تداعيات الأزمة اليمنيَّة على عُمان

زاهر المحروقي

لا يُمكن أن تمر الحرب اليمنية دون أن تترك آثارها على دول المنطقة وعلى عُمان بالذات؛ وذلك بحكم الجوار والتداخل والتشابك في الكثير من الأمور، والأهم من ذلك ارتباط الأمن القومي العماني باليمن، الذي يشكل العمق الإستراتيجي لعمان، لذا كان الموقف العماني من الحرب على اليمن نابعاً من حقيقة إدراك عمان بأن الحرب حتماً ستلقي بظلالها على أمنها واستقرارها وكذلك على أمن دول مجلس التعاون مستقبلاً؛ فكان قرار عدم المشاركة في الحرب، بل سعت الحكومة العمانية إلى التوسط بين الفرقاء، كما فعلت سابقاً عندما نشبت أزمة انفصال الجنوب عن الشمال، مما اضطر معه جلالة السلطان المعظم إلى الذهاب إلى صنعاء للتوسط، وذلك في 12 أكتوبر 1993؛ لأن ما يحدث في اليمن يؤثر بالتالي على عمان؛ كما أن الرئيس عبدربه منصور هادي لم يخرج من اليمن فراراً من الأوضاع الحالية إلا عن طريق عمان؛ وهو ما فعله قبل ذلك الرئيس علي سالم البيض عندما هرب من اليمن والحربُ بين الشمال والجنوب على أشدها؛ وهي إشارات تدل على الترابط الأمني بين البلدين بحكم الجغرافية.

كان يُمكن لدول الخليج أن تتجنب الحرب الحالية ضد اليمن، لو أنها لجأت إلى الحكمة، وابتعدت عن منطق عرض العضلات؛ فاليمن هو العمق الإستراتيجي لدول الخليج، وكان الأولى أن تهتم هذه الدول الغنية بتنمية اليمن وجعله مستقراً، فأمنُ اليمن جزء لا يتجزأ من أمن الخليج، لذا فالنتيجةُ الحتميةُ لهذه الحرب ستنعكس على دول المنطقة وبالذات عُمان والسعودية اللتين تشتركان بحدود برية طويلة مع اليمن، عندما تتحول اليمن إلى دولة فاشلة غير مستقرة؛ وكما هي العادة عندما تضعف الدولة المركزية فإن كل المشاكل تظهر في العلن، من المطالبات بالانفصال، إلى صراعات مذهبية وقبلية وعرقية...وغير ذلك مما ينتج عن هذه الآفات. وفي حالة اليمن، فإن المشاكل ستكون أكثر بروزاً؛ فهناك الزيديون وهناك السنة -وهي آفة كبيرة في المجتمع الإسلامي حالياً- وهناك أزمة الشمال والجنوب، وكذلك "القاعدة" والآن "داعش"، هذا غير انتشار الأسلحة بين القبائل والناس، ثم إن الوضع الاقتصادي في الأصل كان صعباً، وقد جاءت الحرب لتزيد الوضع سوءا، مما يرشح الوضح إلى أن لا تستطيع حكومة صنعاء -المدعومة من دول التحالف- السيطرة على الوضع لسنوات طويلة، فتصبح اليمن ساحة وبؤرة جديدة لحركات كالقاعدة وداعش التي يهرب رجالها من سوريا الآن بفعل القصف الروسي، وقد يجدون في اليمن ملجأ؛ إذ لا تظهر تنظيمات كهذه إلا في الدول الفاشلة.

إذا كانت السلطنة لم تشارك في الحرب على اليمن، هل هي في منأى عن المخاطر الناجمة عن الحرب؟

إنَّ الأمر مُقلق؛ لأنَّ ما يحدث في الجوار يؤثر علينا في المدى القريب والبعيد؛ فالفراغ الأمني في اليمن سيجذب المزيد ممن يسمون بـ "الجهاديين"، وقد أعلن تنظيما "داعش" و"القاعدة" وجودهما في الجنوب اليمني، مما يشكل خطراً كبيراً على أمن السلطنة، ويتطلب منا بالتالي أن نكون في حالة يقظة تامة؛ فكما تردد كثيراً في الإعلام البديل والموجه أن الدور على عُمان بعد سوريا، إلا أن صمود الجيش السوري أفشل تلك الخطة، ولكن الوضع سيكون مختلفاً الآن؛ فبعد غياب الدور الرئيسي للحكومة المركزية في صنعاء، قد تنشط هذه الحركات على الحدود العمانية-اليمنية، وقد تجد عمان نفسها في مواجهة مع جنوب اليمن أو "اليمن الجنوبي"، تماماً كما كان الوضع في الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، ولكن هذه المرة مع اختلاف "العدو"؛ فالعدو الحالي يختلف عن العدو السابق، لأنه يرتدي رداء الدين الإسلامي؛ وهو رداءٌ يرتديه الكثير من المسلمين حتى وإن كان فكر هذا العدو مبنياً على قطع الرؤوس وتكفير المسلمين وتشويه سمعة الإسلام، عكس العدو السابق الذي اتخذ من الشيوعية الماركسية عنواناً ورداء؛ فقضيةُ المذاهب حققت سوقاً رائجة الآن، ومنها ينطلق الكل لتحقيق مآربه، والوضعُ في الصومال والعراق وسوريا أظهر كيف يمكن للمتطرفين الاستفادة من الفوضى، وكيف أن المذاهب لعبت دوراً في الاقتتال.

