حقوق الإنسان في العالم الإسلامي

ناصر مُحمَّد

يتميَّز العالمُ الإسلامي بموقفه الفريد من مفاهيم حقوق الإنسان؛ فمنذ إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وانهيار الدول الشمولية، قامتْ دول العالم الإسلامي بإصدار إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام في الخامس من أغسطس عام 1990م كردة فعل للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وصدرتْ كثيرٌ من الكتب والمقالات التي تحاول "أسلمة" حقوق الإنسان العالمية، كما حصل أيضا في أسلمة العلوم. كما أنَّ كثيرًا من حكومات دول العالم الإسلامي تؤيد هذه الموجة، وتؤكد على خصوصية هذه المنطقة في التعامل مع مفاهيم حقوق الإنسان وفقا لثقافتها.

ومُنذ انهيار جدار برلين في نهاية القرن العشرين، انهارتْ معه تلك المبادئ الكونية التي اتفق عليها دعاة السلام بعد الحرب العالمية الثانية، وتمَّ نحت مصطلحات جديدة ذات طبيعة تهديدية لكل ما هو كوني أو عالمي مثل العولمة والخصوصية الثقافية والمصلحة الوطنية. وبعد انهيار الأيديولوجيات بعد قلب الصفحة السوفييتية، ظهرت إشكالية الانتماءات في العالم، خاصة عند المهاجرين في الغرب المتعلْمِن الذي وضع دائما المهاجر -المسلم خصوصا- تحت مجهر الأخلاق الكونية. متدخلا بالتالي، عبر الإسلاموفوبيا، في أخلاقه الدينية التي لم تدخل بعد في ثورة لاهوتية مثلما حصل في المسيحية، مما جعل الفضاء السياسي والفكري للمسلم في رهان مع الفضاء الجديد الذي لايضع حدودا لحرية التعبير.

وفي ظل هذا الفراغ الأيديولوجي، والذي يشتد تأثيره في العالم العربي، ظهرت الأصوليات الدينية التي وضعت كل ما هو كوني في خانة "التابو" غير المفكر فيه مثل الليبرالية والعلمانية والديمقراطية...وغيرها من المفاهيم التي قد تهدِّد الفضاء اللاهوتي الإسلامي، والذي توِّج بإعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام عام 1990م. فقد حذفت منه كلمة "العالمي" وارتبطت بمنطقة جغرافية وهي القاهرة وحددت بالشريعة الإسلامية كأساس لتفسير حقوق الإنسان مثلما هي تلك المادة الشهيرة في أغلب الدساتير العربية.

وهنا.. تبدأ حالة طلاق أولية مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتَّضح ذلك في أهم مواد إعلان القاهرة؛ مثل: المادة (1) التي تنص على أن: "البشر جميعاً أسرة واحدة جمعت بينهم العبودية لله والنبوة لآدم وجميع الناس متساوون في أصل الكرامة الإنسانية وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو اللغة أو الجنس أو المعتقد الديني أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات. وأن العقيدة الصحيحة هي الضمان لنمو هذه الكرامة على طريق تكامل الإنسان. ولا يخفى هنا إشكالية تحديد العقيدة والدين الصحيحين أمام الديانات غير السماوية وتهديد حرية المعتقد".

كما تنص المادة 10 من إعلان القاهرة على أن: الإسلام هو دين الفطرة، ولا يجوز ممارسة أي لون من الإكراه على الإنسان أو استغلال فقره أو جهله على تغيير دينه إلى دين آخر أو إلى الإلحاد. جاعلة من حرية الأديان والمعتقد العالمي في حالة حرجة قد تتطور في المستقبل. ناهيك عن خطورة المادتين الأخيرتين 24 و 25 من إعلان القاهرة اللتين أكدتا على أن كلَّ الحقوق والحريات مُقيَّدة بأحكام الشريعة الإسلامية، وأنَّ الشريعة الإسلامية هي المرجع الوحيد لتفسير أي مادة من مواد هذه الوثيقة.

... يروِّج البعض فكرة أنَّ حقوق الإنسان الحديثة وجدت سابقا من خلال الحقوق الإسلامية، في حين أنَّ حقوق الإنسان الحديثة مرَّت بظروف مختلفة كانت غائبة عن العالم الإسلامي؛ مثل: الثورة اللاهوتية في القرن السادس عشر ضد النصوص المصاحبة للنص المسيحي المقدس. وبعدها، جاءت الفلسفة لتنظِّر للأخلاق الكونية من منطلق الإنسان نفسه لتفصل العقل عن النص، وبسبب الإنسان وحريته تحررت الأرض من الاقطاع إلى ثورة صناعية كونت طبقة كادحة فقيرة من العمال، وهنا بدأ يظهر ما يسمى لاحقا "الجيل الأول" من حقوق الإنسان القائم على المذهب الليبرالي الفرداني؛ مثل: حق الحياة وحرية الرأي والتعبير والمعتقد والعدالة. وفي منتصف القرن التاسع عشر، بدأت بوادر فلسفة جديدة ذات ميول اشتراكية تلوح في الأفق بسبب الأوضاع البائسة الناتجة من حقوق الجيل الأول، وبدأ العمال بالمناداة بحقوق "الجيل الثاني" وهي الحقوق العمالية والعمل والتعليم، وفي ظل هذه الحقوق قامت الحركات النسوية في الغرب بالدفاع عن حقوق المرأة السياسية والمدنية وحقهن في العمل والأجر العادل.

وكان للعالم أن يمر بحربين عالميتين ضد الفردانية والرأسمالية والأيديولوجيات لكي تنتصر الجماهير معلنة عن إتاحة المجال للحقوق الاشتراكية لمزاحمة الحقوق الليبرالية عبر العهدين الدوليين عام 1966م.

تعليق عبر الفيس بوك