شهب الأسديات تزين سماء السلطنة وتُشارك العمانيين الاحتفال بالعيد الوطني المجيد

د. صبيح بن رحمن الساعدي

تشهد سماء السلطنة في هذه الأيام المباركة بالتزامن مع الاحتفال بالعيد الوطني الخامس والأربعين زخات من الشهب تعرف باسم «الأسديات»، وهي من أشهر زخات الشهب وأكثرها لمعاناً وبياضاً وسريعة جداً تتجاوز سرعتها 71 كيلومتراً بالثانية ومصدرها مذنب تمبل - تتل (55P/Tempel-Tuttle) الذي يتم دورته حول الشمس كل 33 عاماً والذي تم اكتشافه عام (1833م) ، وتم تسجيل عدد من العواصف النيزكية للأسديات في الأعوام 1833، 1866، 1966 ،1999.

ويذكر أنه في عام 1999 كان المشهد مثيرا للغاية حيث هطلت وقت الذروة عاصفة شُهبية تجاوز فيها عدد الشهب أكثر من 1000 شهاب في الساعة الواحدة حيث كانت الرؤية رائعة من معظم أرجاء الأرض وكأن السماء تطلق ألعاباً نارية. ونتوقع بإذن الله العاصفة النيزكية القادمة للأسديات ستكون في عام 2030 عندما يزور المذنب (تمبل - تتل) الشمس في دورته القادمة.

وتبدأ شهب الأسديات بالظهور في كل عام خلال الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر، إلا أنّ هناك مدة زمنية قصيرة خلال هذه الفترة يزداد فيها عدد الشهب بشكل كبير وهذه الفترة تسمى بالذروة والتي يصل فيها عدد الشُهب المتساقطة هذا العام حوالي 15 شهاباً في الساعة والذروة ستكون إن شاء الله صباح يوم العيد الوطني الخامس والأربعين.

وزخات الشُهب بشكل عام عبارة عن حبيبات ترابية لا يتجاوز حجمها حجم حبة الرمل تدخل الغلاف الجوي الأرضي، فتحترق وتتحول إلى رماد نتيجة لاحتكاكها بجزيئات الغلاف الجوي الأرضي وتبقى عالقة في الغلاف الجوي الأرضي لفترة طويلة.

وتنقسم الشهب إلى نوعين، النوع الأول هو الشهب "الفرادى" وهي الشهب التي يمكن رؤيتها في أي وقت واتجاه، ولا يمكن التنبؤ بموعد أو مكان ظهورها، وهي تلك الشهب التي نشاهدها مساء كل يوم في حدود شهاب أو شهابين على الأكثر في الساعة، وأغلبها تخلف نيازك بعد احتراقها في الغلاف الجوي.

والنوع الثاني هو "زخات الشهب"، التي تنتج عن اقتراب المذنبات من الشمس، حيث يذوب الجليد المخلوط بالأتربة، مما يسبب وابلاً من الجسيمات تبقى سابحة في مدار المذنب، فعندما تمر الأرض خلال دورانها حول الشمس بتلك المخلفات العالقة في السماء، قسم منها يدخل الغلاف الجوي الأرضي بسرعة تصل إلى ربع مليون كيلومتر بالساعة مما يسبب دخولها الغلاف الجوي حدوث احتكاك مصحوب ببريق ناري مع جزئيات الهواء مكوناً زخات الشهب وهو ما يحدث كل عام في نفس الموعد تقريباً.

وتحدث زخات الشهب في أوقات معينة من السنة، وتظهر خلالها مجموعات من الشهب تتعدى المئات أو الآلاف في الساعة الواحدة، بينما يكون الظهور المعتاد للشهب التي نشاهدها مساء كل يوم في حدود شهاب أو شهابين على الأكثر في الساعة، وأغلبها تخلف نيازك بعد احتراقها في الغلاف الجوي. إنّ حجم الجسيمات المكونة لزخات الشهب صغيرة جداً فعند احتراقها تخلف رمادا يبقى عالقاً في الغلاف الجوي شهورًا وهي بذلك تختلف عن تلك الجسيمات الفضائية التي تخلف بعد احتراقها النيازك التي تصل لسطح الأرض حيث إن حجم تلك الجسيمات يصل في بعض الأحيان إلى حجم بناية تتكون من عشرين طابقاً أو أكثر.

وتكون الشهب المتساقطة كأنها نجوم ساقطة تجر خلفها ذيلا متوهجاً يصل طوله بضعة سنتمترات وغالبا ما نشاهد البريق الناري على ارتفاع 100 كيلومتر فوق سطح الأرض. وكما هو معلوم فإنّ الشهاب هو البريق الناري الناتج من احتراق جسيم سماوي سابح في الفضاء الخارجي يدخل الغلاف الجوي الأرضي بسرعة تتراوح ما بين 12 إلى 72 كيلومتراً بالثانية اعتمادا على اتجاه دخول الجسيم بالنسبة لحركة دوران الأرض ونتيجة لسرعتها العالية والاحتكاك الحاصل ما بينه وبين جزيئات الهواء فإنّ الغلاف الخارجي لذلك الجسيم يحترق مسببًا البريق الناري والذي نسميه شهاباً.

كما أنّ غالبية زخات الشهب هي من مخلفات المذنبات، والمذنبات هي أجرام سماوية تدور حول الشمس على شكل قطع ناقص وتأخذ حركتها المدارية أبعادًا متفاوتة تختلف عن بعضها البعض فمنها يعود لزيارة الشمس كل عام ومنها يستغرق مئات الأعوام ومنها آلاف الأعوام ومن أشهرها مذنب هالي الذي يزور الشمس كل 76 سنة تقريبا، ومذنب سويفت - تتل يزور الشمس كل 130 سنة، ومذنب تمبل - تتل الذي يتم دورته حول الشمس كل 33 عامًا.

والمذنبات هي أجسام جليدية بعضها يمثل جزءًا من مجموعتنا الشمسية ولها حركتها المدارية حول الشمس وتأخذ حركتها المدارية هذه أبعادا متفاوتة وبعضها يتداخل في مدارات الكواكب ككوكب زحل والبعض الآخر يذهب بمداره إلى أبعد من ذلك، فعندما يكون المذنب بعيدا عن الشمس يكون صغيرا وغير مرئي لا يتجاوز قطر غالبيتها عشرة كيلومترات وعلى شكل كرات جليدية صخرية، وعند اقترابه من الشمس واصطدامه بالريح الشمسية يبدأ عندها بالتحول من الشكل الكروي إلى شكل آخر مكون من رأس عبارة عن نواة للمذنب يحيط بها هالة وهاجة ويظهر له ذنب أو اثنان ودائماً يكون ذيله بالاتجاه المعاكس للشمس وكلما اقترب من الشمس زاد طول ذنبه ويقال بلغ ذنب مذنب هالي عام 1910 حوالي 10 ملايين كيلومتر.

وتسمى عادة زخات الشهب باسم المجموعة النجمية التي تظهر وكأن تلك الشهب قادمة منها باتجاه الأرض فشهب البرشاويات سميت بهذا الاسم كونها قادمة من اتجاه المجموعة النجمية برشاوس والجباريات نسبة لكوكبة الجبار وزخات شهب القيثارة نسبة إلى مجموعة نجوم القيثارة والدلويات نسبة لبرج الدلو والتوأميات نسبة لبرج الجوزاء (التوأمان) وشهب الأسديات نسبة لمجموعة برج الأسد النجمية وهكذا.

كما أنّ أفضل وقت لرصد شهب الأسديات، ومعظم زخات الشهب الأخرى هو عندما تكون السماء حالكة بالظلام وكذلك عندما تكون في مكان بعيدا عن التلوث الضوئي ومراكز المدن إذ إن إضاءة المدن تخفي معظم الشهب، وتعتبر السيح والصحاري من الأماكن المثالية لرصد مثل هذه الظواهر الفلكية.

وللراغبين في مشاهدة هذه الشهب عليهم النظر فوق الأفق الشمالي الشرقي لسماء السلطنة بقليل وما حولها بعد الساعة الثانية عشرة والنصف ليلاً ولغاية بزوغ الفجر ومع مرور الساعات فإن المجموعة النجمية لكوكبة الأسد ترتفع حوالي 12 درجة كل ساعة مبتعدة عن الأفق الشمالي الشرقي باتجاه كبد السماء (سمك الأصبع يساوي درجتين بينما يبلغ طول فتر اليد 15 درجة وشبر اليد وهي ممدودة إلى أقصاها باتجاه السماء عشرين درجة) لذا على الراصد ملاحظة ذلك أثناء قيامه برصد تلك الزخات،علماً بأنّ القمر لن يكون متواجداً في تلك الليلة حيث يغرب القمر قبل شروق كوكبة برج الأسد مما سيضفي لمسات رائعة على جو رصد وتصوير الشهب وكذلك احتمال رصد أعداد كبيرة من الشهب.

· دكتوراه بعلوم الفضاء والفلك

srjas2020@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك