ظاهرة الهندوعربية!

أحمد الرحبي

من أجل إنجاح تواصلنا مع القطاع الكبير من الآسيويين الوافدين إلى مجتمعاتنا الخليجية، وهم أغلبهم من العمال الأميين، ولسواد عيون هذا التواصل، يجري التضحية باللغة العربية بسهولة، فيتم تواصلنا حينها عبر حشر مفردات ترقيعية من هنا وهناك من اللغات لفتح خط اتصال بكلام لا يوجد له سياق أبدًا، فيأتي كيفما اتفق في صياغاته خاليًا من أي بصمة ثقافية.

في الحقيقة يجري هذا التواصل خارج اللغات كلها والثقافات وعلى حسابها، وفي الوقت ذاته يتم توفير عدته اللغوية من كل حدب وصوب أشبه بكوكتيل لغوي، ففي الوقت الذي لا يمكننا إجادة لغة الآخر الآسيوي أو قل لغاته، وهو بالتالي لم تتح الفرصة له للاطلاع على لغتنا وإجادتها، وفي ذات الوقت قد لا يتيسر بالقدر الكافي التوصل إلى لغة ثالثة كاللغة الإنجليزية بطابعها العالمي للطرفين (نحن والآخر الآسيوي)، ليس في المتناول ساعتها سوى ذلك البديل الكارثي الذي يمثله للغتنا ومجتمعاتنا، ألا وهو اللغة المكسرة التي لا هوية ولا سياق حضاريًّا لها، بقدر ما هي ظاهرة لسانية/ اجتماعية استفحلت بمجتمعاتنا مع قدوم المد الجارف من الأيدي العاملة الذين تفيض بهم أرياف شبه القارة الهندية وقراها ونجوعها الفقيرة المتخلفة، مع بدايات الطفرة النفطية التي تعيشها مجتمعاتنا الخليجية، فلقد شكل منذ البداية توالي الهجرات البشرية الآسيوية (وهي هجرات بمعنى الكلمة رغم أنها مؤقتة، لكن آثارها الثقافية والاجتماعية لا تقل خطورة عن تلك الهجرات التي تحقق لها الاستقرار والتوطن في النهاية في مناطق كثيرة من العالم)، ومسألة استيعاب هذه الهجرات عبء كبير على هذه المجتمعات من حيث الآثار الاجتماعية والثقافية الخطيرة التي نتجت عن ذلك الاستيعاب في مجتمعات، شكل وما زال يشكل التكوين الديموغرافي الهزيل فيها نقطة الضعف أمام الهجرات المتلهفة العابرة إليها، لما باتت تشكله هذه المجتمعات من منبع للرزق وكسب للعيش لهم، ومكان يدغدغ أماني وأحلام الغنى والثراء السريع للقادمين إليها.

إن محاولاتنا للتواصل خارج روح اللغة أصبحت تنذر بكارثة لغوية، قد لا نعي مدى أبعادها من الوهلة الأولى على لغتنا، خاصة ونحن نستمرئ سلك الطرق الخلفية غير المسلوكة للكلام فيها، ونستسهلها حين يقتصر دور الكلام في هذه الحال على التوصيل للمعنى للجانب الآخر بأيّ ثمن كان، ولو كان هذا المعنى منقوصًا ومجتزَأً، ويقع خارج سياق اللغة وقوالبها المعتادة بمسافة بعيدة جدًّا، وإذا جئنا نقيسه (الكلام) وفقًا لروح اللغة وفطرتها السليمة، نجده كلامًا ممجوجًا وتافهًا، وهو يشكل إهانة لعبقرية لغة كاللغة العربية، الزاخرة ببيانها الجميل وأدبياتها التي تخلب الألباب.

فعندما ينحط دور اللغة عند أصحابها وتقتصر وظيفتها على مجرد الكلام المجرد المساعد على التوصيل السريع للمعنى لا على المعنى العميق الدلالة الذي لا يمكن مواءمته أو خلطه مع معنى آخر في سياق واحد، مهما كان بينهما من قرب ومن شبه، فحتمًا سيصيب هذه اللغة الذبول والإفقار من عبقريتها، وينتكس بها سوء الحال على ألسن أبنائها إلى أن تصبح مجرد رطانة بائسة، التي هي في النهاية تمثل لسان حالهم الذي ينطق ببؤسهم، طالما أن اللغة كما توصف هي ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى وكائن اجتماعي، ينمو ويتطور ويتأثر إما سلبًا أو إيجابًا بمحيطه الذي يشكل بمثابة الحاضنة له، فاللغات بالدرجة الأولى هي انعكاس حضاري واجتماعي صادق للمستوى الذي يعيش فيه أصحابها في سلم الرقي والتقدم الحضاريين.

تعليق عبر الفيس بوك