نشأة النظام الأبوي (١)

أمل عامر السعيدي

في سلسلة مقالات قادمة سأقدم ملخصاً عن كتاب (نشأة النظام الأبوي)، لغيردا ليرنر، ترجمة أسامة إسبر والصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية، والحاصل على جائزة جوان كيلي التي تمنحها الجمعية التاريخية الأمريكية سنة ١٩٨٦. والآن في هذا المقال الافتتاحي سأقدم الاسباب التي دفعتني لاختيار هذا الكتاب دون غيره.

يناقش هذا الكتاب النظرية النسوية، والمشاكل التي واجهت النساء منذ بداية التاريخ، ذلك التي توضح لنا الكاتبة أهميته في مسألة مواجهة المرأة للخطاب الذكوري، وهي تعتقد أن غياب المنهجية التاريخية في الخطاب النسوي واحد من أهم العوامل التي تثبت عدم قدرة هذا الخطاب على تجاوز السلطة الأبوية، الذكورية، أو الأرثودسكية حسب تعبير الكثيرين. لأن التاريخ يجيب على واحد من أهم الأسئلة التي بحثت فيها النظريات النسوية، هل المجتمع الذي يسيطر على الرجال هو الصورة الوحيدة التي ظهرت بها المجتمعات الإنسانية منذ الأزل؟ هل هنالك مجتمع حقق المشاركة والمساواة بين الرجال والنساء. كما أن هذا الكتاب لا يتحدث عن ضرورة انتباه النساء إلى الأدوار التي تلعبها في هذه المسرحية، لكنها تشير إلى الاهتمام بكل شيء على المسرح، من الانتباه إلى أثاثه وكل شيء فيه، أي أنها تدعونا إلى الانتباه للغة والتاريخ وكل ما ساهم في تأليف هذه المسرحية. وما أعجبني أيضاً في هذا الكتاب موضوعية الكاتبة، فهي ليست من النسويات المتطرفات، بل هي تؤكد أهمية أن نكون الرجل والمرأة على درجة من المساواة عين يمنى ويسرى لنتمكن من تحقيق رؤية بصرية نافذة "إننا نضيف الرؤية الأنثوية إلى الذكورية وهذه السيرورة تتحول". ولكن استعارة جوان كيلي تحتاج إلى أن تطور أكثر: "حين نرى بعين واحدة تكون رؤيتنا محدودة النطاق وفارغة من العمق. حين نضيف إليها الرؤية المفردة للعين الأخرى، يصير مدى نظرنا أوسع، ولكننا نظل نفتقر إلى العمق، ولا ننجز المدى الكامل للرؤية والعمق البصري الصحيح إلا حين ترى العينان معاً". في الفصل الأول من الكتاب والذي جاء تحت عنوان " الأصول" تناقش الكاتبة فكرة الحتمية البيولوجية وكونية الخضوع الأنثوي، وتقصد بالحتمية البيولوجية تلك الإشارات التي يعتمد عليها البعض في القول بأن المميزات البيولوجية للمرأة هي ما يمحنها هذه المرتبة الاجتماعية الثانوية، أما الموضوع الآخر وهو كونية الخضوع الأنثوي، فتقصد به أن هذا الشكل من الخضوع الذي تمر به النساء اليوم قائم منذ بداية الكون البشري. كما تسوق لنا دلالات البعض على هذا الخضوع حيث يذهبون إلى تأكيده باستخدام الأدلة الدينية، قائلين بأن هذه الصورة إنما هي هكذا من الرب، وفي القرن التاسع عشر وبعد التفكيك الذي تعرض له الخطاب الديني أصبح من الصعب بما كان الأخذ بهذه الحجة، لذا استولت قضية حتمية البيولوجيا على خطاب الذكوريين، ومن خلال الدلالات والرموز التاريخية التي حللتها الكاتبة في الشرق الأدنى، بينت أن ثمة إشارات لنظام أمومي، ولخروج المرأة والطفل للصيد. من ثم تتحدث عن فردريك إنجلز وحديثه عن تأثير ظهور الإقطاع والملكية الخاصة على خضوع المرأة فهو يقول "تطور الزراعة الحيوانية في المجتمعات القلبية قاد إلى التجارة وملكية القطعان من قبل أرباب الأسر والأفراد، والذين هم كما هو مفترض ذكور، استولى الرجال على الفائض وصنعوا ملكية خاصة، ناشد الرجال تأمينها لأنفسهم ولورثتهم وقد فعلوا ذلك عبر تأسيس أسرة قائمة على الزواج الأحادي وبسيطرتهم على جنسانية المرأة عبر متطلب الطهارة قبل الزواج ضمن الرجال لأنفسهم شرعية نسلهم وهكذا أمنوا مصلحة ملكيتهم، ومع تطور الدولة تغيرت العائلة القائمة على الزواج الأحادي إلى العائلة الأبوية، صارت الزوجة كبيرة الخدم وأقصيت من المشاركة في الإنتاج الاجتماعي". وتعود غيردا لتقول إن انجلز لا يملك أدلة على ما قال، لكنه صنع لنا معياراً جديداً يمكننا من اكتشاف صور أخرى للمجتمع. وتقول سنرى في حالة انهيار الملكية الخاصة فيما لو كان هذا الكلام صحيحاً أو لا. تقول الكاتبة إنّ هذه الأسئلة أدخلت المرأة في جدال ساهم في الخروج بالكثير من النظريات والخطابات التي ستساهم في تحريرها: "في لحظات تاريخية معينة، وعت النساء التناقضات في علاقتهن مع المجتمع والسيرورة التاريخية، تم إدراكها عندئذ، على نحو صحيح، وسميت نواقص يتشاطرها النساء كمجموعة، إنّ هذا الذي دخل إلى وعي النساء أصبح القوة الجدلية التي حركتهن إلى الفعل لكي يغيرن وضعهن ويدخلن علاقة جديدة إلى مجتمع يهيمن عليه الذكور".

تعليق عبر الفيس بوك