على خلفيَّة ما حدث

أسماء القطيبي

قبل أيام قليلة، نشر أحد المترجمين العُمانيين -عبر صفحته على الفيسبوك- عن قيام شاب مثقف بالسرقة الأدبية لنصوص دون الإشارة إلى مصادرها، وإدخال تغييرات عليها لتتوافق مع المقالة التي قامت صحيفة محلية بنشرها. المؤسف في الأمر أن هذه هي المرة الثانية التي يُكتشف فيها قيام نفس الشاب بهذا الفعل، الذي رد باعتذار باهت عن "عدم التنصيص" حسب قوله، وقد وجد البعض في التشهير بالأمر تصرفا غير مناسب، وأنه كان من الأجدى أن لا يخرج الأمر للعلن. نعم، قد أتبنى هذا الرأي لو كانت تلك المرة الأولى لنفس الشخص، بل إنَّني سألتمس له المبررات، وأدافع عن حقه في الحصول على فرصة يستعيد فيها ثقة القراء. أما تكرار نفس الفعل بنفس الطريقة، فإنه بالنسبة لي أمر مستفز أخلاقيا لا يدع مجالا للتجاوز والمسامحة. والمؤمن مهما كان حسن النية لا ينبغي له أن يُلدغ من جحر مرتين، فاستغفال القارئ وإيهامه بأنَّ الكاتب يقدم له معرفة أصيلة قام باستنتاجها نتيجة بحث وتقصٍّ ودراسة، ثم اكتشاف العكس، أمر محبط، خاصة إذا كان الكاتب أحد الدارسين للعلوم الإنسانية بما يتوقع منه أن يكون حساسا تجاه قضايا حقوق الإنسان والملكية الفكرية. ولا أدري كيف غاب عن ذهن هذا الشاب أننا في عصر ضغطة الزر الواحدة، وأن بحثا سريعا عبرالإنترنت كافٍ لنسف مصداقية دراسات كاملة!

ولنكون واقعيين، فإنْ كنا نطالب بكشف فساد صاحب السلطة الذي يستغل منصبه في تحقيق مصالحه أمام الملأ ليكون عِبْرة لمن يأتي بعده، فإننا يجب أن نفعل المثل مع أصحاب الأقلام فنحارب الفساد والتزوير والخداع، وأن نتعامل مع السرقة الأدبية كجريمة بشعة يقوم بها صاحبها بتعمد وإدراك ووعي، وإن كانت سرقة المال يبررها فقر مدقع أو حقد مبطن بعض الأحيان، فإن سرقة ثمار فكر الآخرين لا يبرره شي إطلاقا. وصرامة تعاملنا مع الأمر ومحاسبة صاحبها -وإن كان عقابا مجتمعيا برفض الأمر واستنكاره- تكشف مدى جديتنا في العمل على إيجاد مشهد ثقافي صادق ونزيه يقوم بدوره الإصلاحي والتوعوي في المجتمع؛ فالأمر أكبر من أن يكون متعلقا بشخص ما أو حادثة بعينها.

... إنَّ مثل هذه المواقف اختبار للشباب المثقف القادم، أولئك الذين يحلمون بوسط ثقافي لا يقوم على العلاقات الشخصية وما يتبعها من مجاملات ومحاباة وتغاضٍ وأحاديث جانبية تبرر ما لا يمكن تبريره أمام الملأ، فلقد سئمنا من الحديث عن الوسط الموبوء والمثقف الذي يتحدث عن النزاهة والمصداقية ولا يمارسهما، وبمثل هذه المواقف العلنية نستطيع أن نضع المشرط على الداء حتى لا يزيد إستفحالا، وحتى لا تنتقل عدواه إلى آخرين قد يجدون في ردة الفعل الباردة عذرا للتمادي.

وشخصيًّا.. لا أرى ثمة سببًا للحياد وعدم اتخاذ موقف تجاه هذا الأمر في ظل وجود الإثباتات الكافية، من المثقفين خاصة، ومن أولئك الذين يتذمرون على الدوام من الوسط الثقافي في البلد؛ لأن السكوت في أحد أوجهه يعني الرضا وعدم الممانعة، والجدية في الإسهام في الرقي بالحياة الفكرية في المجتمع يتطلب منا أن نعمل بمبدأ عمر الفاروق "إن أحسنت فأعينوني، وإن أخطأت فقوِّموني"، بعيدا عن العواطف التي دائما ما ترجِّح الموقف الأقل حدة، وبعيدا عن العلاقات الشخصية التي تطرب للمدح والتعزيز، ويسوؤها التعبير عن الرأي بصراحة.

لكلِّ شاب عُماني يخطو خطواته الأولى في هذا المجال، أقول: أنت كبير حين تمثل نفسك، وحين تدرك أنك تتقدم للإمام بفكرك وجهدك، العلم باق ونحن زائلون؛ فتواضَع له على الدوام، ولا تخذل أولئك الذين يساندونك، لا تخذل صديقا قال لك يوما: أنا أؤمن بك، أو قارئا قال لك: أنا أدعمك. كن رقيبا على نفسك صارما معها، ولا تقع في فخ الاغترار بالنفس والزهو بالإنجاز. ضع احترام القارئ -أيًّا كان مستواه الثقافي- نصب عينيك. متفائلون بك وفخورون بعملك النبيل، وإن حدث وأخطأت فاعتذر قبل أن يطالبك أحدهم بذلك، انتصر للحقيقة ليبقى قلمك حرًّا، نظيفًا، وصادقًا.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك