أعمار مسروقة وعقول خاوية

 

مريم العدوية

العلم ركن أساسي وهام من أركان بناء الإنسان السويّ، الذي ينفع نفسه وأمته، وإيماناً بدور العلم في تنمية الموارد البشرية وإعدادها للقادم، أقيمت المدارس والجامعات وأسست وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي منذ بداية النهضة المباركة، ولا شك بأنّ رؤية فلذات الأكباد وهم يسحبون أقدامهم منذ بواكير الفجر الأولى إلى المدارس، تبعث في النفس نشوة الفرح وغبطة السرور، كما أن المبالغ -الهائلة-التي تصرف على التعليم في السلطنة وتجهيز المدارس على مستوى راقٍ جدا لا يمكن أن يُنكر، بل هو يؤكد على اهتمام السلطنة بالعملية التعليمية. ولكن، ما هي أخبار عقول طلابنا؟.

الوقوف عند عتبة هذه النقطة لتأمل عقول طلابنا لا يقصد به الالتفات إلى المناهج الدراسية والتي -وإن كانت هنالك من ملاحظات عليها- فإن إعادة تأهيلها وتجديد مادتها من قبل المختصين تُؤكد على أنّ الأمر غير متروك على حاله، بل هنالك محاولات جادة لتطويره بما يناسب المرحلة العمرية للطالب، ولكنني أطلب كرماً لا أمراً الالتفات إلى الطريقة التي يقدم بها المعلم المنهج الدراسي.

ثقافة المعلم

إنّ عقول طلابنا قادرة على استيعاب الكثير، والمعلم الكفء يحاول من خلال الدرس تقديم الكثير من المفاهيم والأسس، لا أن يقرأ الدرس ومن ثم يحتار ماذا يفعل في ما تبقى من 45 دقيقة!

وأتعجب كثيرًا كيف أن المعلم يشرح الدرس وكأنّه لا علاقة له بالواقع، وهنا بكل تأكيد أقول -بعض المعلمين-بل والكثير منهم، لا يسعون إلى ربط المنهاج بالواقع بل يكتفون بما يملكونه من معلومات رسخت في أذهانهم منذ أيام الدراسة الأكاديمية! فكيف يشرح معلم قصيدة، دون أن يثري ثقافة الطالب بآخر مستجدات الشعر العُماني؟ ذاكرا لهم أهم الشعراء العمانيين مثلاً ؟!

مواد دراسية مع وقف التنفيذ

ثمة مواد دراسية تحتاج لإعادة ضبط، كالتربية الموسيقية، الفنون التشكيلية وتقنية المعلومات والرياضة المدرسية؛ فبالرغم من وجود مناهج دراسية ما زالت تعتبر هذه المواد غير أساسية، ما زال طلابنا يرسمون طابور الصباح كل عام، ويمارسون نفس التمرين في كل حصة رياضة مدرسية، ويشاهدون أفلام الكرتون في حصة تقنية المعلومات (والعهدة على الطلاب الذين لم يتحرجوا من البوح بالصدق) وفي حصة التربية الموسيقية بإمكانهم حل الواجبات المدرسية واللعب؟!.

اثنا عشر عاما... درسنا التربية الموسيقية والفنون التشكيلية والرياضة وخرجنا صفرّ اليدين إلا من بضع معلومات دُغدغت بها عقولنا وهي للتو تتراقص في فضاء عقولنا الخاوي.

الضمير، (حذف أجزاء من المنهاج الدراسي وإعداد الاختبارات)

إنّ أمانة التعليم سواء في المدارس أو الجامعات تبدأ من ضمير المعلم ومن ثم تُسند إلى المشرفين، وانعدام الضمير هو فقط من سوّل إلى النفوس المريضة الاستهانة بعقول الطلبة، فيحذفون ما شاءوا من المنهاج الدراسي، أو يتركون جزءًا كبيرا من المنهاج الدراسي، ويقدمون امتحانات لا تحتاج لأيّ مهارة، وفي أدنى حدود الذكاء، ولعلهم ساعدوا الطلبة كذلك على الغش؟ّ! فيحصل الطلاب على أعلى الدرجات ويتخرجون، ليعمروا البلاد؟!! بعقول خاوية إلا من سراب.

إدارة أم سلطة

بما أنّ المدارس والجامعات مجتمعات تسعى إلى هدف واحد وهو تقديم العملية التعليمة على أكمل وجه، فإنّ العلاقة بين الإدارة والطلاب يجب أن تقوم على الاحترام والمحبة لا على التعنيف والترهيب، إلا أن ثمة إدارات يقودها أشخاص يجعلون من أجواء العملية التعليمة أشبه بالمعركة، فالصراعات القائمة -على سبيل المثال لا الحصر-بين المعلمين والإدارة بكل تأكيد تؤثر على التحصيل الدراسي للطلبة وهي في غالب الوقت تنشأ من التعصب لرأي واحد وتنتهي برأي الأقوى وليخرس الآخر وإن كان على صواب، وهنا سأضيف نقطة أخرى وهي حدود السلطة الإدارية في المدارس، فهذه السلطة ليست مطلقة حتى تقيم الخطوط الحمراء على الأفكار أيّا كان لونها فقط لأن مدير / مديرة المدرسة لا تروق له / لها الفكرة، ضاربين عرض الحائط بأصوات الحرّية الفكرية وبالصوت الرافض لمصادرة الفكر، فكيف يسمح لمديرة مدرسة (مثلا) أن تحدد للطالبات عناوين البحوث التي يصح أن تقدم لشهادة الدبلوم، بينما مواضيع أخرى ترفض بحجة إنها تفتح للطالبات بابا محرمًا ؟! وهل في العلم من حرج أن نبحث وندرس في أيّ مجال.

هكذا يكبتونهم وللأبد

الكثير من المسابقات التي تعنى بالموهوبين لا تصل نداءاتها للطلبة، فالمُعلم لا يهتم، ولا استعداد لديه لفتح باب من المشاغل، فهو لا يُريد إخبار الطالب بالمسابقة ومن ثم متابعته... لذا يُغلق الباب ويظل أمر المسابقة منسياً ويحرم الطالب من فرصة هي من حقه لأن يشارك ويبدع.

طلابنا يقضون عمرا لا يمكن التغاضي عنه في المدارس ومن ثم في الجامعات، ويمنحهم هذا في الكثير من الأحيان فرصة العمل في المستقبل ولكن لا يمكننا كذلك التغاضي عن أشياء كثيرة يجهلها أبناؤنا وهم في العمر الذي يتطلب منهم العطاء، فمن المسؤول عن الجهل الذي يستوطن العقول ؟ ومن يا ترى سيدفع الثمن؟

فلعمري تعلم السابقون تحت ظل شجرة وبمعلم لا حيلة له سوى مصحف وعقل يُدرك وقلب يؤمن؛ لكنهم عمروا الأوطان وأناروا العالم بعقولهم النيّرة، فأين طلاب اليوم من هؤلاء؟!.

تعليق عبر الفيس بوك