هل أدلكم على تجارة رابحة؟"صناعة الحروب وبيع الأسلحة"!

د.سعد بساطة

دأب البشر منذ الخليقة على التوجس من الآخر، وبناء الجدران بدلًا من الجسور بين بعضهم البعض.. هذا لاينطبق على الأفراد فحسب، بل تعدَّاهم للدول! وتدعم الدول تلك الجدران (الحدود) بأسلاك شائكة وألغام وخنادق يحرسها جنود مسلحون؛ وتطوَّرتترسانات الأسلحة من ردع العدو؛ فأضحت هاجساً، وصارت للتباهي أمام الدول الإقليمية؛ مما خلق بيئة جاذبة لشراء وتخزين المزيد من الأسلحة. وعندما تفتر همة الدول بالشراء، تقوم كارتلات الأسلحة العالمية بخلق نزاع إقليمي؛ أو إشعال حرب أهلية؛ أو إثارة مناوشات على الحدود لعرض خدماتها؛ وبيع منتجاتها.

ومن الطريف (والمؤلم) اكتشاف أن ذات المصانع هي نفسها التي تبيع الطرفين المتحاربين -ولو تحت مسميات مختلفة!- وسنذهل لدى معرفة ماتمثله صناعة الأسلحة مقارنةًبالأنشطة الاقتصادية المختلفة، ولكن الأرقام "الحقيقية" محجوبة في غالب الأحيان لأغراض السرية الاستخباراتية!لو سُئلت عن نشاط يدر أكبر عائد -عدا ممارسة "الخيمياء" لتحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب- لا تنتظر للإجابة مساعدة من صديق.. إنها صناعة وتجارة الأسلحة!

وتكوين ترسانة أسلحة يكلف مليارات الدولارات، تقتطع من أفواه دافعي الضرائب لتروي ظمأ الشركات العملاقة التي تعقد صفقاتها في دياجير الظلام مفعمةً بأجواء المؤامرات.

والمأساة في النهاية: إذا استخدمت تلك الأسلحة، فمخازينها الآن تكفي لإبادة 16 كوكباً مثل الأرض، وإذا لم تستخدم فتصاب بالصدأ في مخازنها، وتبعاً للتطور العلمي المتسارع فبعد سنوات قليلة تمسي متخلفة تكنولوجياً؛ وبالتاليستصبح بحاجة للاستبدال بأحدث وأدق، أي المزيد من الأموال لمصلحة هدفٍ غامض وعبثي!!! وتتصرف الدول في سبيل اقتنائها وتجديدها كطفل يسعى نحو دميةٍ مغرية غير عابئ بالنتائج.

وتتراوح الأسلحةمابين الفردية الصغيرة، والدبابات والغواصات والطائرات العملاقة...إلخ. وهنا مقارنة طريفة للأمان بين الغواصة والطائرة "الإثبات أنَّ الغواصة أكثر أمناً هو: وجود طائرات غارقة في البحر أكثر بكثير من الغواصات التي تطير في الجو!!"‏وكون مصانع الأسلحة تمثل مصالح إستراتيجية مهمة لدول الغرب (اقتصادية وأداة ضغط سياسي)؛ فهي بحاجة لاختراع أسبابلاستخدام لتلك الأسلحة بين الفينة والأخرى في استعراض حيلتشكيلة سلعها؛ وهذا يتم بافتعال حروب وقلاقل بين الدول واستثارة النعرات، ليتاح للتجار الجشعين أحفاد "شايلوك" ممارسة أنشطتهم السوداء.

... إنَّ بيع السلاح يشكل قسماً من الصفقة، ولكن التدريب وقطع الغيار والإشراف والصيانة تتمم الجزء الأكبر، وتصبح بمثابة "مسمار جحا" الذي يُتيح دخولهم لأدق تفاصيل أسرار الدولة الضحية التي تقوم بالشراء! ‏

يقول أحمدي نجاد: "إن الميزانية العسكرية لأمريكا تعادل باقي العالم بأسره....."، وتتهامسالأوساط المطلعة في الآونة الأخيرة عن صفقة أسلحة بين دولة نفطية كبرى وبين أمريكا بمبلغ أسطوري، أكثر من ستين مليار دولار.. ويقول متحدث باسم البنتاجون إنه لا يستطيع إعطاء تصريحات حول الصفقة!

غفا المراقب المناوب على توجيه الأجهزة النووية، واصطدم أنفه بزر الإطلاق، بعد ساعات صحا على خطوات الضابط المشرف، فهب واقفاً باستعداد قائلاً: "كل شيء تمام؛ لا يوجد شيء لأعلن عنه؛ سيدي". زمجر الضابط بغضب: "تقول لاشيء، ولكن.. أين اختفت دولةالنرويج؟".

ولا نغفل عن صفقات الأسلحة الفاسدة المعروفة منذ القدم، ونذكر خسارتنا الأولى بفلسطين 1948 بسببها "وبسبب فساد المسؤولين عنها".

هاكم ترتيب أهم مصدريالسلاح بالعالم:"أمريكا- روسيا- ألمانيا- فرنسا- بريطانيا- إسبانيا- الصين".لن نستغرب لرؤية قائمة أكبر مستوردي السلاح بالعالم (الهند وباكستانوسنغافورة وماليزياوتركيا واليونان...)، أي أنَّ أصابع الغرب قد نجحت باستثارة نعرات بين تلك الأزواج من الدول محرضةً إياها على الاستيراد؛ وبالتالي يلتهم كل ما توفره للتنمية بمعدته التي لا تعرف الشبع!

أذكر رسماً كاريكاتوريًّا منذ سنوات عشر لبوش وبلير يتحدثان عن اتهامات للعراق باقتناء أسلحة دمار شامل، وسألهما صحفي عن الإثباتات.. أجاب بلير بابتسامة صفراء: "لدينا إيصالات البيع"!!! (أي حاميها هو حراميها، يصنعون ويبيعون، ثم يمنعون، ويحاسبون.. وللمحاسبة موازين متباينة!).

نعود لسؤالنا المطروح في عنوان المقال: تجارة مربحة؟ نعم للغاية.. ولكن:هلتجارة السلاح أخلاقية أم لا؟ فهذا موضوعٌ آخر مختلف تماماً!

من يصنع ويبيع؟

المركز الأول بقي من نصيب الولايات المتحدة التي رفعت من حجم مبيعاتها من الأسلحة في الفترة (2010-2014) بنسبة 23%، وسيطرت على 31% من مبيعات الأسلحة عالمياً؛ حيث باعت أسلحتها لنحو 94 دولة، وبلغت حصة دول الشرق الأوسط من هذه المبيعاتقرابة الثلث!وكانت المستفيدة الرئيسية من نمو هذه السوق.

وحافظت روسيا في السنوات الخمس الأخيرة على المركز الثاني عالمياً كأكبر مصدر للأسلحة بعد الولايات المتحدة، وتمكنت من زيادة حجم صادراتها من الأسلحة خلال الفترة (2010-2014) بنسبة 37%، مقارنة بالفترات السابقة، محافظة على المركز الثاني في التصنيف العالمي كأكبر مصدري الأسلحة التقليدية، وباعت أسلحة لنحو 56 دولة في العالم، كان نصيب الهند والصين والجزائر 60% منها.

ثم تأتي فرنسا لتحتل المرتبة الثالثة بين الدول المصدرة للمعدات الدفاعية في العالم، تليها بريطانيا ثم ألمانيا فإيطاليا، فيما تحتل إسرائيل المركز السابع بصادرات، ثمتأتي الصين.

سجَّلت صادرات السلاح في العالمارتفاعاً كبيراً، حسب تقرير المركز الدولي لأبحاث السلام في استوكهولم، المعروف اختصاراً (SIPRI)، الذي أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تحتفظ بمركز أكبر مصدر للسلاح في العالم، لكن الزيادة الكبرى في صادرات السلاح ترتبط بزيادة مبيعات منتجات السلاح الصيني، حيث نجحت في تطوير منتجاتها الحربية، وهو ما أدى إلى زيادة صادراتها من تلك المنتجات خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 143%، واقترابها من المركز الثالث عالمياً في تصدير السلاح بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

وفي المقابل، احتلت دول الشرق الأوسط الصدارة في قائمة مستوردي السلاح، مسجلة تقدماً مطرداً بسبب الحروب المستعرة في المنطقة، في حين تراجعت مشتريات دول الاتحاد الأوروبي بشكل لافت.

من يستورد السلاح؟

بشكل إجمالي، ارتفع حجم صادرات السلاح على الصعيد العالمي خلال خمس سنوات بنسبة 16%، ويشير التقرير إلى أن "استيراد الأسلحة ارتفع في جميع أرجاء العالم باستثناء أوروبا، (حيث انخفضت وارداتها بنسبة 36%)". وتصدرت مملكة خليجية قائمة الدول الأكثر استيرادا للأسلحة والمعدات العسكرية في العالم، إذ بلغت قيمة وارداتها في هذا الصدد خلال العام الماضي6.5 مليار دولار، بحسب تقرير أعدته مجموعة بريطانية متخصصة. وقالت في تقريرها الذي أصدرته مؤخراً وشمل صفقات السلاح في 65 بلدا في العالم، إن المملكة الخليجية تخطت في 2014 الهند التي كانت تتربع على عرش واردات والمعدات العسكرية (وأشارت الدراسة إلى أن الهند كانت تتصدر قائمة الدول المستوردة للأسلحة، حيث ابتاعت 15% من الأسلحة المباعة عالمياً(، وأصبحت أهم سوق لشركات السلاح الأمريكية. وحسب التقرير، فإنالمملكة الخليجية أَنفقت واحدا من كل سبعة دولاراتلشراء الأسلحة في العالم، مشيرا إلى أن الشرق الأوسط هو "أضخم سوق إقليمي" لمبيعات الأسلحة، ويتوقع أن تبلغ وارداته منها أكثر من 140 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وبشكل عام، سجلت مبيعات الأسلحة والمعدات العسكرية في 2014 ارتفاعا للعام السادس على التوالي؛ إذ بلغت قيمة تلك المبيعات 64.4 مليار دولار مقابل 56 مليارا في 2013.

ويمكن أن نخلص بعد قراءة التقارير الدولية عن الأسلحة إلى جملة استنتاجات؛ أهمها:

1- الدول النامية والفقيرة هي المستورد الأكبر للسلاح في العالم.

2- الدول الصناعية الكبرى هي المورد الأكبر للسلاح في العالم.

3- الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الذي يفترض فيه أن يكون شرطي العالم وحافظ أمنه وسلامته، هي في الحقيقة المورد الأكبر للسلاح في العالم.

4- تجارة السلاح العالمية لا تزال السبب الأكبر للفقر في العالم، لأن المبالغ التي تنفق على شراء السلاح عالمياً تستطيع القضاء على الفقر عالمياً في غضون سنوات قليلة.

5- الدول المستوردة للسلاح تدفع ثمن مشترياتها من الأسلحة من الأموال المتأتية من تصدير وبيع واستغلال ثرواتها الخام؛ من بترول وغاز ومعادن وثروات طبيعية أخرى.

وختاماً.. إذا كنت تعتقد لو لهنيهات أنَّ مصنعي الأسلحة في صفك؛ فتذكر أن استعار الحروب بين الدول هو الذي يبقي استثماراتهم رابحة!

SADBSATA@GMAIL.COM

تعليق عبر الفيس بوك