خسائر العرب في الحرب الخفية بين موسكو وواشنطن

عبيدلي العبيدلي

نشر موقع "روسيا اليوم" الإلكتروني مقال صحيفة "نيزافيسيمامايا جازيتا" تحت عنوان "الحرب بالواسطة بين الاتحاد الروسي والولايات المتحدة". ونقل المقال مجموعة من الأنشطة التي قام بها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، ومن بينها المحادثات التي أجراها في زيارته الأخيرة لموسكو مع مسؤولين في الاتحاد الروسي، تدلل على أن هناك حربا بالوكالة تشتعل نيرانها فوق الأراضي السورية على نحو ضيق، وفي إطار الشرق الأوسط على نحو أشمل، بين الولايات المتحدة وروسيا.

والحروب على مناطق النفوذ، واستخدام قوى أخرى بين أصحاب المصلحة الحقيقيين الذين يقفون وراءها، وتحديدا موسكو وواشنطن، لم تتوقف منذ استعادة روسيا الكثير من عناصر قوتها التي فقدتها في المراحل المبكرة التي أعقبت تهاوي الاتحاد السوفيتي، والتي دخل فيها الصراع الدولي بين العاصمتين لاقتسام مناطق النفوذ مرحلة مختلفة عن تلك التي عرف بها خلال الخرب الباردة، التي نجمت عن نتائج الحرب الكونية الثانية.

وشكل تعزيز الوجود العسكري للدولتين في البحر الأبيض المتوسط، أول مؤشرات تلك الحرب المبطنة التي يخوضها فرقاء آخرون عوضا عن الصدام المباشر بين الطرفين. فوفقا ما نقلته الكاتبة سميحة عبد الحليم، عن مصادر أمريكية، تواصل روسيا تكثيف وجودها العسكري من خلال "ارسال قطع بحرية من السفن والغواصات وحاملات الطائرات وآلاف الجنود والاسلحة المتطورة التابعة لاسطول البحر الاسود الى البحر الابيض المتوسط ومنطقة الشرق الاوسط، والتي تعتبر من المناطق الساخنة في العالم والمهمة لكل الاطراف الدولية".

ومن جانب آخر، كما ورد في مقال سميحة توالت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المشددة على "ضرورة تواجد البحرية الروسية بشكل دائم في البحر الأبيض المتوسط نظرا للمصالح الاستراتيجية لروسيا في المنطقة، (مؤكدا على أن) هذه منطقة هامة وتضمن المصالح المرتبطة بالأمن القومي لروسيا الاتحادية، ضد الدرع الصاروخي". وعلى نحو مواز عززت واشنطن من حضورها، وتحرك قطع أساطيلها البحرية المنتشرة في المحيط الهندي.

هذا على المستوى العسكري. أما على الصعيد السياسي، فلم تتوقف تصريحات الإدارة في موسكو التي اعتبرتها الدوائر الدبلوماسية بمثابة تجسيد للصراعات بين العاصمتين حول منطقة الشرق الأوسط، لعل أبرزها ذلك الهجوم غير المباشر الذي شنها وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف، موخرا، على الولايات المتحدة، متهما إياها "بالعمل على نشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وتشجيع تصاعد التطرف في هذه المنطقة لإشباع رغباتها في الهيمنة على العالم".، مضيفا في كلمته (أمام الأمم المتحدة، وتحديدا أمام اعضاء مجلس الأمن الــ 15)، "أن كل ذلك نتيجة محاولات تسيير العالم للسيطرة على كل شيء في كل مكان واستخدام القوة العسكرية بشكل احادي لخدمة مصالحها الخاصة، وأن كل ذلك اغرق الشرق الأوسط وشمال افريقيا في دوامة من الفوضى وانعدام الاستقرار وإلى حد كبير وجد أرضية مناسبة لتنمية التطرف".

وقد تناقلت وكالات الأنباء أيضا استمرار ذلك الصراع المبطن، تأسيسا على ما رشح من معلومات إثر لقاء القمة الروسي -الأمريكي على هامش اجتماعات الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة حول الحلول المطروحة لحل المشكلة السورية. فبينما يرى "الرئيس بوتين يرى وجوب إشراك الرئيس السوري بشار الأسد في محادثات حل الأزمة، يصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن على الأسد الرحيل".

لكن سير المعارك والمشاركين المباشرين فيها على أرض الواقع، تكشف أن حرص الدولتين على عدم التورط المباشر، بإرسال قوات برية لخوض المعارك في وقت أقتصر الأمر على المشاركة الجوية المحددة جغرافيا، كما جاءت الضربات الروسية للمعارضة الموالية لموسكو، ومشاركة سلاح الجو الأمريكي في العراق، كي يؤكد تلك الحرب الخفية بين واشنطن وموسكو، التي تخوضها عوضا عنهما جيوش دول المنطقة، بما فيها إيران وإسرائيل.

هذه الحرب بالوكالة بين مصالح الطرفين، تنذر بالسيناريوهات المحتملة التي تصب جميعها في استمرار المعارك، ولفترة طويلة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا المنطقة العربية منه، وهذ يحقق مصلحة الدولتين، وإن لم يكن على نحو متساو.

فاستمرار المعارك الداخلية بين الأطراف العربية، يضمن للولايات المتحدة نجاح إستراتيجيتها الشرق أوسطية التي تتمحور حول ثلاث أهداف رئيسة: ضمان أمن الكيان الصهيوني، تدفق النفط بالكميات المطلوبة وبالأسعار غير المنهكة للاقتصاد الأمريكي، واستمرار تدفق السلاح وبالأسعار، والمواصفات، التي تحددها واشنطن.

وبالمقابل، يُحقِّق استمرار المعارك في هذه المنطقة، وعلى النحو التي هي عليه اليوم، وان اختلفت بعض مظاهرها، السياسة الروسية الهادفة إلى إنهاك المشروعات الأمريكية في المنطقة، وإبعادها قدر الإمكان عن أوكرانيا والمناطق المحيطة بها، وعدم المساس بتواجدها العسكري المباشر الوحيد في الشرق الأوسط، وعلى وجه التحديد في قاعدة طرسوس.

وفي خضم كل تلك المعارك بأشكالها المختلفة وتداعياتها المرهقة للبلدان العربية، تواصل العواصم العربية الكبرى وقوفها عند سياساتها المرتكزة على ردود الفعل العفوية، القائمة على المنطلقات التالية:

- استمرار الاعتماد على السوق الأمريكية كأكبر مستورد ومن ثم مستهلك للنفط العربي، بغض النظر عن أسعاره، والتذبذبات التي تعرفها، أو الكميات التي تفرضها انطلاقا من مصالح تلك الأسواق.

- مواصلة العرب اعتمادهم الأساسي على واشنطن والعواصم الغربية الأخرى كمزود رئيس للسلاح، دون كلمة مسموعة في نوع الأسلحة أو كمياتها، بل وحتى الأسعار الباهظة الفتي ترافقها.

- عدم توقف الحروب الداخلية العربية، سواء بين الدول ذاتها، أو في نطاق كل دولة منها على حدة.

وحتى تتوقف تلك الحروب الشرسة والمرهقة للدول العربية القائمة بالوكالة، تواصل إسرائيل استفرادها بالشعب الفلسطيني، وتستمر في تنفيذ مشروعاتها الاستيطانية، ولا تكف عن سياساتها التوسعية الظاهرة منها والمبطنة.

تعليق عبر الفيس بوك