هناك أمورٌ رأى البعض فيها أن عمان غردت خارج السرب الخليجي، منها مثلاً: رفض العملة الخليجية الموحدة والاتحاد الخليجي، والعلاقات مع سوريا، والتوسط بين إيران وأمريكا، وكذلك عدم المشاركة في الحرب على اليمن، وحاول البعض ربط ذلك بالعلاقات العمانية الجيدة مع إيران، وكل ذلك جعل من البعض يهدد ويتوعد، وقد أثر الزخم الإعلامي الكبير -خاصة في مواقع التواصل الاجتماعي- على الكثيرين، لدرجة أن يرى البعض أن عُمان أخطأت في هذه المواقف، وحريةُ الرأي واختلافُ الرأي أمران محمودان، ولكن غير المحمود أن يصل تعصب البعض إلى الوقوف في الصف المعادي لبلده، مما يثير العديد من التساؤلات حول موقف هؤلاء من التداعيات المحتملة لما قد يحدث في اليمن، عندما ينشط تنظيم القاعدة أو داعش على الحدود العمانية-اليمنية ويشكلُ خطراً على أمن واستقرار الوطن!

لقد ارتكبت السياسات العربية الكثير من الأخطاء ثم تنصلت منها بتحميل الآخرين المسؤولية؛ من ذلك على سبيل المثال: أن دول الخليج ومصر هي التي دفعت حركة حماس أن تتجه نحو إيران -وحماس حركة سنية إخوانية- ومنها أن دول الخليج هي التي سلمت العراق لإيران على طبق من ذهب ثم تباكت، وهي التي تركت لإيران الفرصة أن تتمدد في اليمن بدلاً من أن تعي أن اليمن يشكل عمقاً إستراتيجياً وأمنياً لها؛ ومنها أن بعض دول الخليج تدخلت في لبنان وصار لها رجالها وحكوماتها، وعندما دعمت إيران حزب الله اتفقت هذه الدول مع إسرائيل لقتال حزب الله؛ ومنها أن هذه الدول تخلت عن سوريا وبقيت وحيدة أمام إسرائيل، فلم يكن أمامها إلا أن تتحالف مع إيران؛ وهو تحالف قديم وليس جديدا، ولكن البعض يريد أن يُظهر المسألة وكأنها جديدة، وأن سوريا دولة طائفية؛ والآن فإن دول الخليج عندما تتبنى مواقف ضد عُمان لأن لها سياسات مستقلة برفضها التورط في النزاعات الإقليمية، فإنها تدفع عمان إلى إيران دفعاً، فأمام الوضع المتأزم في الجنوب وما يشكله ذلك من خطر على أمن واستقرار عمان، وأمام التحديات الكثيرة التي تواجهها، ليس لها خيار إلا التوجه نحو بحر العرب والتفكير جديًّا في إقامة علاقات مميزة مع إيران وباكستان والهند، والعلاقاتُ العمانية-الإيرانية في الأصل علاقات قديمة لم تتأثر بتغير النظام في إيران، فشاهُ إيران الراحل محمد رضا بهلوي هو الذي ساند السلطنة بأن أرسل جيشه ليتعامل مع رجال الجبهة في ظفار، فهل سيعيد التاريخ نفسه..؟!

... إنَّ عمان تواجه تحديات كبيرة، والسبيلُ الوحيدُ للنجاة من المحن هو تقوية الجبهة الداخلية، وهذا عنوان عريض تدخل في تفاصيله نقاط وبنود كثيرة؛ من أبرزها: كيفية خلق الوظائف للجيل الجديد خارج الحكومة، من خلال تطبيق مجموعة من السياسات الاقتصادية، والتركيز على الصناعة، وتنويع مصادر الدخل بدلاً من الاعتماد على النفط، (وهو شعار سمعناه كثيراً، ولكن يبدو أنه كان مجرد شعار فقط، فأزمة أسعار النفط أثبتت ذلك)، وعندما يكون هناك تذمر ما من قبل الشعب، فإن ذلك هو مفتاح كل شر، وعند أي هزة فإن كل المخبوء يظهر في العلن، وقد نكتشف أننا كنا نعيش في خدعة كبيرة هي الأمن والأمان والتسامح، وهذا ما حصل في كل البلدان، فلن نكون شاذين عن القاعدة.

الوضع يتطلب اليقطة والانتباه، لأن انفلات الأمن في اليمن سيزعزع الأمن في دول المنطقة ككل، وفي الأصل من مصلحة دول الخليج الحفاظ على وحدة واستقرار اليمن، لأن ذلك هو صمام الأمان لهذه الدول، وكان ينبغي أن تكون السياسات الخليجية مبنية على الفعل لا على رد الفعل، فأي انتصار قد تحققه هذه الدول في اليمن لا يعني ذلك أن الحرب قد انتهت، وإنما يعني ذلك بداية المتاعب.

تعليق عبر الفيس بوك