لا نقول وداعًا لعبدالكريم الإرياني

علي المعشني

رَحَل عن دنيانا، الأسبوع الماضي، رجل الدولة والسياسي المحنك القدير العربي اليمني د.عبدالكريم الإرياني، في ظروف لا تليق به، وفي أحداث استثنائية جدًّا تمر باليمن والأمة العربية قاطبة.. رحل عبدالكريم الحالم بالانتصارات والمجد في زمن هزيمة كبرى، ورحل عاشقُ اليمن ونديمها في بلاد الغربة والمهجر، فما أتعسها من مفارقات وظروف تقهر الرجال وتزيل الجبال.

بكلِّ يقين لم يكن يحلم عبدالكريم أو يتمنَّى هكذا نهاية ووداع وفراق أبدي، وفي هكذا ظروف، ولكنها مشيئة الله لنا وله، فآمنا وسلمنا الأمر لله من قبل ومن بعد؛ فعبدالكريم مجرد شمعة من شموع العرب في عصر الظلام الدامس أضاءت فوق طاقتها ورحلت بصمت، ودون طقوس أو ضجيج أو مراسم.

وُلد عبد الكريم الإرياني في 20 فبراير 1935 في حصن إريان بمحافظة إب، لعائلة امتهنت القضاء، وهو ابن أخٍ للرئيس الثاني للجمهورية العربية اليمنية القاضي عبدالرحمن الإرياني. حصل على الشهادة الثانوية عام 1958 من مصر، ثم أكمل دراسته الجامعية في الولايات المتحدة؛ فأكمل درجة البكالوريوس في الزراعة في جامعة تكساس، ثم حضَّر الماجستير من جامعة جورجيا، والدكتوراة من جامعة ييل بكونيتيكت عام 1968م.

وتولى على مدى مسيرة حياته العديد من المناصب؛ منها: مدير مشروع زبيد الزراعي (1968-1972)، ورئيس هيئة التخطيط المركزية (1972-1974)، ووزير التنمية ورئيس هيئة التخطيط المركزية (1974-1976)، ووزير التربية والتعليم ورئيس جامعة صنعاء (1976-1978)، ومستشار صندوق الكويت للتنمية الاقتصادية العربية (1978-1980)، ورئيس وزراء الجمهورية العربية اليمنية (1980-1983)، ورئيس المجلس الأعلى لإعادة إعمار مناطق الزلزال الذي ضرب مناطق الجبال الوسطى في اليمن (1983-1984)، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية (1984-1990)، ووزير الخارجية (1990-1993)، ووزير التخطيط (1993-1994)، ونائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية (1994-1997)، وفي يونيو 1995م عُيِّن أمينًا عامًّا لحزب المؤتمر الشعبي العام. وفي مايو 1997 م عقب الانتخابات البرلمانية أعيد تعيينه نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية، وفي 29 أبريل 1998م وبشكل مفاجئ عُيِّن رئيسا للوزراء للجمهورية اليمنية بالوكالة عقب استقالة الدكتور فرج بن غانم، وخدم في هذا المنصب حتى 31 مارس عام 2001م (ويكيبيديا الموسوعة السياسية).

لم يكُن عبدالكريم الإرياني من سُعاة البريد كبعض نظرائه في المناصب، ولم يكن موظفًا بيروقراطيًا كبيرًا بلقب وزير، ولم يكن وزيرًا يقبل أن تُملى عليه سياسات وزارته وخططها رغم علمه وإيمانه بمنظومة الدولة واحترامه للسياسات العامة والمصالح العليا لها.

كان الإرياني رجل دولة بكل المقاييس، ووطنيًّا بداخله وطن بكل أبعاده وتفاصيله ونظرات أبنائه؛ لهذا كان يصنع السياسات وينتزع القرارات والصلاحيات، ويدافع عن قناعاته وأفكاره في دوائر صنع القرار إلى أبعد حدٍّ ومَدَى.

وبهذه الجدارة، تعدَّى الأرياني جغرافية اليمن بمراحل إلى دوائر إقليمية ودولية أوسع، فأصبح هو اليمن واليمن هو.

كان عبدالكريم الإرياني الرجل الضرورة في كل مراحل تاريخ اليمن الحديث، ورجل الإجماع والتوافق بين أطياف اليمنيين، ورجال الضرورة في الدول لا يُحاسبهم الناس بل التاريخ فقط هو المخوَّل بتقييمهم وحسابهم ومحاكمتهم؛ لأنهم منه وهو منهم، يصنعون التاريخ ويتصدرون الأحداث على الدوام.

لهذا؛ فمن المجحف بحق قامة من وزن عبدالكريم الإرياني الرثاء؛ فالرثاء للأموات فقط، أما المغادرون والراحلون عنا فسيعودون ذات يوم، وخلال زمن ترقبنا لهم سنعيش على مآثرهم وصيتهم وأعمالهم وسيرهم الحسنة.

غادرنا عبدالكريم الإرياني ولسان حاله يردد قول الشاعر أبوفراس الحمداني:

يقولونَ لي: بِعْتَ السَّلامَةَ بالرَّدى

فقُلْتُ: أما واللهِ، ما نالني خُسْرُ

وهلْ يَتَجافى عَنّيَ المَوْتُ ساعَةً

إذا ما تَجافى عَنّيَ الأسْرُ والضُّرُّ؟

هو المَوتُ، فاخْتَرْ ما عَلا لكَ ذِكْرُهُ

فلم يَمُتِ الإنسانُ ما حَيِيَ الذِّكْرُ

ولا خَيْرَ في دَفْعِ الرَّدى بِمَذَلَّةٍ

كما رَدَّها، يوماً، بِسَوْءَتِهِ عَمْرُو

يَمُنُّونَ أن خَلُّوا ثِيابي، وإنّما

عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِمُ حُمْرُ

وقائِمُ سَيْفٍ فيهِمُ انْدَقَّ نَصْلُهُ،

وأعْقابُ رُمْحٍ فيهُمُ حُطِّمَ الصَّدْرُ

سَيَذْكُرُني قومي إذا جَدَّ جِدُّهُمْ،

وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يُفْتَقَدُ البَدْرُ

فإنْ عِشْتُ فالطِّعْنُ الذي يَعْرِفونَهُ

وتِلْكَ القَنا والبيضُ والضُّمَّرُ الشُّقْرُ

وإنْ مُتُّ فالإنْسانُ لابُدَّ مَيِّتٌ

وإنْ طالَتِ الأيامُ، وانْفَسَحَ العُمْرُ

--------------------------------

قبل اللقاء: "اذكروا محاسن أحيائكم"... وبالشكر تدوم النعم!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك