"بيت القفل".. شاهد معماري شاهد على إبداع العماني في التكيف مع الطبيعة الوعرة بمسندم

تصميم فريد يتميز بالسرية في غلقه وفتحه

 

خصب - العمانية

 

تشتهر محافظة مسندم بطبيعتها الوعرة وجبالها الشاهقة، وهو ما ساعد الإنسان العماني منذ القدم على الإبداع في نمط حياته ومعيشته، وأن يتكيف مع البيئة المحيطة به، فاهتم بأساسيات حياته، وكان أولها توفير المسكن المناسب فأبدع في ذلك وشيده في بيئة صعبة ذات وعورة وإنحدارات وأودية عميقة، إذ كان يجد صعوبة في إيجاد المواد اللازمة بالطرق السهلة والميسرة.

ويتميز بيت الإنسان العماني بمحافظة مسندم وتحديداً المناطق الجبلية، بعمارة فريدة من نوعها في البناء والتصميم، وسمي بـ"بيت القفل"؛ وهو من البيوت الأثرية القديمة بالمحافظة، ويتناسب بناؤها مع ظروفهم ومعيشتهم واحتياجاتهم، كما تظهر فيه البراعة والتميز واختيار المواد المناسبة والمواقع الآمنة في الارتفاعات تجنباً لمخاطر السيول والأودية ومناطق الانهيارات الصخرية.

وفي وقتنا الحاضر يمثل بيت القفل أثرا معماريا قائما وشاهدا على نفسه ويوجد حاليا بالقرى المتناثرة في جبال المحافظة وبأعداد متفاوتة بين قرية وأخرى وأكثر تلك البيوت مجتمعة في رأس الجيب بقرية الرحيبة بولاية خصب، كما أنّ بيت القفل فرض نفسه ضمن المعالم السياحية البارزة بالمحافظة وتم بناء نموذج منه في حصن خصب ليتعرف عليه السائح والزائر عن قرب. ويعتبر بيت القفل لسكان جبال مسندم في القدم ملجأ ومأوى لهم ولأسرهم ومخزناً لطعامهم وأمتعتهم يسكنون فيه في فصل الشتاء ويحفظون فيه أطعمتهم كالتمور والحبوب وغيرها في أوانٍ فخارية كبيرة تسمى بـ"الخرس" وممتلكاتهم الأخرى عند هجرتهم إلى المناطق الساحلية في فصل الصيف. وتوضع هذه الجرار خلال المراحل الأولى من البناء كونها أكبر حجماً من مدخل الباب، مما يجعلها من غير الممكن نقلها خارج البيت بعد الانتهاء من البناء. ويمتاز بيت القفل بتصميمه في البناء ومتانته ومكوناته، فكان ملاذاً آمناً ومناسباً في ظل الظروف الطبيعية والجغرافية الوعرة وعوامل الطقس المتغيرة. ويتكون بيت القفل من غرفة واحدة غالبا تكون على شكل مستطيل وبقياسات مختلفة مبنية من الصخر المتوفر بالموقع، ويكون الصخر الأحمر هو السائد في بنائه المسمى محليا (الصفاة)، وفي بداية عملية البناء يتم حفر حفرة بالأرض على قياس الغرفة المراد تشييدها وبعمق لا يقل عن متر واحد أو بالتجويفات الصخرية والكهوف. وتوصد بالصخر ويغطى بطبقة من الطين المسمى محليا (التبار) من الداخل وعند وصول الجدار بمستوى سطح الأرض تتم زيادة سمك الجدار باتجاه الخارج ويصل سمك جدار واجهة البيت إلى أكثر من متر ونصف، أما الجهات الثلاث الأخرى فيصل سمك الجدار بين متر ونصف المتر ويرتفع الجدار عن سطح الأرض بمتوسط متر ونصف.

وترتب الصخور على شكل طبقات متساوية ويتفاوت حجم الصخور بقطرها بين 0,5 متر إلى 1,5 متر في بعض الأحيان، ويتم عمل فتحات صغيرة للتهوية وفتحة للباب بقياس متوسط 1متر في 1,5 متر ويكون الباب من خشب السدر بسمك يصل الى 15 سم مع تثبيت طوق أو أكثر من الحديد لتزداد متانته وقوته وتأمينه . أما بالنسبة للسقف فيتم استخدام جذوع شجر السدر او السمر وتوضع فوقه صفائح من الصخور وتمتد أطرافها خارج حدود الجدار تسمى (قشاع) وتغطى بورق أشجار (السخبر)، وهذا الشجر يمتاز بحماية البيت وجذوع الشجر من النمل الأبيض والحشرات ومن ثم توضع عليه طبقة من الطين (التبار) لحمايته من الماء، كما يتم عمل تجويفات من الداخل تستعمل كأرفف لوضع أمتعتهم ومستلزماتهم الأخرى.

ويمتاز باب بيت القفل بسرية فتحه؛ حيث لا يعرف فتحه الا صاحب البيت فقط، ويكون بأكثر من طريقة وآداة لقفل الباب منها ما يسمى (المزلاج)، ويكون من الداخل، ويستطيع صاحب البيت فتحه وغلقه من الخارج بطريقة يستخدم من خلالها ما يسمى (العلق) وهي عبارة عن قطعة معدنية طويلة تكون بقياس وانحناء معين وتكون مقوسة، يتم بها تحريك المزلاج من خلال فتحات بالمزلاج معروفة العدد وموقعها لصاحب البيت فقط. وأما الأداة الثانية فتسمى (المكذبة)، وذلك بوضع قطعة خشبية أسفل الباب من الداخل وتكون مستقرة في حفرة تحت الباب مباشرة ويظهر جزء منها للأعلى لمنع فتح الباب، ويقوم صاحب البيت بتحريك وإخراج تلك القطعة الخشبية من الحفرة بطريقة لا يعرفها إلا هو، بواسطة عصى بطول معين مربوطة بحبل، وهو السر في فتح وقفل البيت، ولهذا نسب له مسمى (بيت القفل) وتميز به.

تعليق عبر الفيس بوك