قراءة استباقية في نتائج انتخابات الشورى

د. سَيْف المعمري

مضت تقريبا عشرة أشهر منذأن عقدت وزارة الداخلية الحلقة النقاشية للمرشحين الجدد لانتخابات الدورة الثامنة من مجلس الشورى.. فترة زمنية كانت مليئة بالأحداث والنقاشات المتعلقة بمختلف جوانب الانتخابات من شروط الترشح ونوعية المرشحين، ومن صلاحيات المجلس ودوره في تحقيق الأدوار المتوقعة منه، ومن الدعاية الانتخابية وتطورها، وحول النمط الانتخابي الذي حاولت بعض الولايات تطوير أساليب التعاطي معه، وحول نمط الخطاب الإعلامي وقدرته في الخروج بانتخابات تعكس تطور الوعي الانتخابي بعد مرور خمسة وعشرين عاما على بدء المجلس، ويفترض أنَّ كل النقاشات والحوارات واللقاءات ستجعل الناخبين الذين سيتجهون اليوم إلى 107مراكز مختلفين عن الناخبين الذين جاءوا قبل أربع سنوات؛ مما يقود إلى انتخاب أعضاء مختلفين عن الأعضاء الذين تواجدوا في المجلس خلال الدورة الماضية وكان ما يقارب الـ80% منهم يمثلون الأغلبية الصامتة في المجلس، على الرغم من أنه كان يجب أن يكون للمجلس صوت عالٍ؛ لأنه "صوت الشعب"، صوت "التشريع والرقابة"، صوت "الحكمة والمنطق"، صوت "الحقائق والأرقام"، صوت "العمل المؤسساتي" وليس العمل الفردي، ولكن مجلس الدورة السابعة مضى وأصبح في هذا اليوم مجرد تاريخ لا يمكن التغيير فيه، لكن في الوقت الذي يغادرنا مجلس، سنتقبل مجلس آخر بطموحات وآمال جديدة؛ ليعمل في ظروف مختلفة اقتصادية وسياسية، هل يدرك كل الذين سيقفون في طوابير المراكز الانتخابية هذه المعطيات؟ هل سيعملون إلى جعل المجلس مختلفا؟ هل سيعملون على تغيير الوجوه والعقولالتي ستجلس على كراسي المجلس؟

قد يقول قائل إنَّنا سنحصل على إجابات لهذه الأسئلة بعد الساعة السابعة مساء من هذا اليوم، حين يعلن انتهاء اليوم الانتخابي الطويل، وحين يحل الظلام في مختلف الولايات، وينتهي ضجيج عشرة أشهر، من البحث عن "العضو الأمين"، والعضو "الكفوء"، والعضو "المخلص"، والعضو "الواعي" بالمجلس، وحين يتسمر الجميع أمام الشاشات، وتشخص أبصارهم نحو العداد، ليعلن أسماء أولئك الذين سوف يستلمون أمانة المجلس لأربع سنوات فيها ما فيها من تحديات وتطلعات، إلا أننا سنحاول أن نقدم إجابات استباقية لهذه الأسئلة، دون أن ننتظر لنهاية اليوم الانتخابي، فالعمل الكبير الذي قمنا به في مبادرة الشورى (8)، والتي أصدرنا من خلالها أول مجلة إلكترونية مستقلة لتغطية انتخابات الدورة الثامنة بنهج تحليلي استقصائي، يقوم على استقراء للواقع الاجتماعي ولنتائج الدورة الماضية، وللعوامل الفاعلة في توجيه سلوك الناخبين، أتاح لنا بعض المؤشرات التي تمكننا من تقديم بعض النتائج الاستباقية التي يمكن أن نلخصها فيما يلي:

- ستتمكن مجموعة من الأعضاء السابقين من الوصول إلى المجلس مرة أخرى، نتيجة لفاعليتها خلال الدورة الماضية، ونتيجة لاستنادها لمرجعية قبلية كبيرة في الولايات التي ترشحت عنها؛ ومن هؤلاء: رئيس المجلس في ولاية وادي المعاول، ونائبه في ولاية محضة، وممثل ولاية بوشر، وكذلك مرشح ولاية مطرح، هؤلاء جميعهم لا يواجهون منافسة كبيرة في ولاياتهم باستثناء ممثل ولاية بوشر التي تعتبر من الولايات الصعبة جدا في هذه الانتخابات.

- سيتمكن ممثلو ما يسمى بـ"التكتلات الانتخابية"، أو مرشحو "التوافق" في كلٍّ من ولاية صلالة ونزوى وأزكي من الوصول إلى المجلس؛ فهناك تحالف قوي يقف خلف هؤلاء المرشحين سواء كان قبليًّا كما كان في ولاية صلالة، أم اجتماعيًّا كما هو في نزوى وإزكي، ويحتاج نجاح هذا النمط إلى قراءات أخرى لبحث بنيته والقوى التي تحركه.

- سيتمكَّن بعض الشباب من الفوز بمقاعد في المجلس نتيجة الدعاية المميزة التي قاموا بها، ونتيجة مؤهلاتهم، وتشكُّل لوبي شبابي واعٍ خلفهم، ومن هؤلاء أحد مرشحي ولاية الرستاق وهو معلم، ومرشح ولاية الحمراء ممن يديرون مكتبتها.

- سيتمكن بعض مرشحي المجموعات التجارية من الوصول إلى المجلس ومن هؤلاءأحد مرشحي ولاية صحم؛ لأن هذه المجموعة كان لها مقعد في المجلس السابق.

- سيحافظ مرشحو المجلس ممن أعادوا ترشيح أنفسهم مرة أخرى في ولايات الخابورة وصحار وقريات وهيماء ومحوت والمصنعة والرستاق، ومصيرة والكامل والوافي، وشناص والسويق ومدحاء وبخاء، وعبري، على مقاعدهم في المجلس.

- لن تتمكن المرشحات النساء -واللاتي يبلغ عددهن 20مرشحة- من الوصول إلى المجلس إلا إذا حدثت مفاجآت على نطاق ضيق في ولاية قريات والسيب، على الرغم من أن المرأة الوحيدة التي أعادت ترشيح نفسها مرة أخرى تواجه مرشحين جدد يتمتعون بالكفاءة وبالمرجعية الاجتماعية القوية في الولايات، ولكن هذه التنافس الكبير سيؤدي إلى تشتت الأصوات مما قد يساعدها على الحصول على أحد المقاعد.

- ستكون فرص المرشحين من ذوي المؤهلات العلمية العليا (حملة الدكتوراه والماجستير) محدودة في الحصول على عدد كبير من المقاعد؛ لأن تأثير المؤهل العلمي محدود في سلوك الناخبين بمقارنة بتأثير متغيرات القبيلة وما توجده من عمق اجتماعي.

- من الصعب التكهن بنتائج انتخابات ولايات كلٍّ من: السيب والعامرات وصور وبركاء، ونخل وصحم وثمريت، ومقشن، والمزيونة، والبريمي، والدقم والجازر، وجعلان بني بوعلي، وجعلان بني بوحسن، والمضيبي، وبهلا.. هذه الولايات يزيد فيها عدد المرشحين وتتنوع خلفياتهم الاجتماعية مما يقود إلى تشتت الأصوات، ولكن تبدو فرصة أحد المذيعين كبيرة في الحصول على مقعد في إحدى هذه الولايات، وفي صحم يتم التنافس على مقعد واحد لأن المقعد الآخر سوف يذهب لمرشح المجموعة التجارية الكبيرة في الولاية.

- هناك ولايات لم يتعدَّ عدد مرشحيها الاثنين؛ مثل: مدحاء ووداي بني خالد، أو أربعة كما هي الحال في ولاية إبراء، ويبدو أنَّ المقعد سيذهب للمرشح السابق أو للمرشح الأثر حضورا في المجتمع، فلا مساحة للمفاجآت في هذه الولايات.

قد يكون من الصعب قراءة نتائج هذه الانتخابات التي يتأثر فيها الناخب بمجموعة متشابكة من العوامل والمؤثرات، ولكن أتوقع أن يعاد انتخاب ما يقارب الـ50%من المجلس السابق، وربما تكون النسبة أعلى لو تم استبعاد مجموعة من الأعضاء نتيجة شرط المؤهل، وهذا يمكن أن يفسر من زاويتين؛ إما أن هؤلاء المرشحين من الأعضاء السابقين هم أفضل ما هو موجود من مرشحين، أو أن الوعي الانتخابي لم يتطور خلال السنوات السابقة، والتحدي الكبير مستقبلا هو كيف يمكن للمجلس أن يكون فاعلا ومختلفا عن الدورة الماضية، طالما أنه سيعمل بنسبة 50%من العقلية التي أدارتالمجلس السابق؟ هذا السؤال سيكون محور النقاشات في اليوم التالي لإعلان النتيجة، لكن لن تغيِّر النقاشات شيئا حين يكون الصندوق قد أقفل نهائيا، ولن يُفتح إلا بعد أربع سنوات.

saifn@squ.edu.om

 

تعليق عبر الفيس بوك