائراً

والكلُّ أصبحَ بالهنا مأنوسا

ولقد شفى الأحشاءَ مِن برحائها

نبأٌ بمولودٍ دُعي (قابوسا)

مِن يومِ مولدِهِ عُمانٌ أشرقت

وحنادسُ الظلماءِ صِرنَ شمُوسا

فرعٌ تحدَّرَ مِن ذُؤابةِ يعربٍ

فيهِ نؤمِّلُ كلَّ جرحٍ يُؤسى

هو نجلُ أقيالٍ وشبلُ قساورٍ

فاللهُ يكلؤ شخصَهُ المحروسا

فَلَهُ العُلا والمجدُ خيَّسَ والندى

الله يحفظه وذاك الخِيْسَا

إنّا نؤمِّلُ فيهِ كلَّ نجابةٍ

أوليسَ محتدُ عزِّهِ قُدْمُوسا

قرَّت بهِ عينُ المليكِ ولم يزل

في صحةٍ وسلامةٍ مغموسا

يا أيها الملكُ المعظَّمُ مَن لَهُ

تُحدى الرواسمُ يا أبا قابوسا

أنتَ المُملَّكُ بالحسامِ وبالندى

وسديدُ رأيٍ أنت لا بلقيسا

أبشر بشبلِك إنَّه سيكون إن

شاءَ الإلهُ على النفيسِ نفيسا

ويكونُ للإسلامِ أيمنَ قادمٍ

ولشعبِ يعربَ حاكماً ورئيسا

اللهَ نسألَ أنْ يقيهِ مِن الردى

ويقيهِ أيضاً مِن دَهى إبليسا

هذا أبو قابوسَ أسَّسَ مُلكَه

بالعدلِ في هامِ السُهى تأسيسا

إنْ كانَ للنُعمانِ حيرتُه فذا

أهلُ الهدى أهدى نداهُ نُفُوسا

في كلِّ معضلةٍ شفاءٌ رأيُه

ما طُبُ سقراطٍ وجالينوسا

ما حاتمٌ في الجودِ أو أوسٍ إذا

أنصفت شيءٌ عندَه إنْ قِيسا

إن فاهَ خِلتَ الدُرَّ ينثرُ حولَهُ

فكأنَّ في أحشائه القاموسا

إنِّي تركتُ الشِعرَ لكن فضلَهُ

قد هاجَ فيَّ مِن القريضِ رسيسا

فاسلمْ أبا قابوسَ وابشرْ فالعُلا

وقفاً أراها عندَكم محبوسا.

تعليق عبر الفيس بوك