عميلنا العزيز نعتذر عن (...)

ابتهاج المسكريَّة

هل الاعتذار ترف؟ كلمة لها شعار مرسيدس حتى تبدو بهذا الغلاءالفاحش؟جميعُنا يُذنب، وسادة المذنبين أولئك القادرين على الاعتذار والأسف وطلب الغفران والصفح.

منذُ زمن لم تفتنِي حلقة من البرنامج التليفزيوني "افتح قلبك" ليست حُمَّى جورج القرداحي وحدها من اجتاحتني؛ ذلك الرجل ذو الكاريزما العصية على الوصف،ولا قدراتهعلىتطويع القلوب الحديدية،إنما قدرة ضيوف الحلقات على تمريغ أنف الكِبْر في وَحْل منصة يُشاهدها ملايين البشر من أجل توقيع وثيقة السلام!

ماذا حصل كي تصل الأمور إلى هذا المحك؟ ثمَّة كلمات ليس لها مفعول ما لم تأتِ في مَوْعدها..تأخُّرها كما سندريلا يُبطل مفعول السحر والقوة.

"أنا آسف..أنا أعتذر..أنا مُذنب"كلها كلمات لتأثيرها عمل الحليب السائل، إن لم تأتِ موازية للخطأ فقدت الكالسيوم ونصبح عرضة لتسمم وتبلد الشعور من شربها منتهية الصلاحية.

"آسف" كلمة نحيلة تظهر عظامها..رشيقة كما قطرة زئبق تفرُّ مُنحدرة من أرضية ألسنتهم عند نشوب خطأ،فيُظهرون لنا كَمْ هم مخلوقات بدائية،لا تعرف اللغة، تستتر بأوراق الشجر وبشعر أشعث، بقلوب حجرية، يفرون من المواجهة، يترفعون عن الاعتذار رغم أنه يرفعهم.

لا أستطيع ان أثق بمن لا يدهسه ضميره ويمص -كما دراكولا- دمه،ويحثه على الإقدام على الأسف بقميص ملطَّخ بدم ذئب الحماقات المرتكبة في حقِّمن أحبهم أو في حق الإنسانية..فالاعتذار -كما في التوبة- لا يصحُّ دون اعتراف وندم.

ثمَّة من يعتذر بطريقة مُلتوية صامتة كما تشارلي تشابلن حينما يُفقرعنا ضحكا دون أن ينبس بحرف، فيحضر هدية أو يبدي اهتماما، يُبالغ في التدليل بعد الخطأ المقترف منه، يحاول أن يبدو أكثر لطفا ووداعة،كلها وسائل قد تسوِّر حديقة الفطر السام في القلب..تمنعه من الزحف قدما،لكنها حقا لا تقتلعه.

شجاعة الاعتذار ليست طفرة جينية، أو سناً مفاجئاً في فم الطفل الرضيع،ولا شعرة بيضاء مدسوسة في رأس عشريني، بل فعل تراكمي، كيف أطلب أن يعتذر شخص لم يحظَ بشرف أن يُعتذر لهقط؟! لا أمه التي أفضت غِلَّها عليه بعد شجار مع أبيه،ولا بائع الحلوى الذي استوعبَ مُتأخرا أنه أخذ من النقود أكثر من حقه، ولا صديقه الذي أعاد إليه كتابه ممزقا،ولا الطبيب الذي لم يلتزم بموعده معه،ولا الموظف الذي نَهَره وكشَّر في وجهه،ولا الحاكم الذي اتخذ قرارات عقيمة في حق شعبه..!!

لا أحد يعتذر سوى شركات الاتصال، وكأنها تسدِّد الفاتورة عن الجميع،رغم سطوها أحيانا على أرصدتنا وخذلان حضورها في أشد الأماكن حاجةلخدماتها في أحيان أخرى،إلا أنَّ ثراء الاعتذار يغض الطرف ويخرس الحنجرة.

e.k.a-00@Hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك