بين أوراق التكامل العربي (1-2)

 

عبيدلي العبيدلي

يوم الإثنين الماضي، انطلقت في جامعة الدول العربية بالقاهرة أعمال "ورش العمل التحضيريّة الخاصة بالتقرير العربي الثامن للتنمية الثقافية"، التي تنظمها "مؤسّسة الفكر العربي". وخُصِّص أول يومين منها لمناقشة "التكامل العربي: الأبعاد الاقتصاديّة". قدمت خلال هذين اليومين أربع أوراق بحثية؛ هي:

1- ارتقاء وتكامل الصناعة التحويلية: رافعة التنمية الاقتصادية، من إعداد د.طه عبد العليم.

2- تحقيق السوق العربيّة المشتركة: المأسسة والبناء على الاتفاقيات والمنظمات الاقليمية والدولية، من إعداد د.رمزي الحافظ.

3- انتقال عناصر الإنتاج والتكامل الاقتصادي العربي، من إعداد د.مجدي صبحي.

4- واقع الفساد كأحد مسببات التدهور الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي والآليات الممكنة لمكافحته في الدول العربية، من إعداد د.محمد حركات.

تنطلقُ ورقة د.عبد العليم من فرضية اقتصادية تؤكد على أنه "بفضل التصنيع بمفهومه الواسع؛ أي بفضل تبنى إستراتيجية للتصنيع وسياسات صناعية واقتصادية تضمن أسبقية تنمية وتحديث وتعميق وتنويع الصناعة التحويلية، وتنشر ثمار التحديث الصناعي التكنولوجي في بقية قطاعات الاقتصاد، (وعلى هذا الأساس) صارت الدول الصناعية هي المُصّدِر الأهم للسلع المصنعة، وبالذات منتجاتها ومكوناتها ذات المحتوى المعرفي الأرقى والقيمة المضافة الأعلى، بل وصارت المُصّدِر الرئيسي للمعرفة والتكنولوجيا والخدمات والغذاء والاستثمار! ولن تتمتع الشعوب العربية بأمنها الإنساني، ‏ إلا بفضل ما يتيحه التصنيع من وظائف غير محدودة ومرتفعة الإنتاجية والدخل، ولن تعزز الدول العربية أمنها الوطني وتتحرر من التخلف والتبعية والانكشاف بغير التصنيع، أي بغير مضاعفة قدراتها الصناعية والتكنولوجية‏، ومن ثم قوتها الاقتصادية والشاملة‏، ‏ اللازمة لحماية حدودها وسيادتها ومصالحها وقيمها وتعزيز مكانتها ودورها".

وتؤكد الورقة أنَّ الدول العربية "لن تصبح متقدمة بمجرد تحقيق معدل مرتفع للنمو الاقتصادي، حتى وإن استدام هذا النمو عقودا من الزمان‏!‏ وإنما يتحقق التقدم بتحولها إلى دول صناعية‏.‏ وباختصار‏،‏ فان التقدم منذ فجر الثورة الصناعية وحتى عصر العولمة الاقتصادية لم يتحقق في أي مكان بغير التصنيع‏؛‏ الذي يمثل جوهر التنمية الاقتصادية والارتقاء بهيكل الإنتاج ورافعة النمو المتواصل للإنتاجية والتصدير والتشغيل‏.‏ ولهذا؛ فإن الدول الصناعية هي التي تصنف -دون غيرها- باعتبارها الدول المتقدمة‏،‏ بل وتعد الدول الصناعية -الجديدة والصاعدة‏-‏ أكثر تقدما بالمقارنة مع الدول العربية الغنية المصدرة للبترول‏،‏ مهما ارتفع دخل الفرد في الأخيرة"‏.

وهنا.. تلفت الورقة إلى أنَّ "ضعف حصيلة البلدان النامية من ثمار التخصص الصناعي العالمي، قد مثل سندا للدعوة إلى مواصلة سياسات التكامل الصناعي الإقليمي، والإقليمي الفرعي بين الدول النامية، وبينها الدول العربية، أي الارتقاء بالتصنيع في إطار هذا التكامل".

وبعد أن تغوص الورقة عميقا في بحور مقومات التكامل العربي، والصعوبات التي تواجهه، تخلص إلى مجموعة التوصيات من بين الأهم فيها:

أ- الالتزام السياسي بوقف تفكيك النظام الإقليمي العربي، ووقف تفكيك الدولة العربية.

ب- الالتزام بالتصنيع في إطار التكامل الصناعي العربي مع إيلاء الأسبقية لتعميق سلاسل القيمة الصناعية العربية.

ج- الالتزام بتنفيذ اتفاقيات وتفعيل مؤسسات التكامل الاقتصادي خاصة الصناعي، وربط السياسات الاقتصادية والاجتماعية التنموية بالسياسات الصناعية.

د- الارتقاء بجودة التعليم العام والجامعي والتعليم الصناعي والتدريب المهني للارتقاء بمهارات وانتاجية العمالة العربية فى عصر اقتصاد المعرفة، وما يفرضه من ضرورات الارتقاء بالمحتوى المعرفي والقيمة المضافة لمنتجات الصناعة التحويلية العربية.

وتختلف معالجة ورقة د.الحافظ عن سابقتها، بتركيزها على "معوقات قيام السوق المشتركة"، من خلال تسليطها الأضواء على تساؤل مهم هو: "لماذا أخفق العرب في إقامة سوق عربية مشتركة؟"، تلخص الورقة تلك الأسباب في مجموعة من المعوقات التي "اعترضت طريقهم (العرب)، أولها سياسي، حيث تغيب الإرادة الحقيقية بين القادة العرب أنفسهم لإطلاق السوق، رغبة في الحفاظ على مصالح ضيقة أو حتى بفعل الخوف من سيادة منطق الهيمنة الاقتصادية من قبل دولة على أخرى. يعزى السبب الرئيسي لهذا الخوف إلى ضعف واضح في الثقة المتبادلة ما بين أجهزة العمل العربي المشترك على مستوى الالتزام بالقرارات وتنفيذها، ابتداءً من جامعة الدول العربية ومجالسها ولجانها وصولاً إلى العديد من الاتحادات والمنظمات العربية التي تعمل تحت مظلتها. زد على ذلك الحروب التي نشبت ولا تزال تستعر داخل الدول العربية وبينها". ولا تخفي الورقة أنه مقابل الكثير من الإخفاقات التي عرفتها مسيرة السوق العربية المشتركة، هناك أيضا العديد من الإنجازات التي لا ينبغي الاستهانة بها. من بينها، كما تسرد الورقة قدرة الدول العربية على الوصول إلى "مرحلة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (غافتا)، والتي تعدُّ حتى الساعة من أبرز ما حققته فتحاً لأسواقها وتحريراً لاقتصاداتها، (التي) تركزت على سبعة محاور رئيسية".

ومن القضايا اللافتة في الورقة التدرجية التطويرية التي تدعو لها من أجل الوصول إلى مرحلة السوق العربية المشتركة. وهنا يؤكد رمزي على ضرورة "تحديد خارطة طريق معكوسة لقيام السوق العربية المشتركة، فبدلاً من أن تبدأ من استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مروراً بالاتحاد الجمركي وصولاً إلى السوق العربية المشتركة، يتم الانضمام أولاً إلى منظمة التجارة العالمية، من ثم استكمال منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى فالاتحاد الجمركي وتحرير الخدمات والعمالة وانتقال رؤوس الأموال، (من أجل تحقيق) السوق العربية المشتركة".

وتؤكد الورقة على أن "إنجاح تجربة قيام السوق العربية المشتركة سيعتمد على مأسسة هذه السوق عبر منحها صلاحيات واسعة وجعلها الانتساب إليها اختيارياً بما يكسح الألغام من طريق إنشائها. ويقتضي ذلك خلق مؤسسات وأجهزة خاصة تتولى وضع أسس السوق العربية المشتركة وآلية عملها والحوافز المرتبطة بها". ويذيل رمزي ورقته بمجموعة من الملاحق من بينها جدول يبين "مراحل التقدم نحو التكامل الاقتصادي".

تعليق عبر الفيس بوك