إجازات المناسبات الدينية والوطنية

علي المطاعني

الاحتفال بالمناسبات الدينية والوطنية لا يكون بتعطيل المصالح والأعمال، ومنح الإجازات للعاملين في قطاعات الدولة؛ فلا الدين يحثُّ على ذلك ولا العقيدة تُلزمنا بذلك، ولا حب الأوطان يُقاس بالإجازات في أيامنا الوطنية وتعطيل العمل في أركان البلاد وعلى العباد، وإنما الاحتفال من خلال العمل والتضحية والجدية ونكران الذات التي تحتاجها الأوطان في هذه الظروف الراهنة والتحديات الماثلة أمامنا؛ الأمر الذي يتطلَّب بلورة لفكر أفضل في الاحتفاء بالعيد الوطني، ويوم النهضة كمناسبات وطنية؛ فهي ليس يوما للتعازي، أو النكبات وإنما أياما وطنية لها دلالة على النهضة والتطور الذي يجب أن يستمر العمل فيها بغير التعطيل.

ومن جانب آخر، فالاحتفاء بالمناسبات الدينية كالإسراء والمعراج والمولد النبوي ورأس السنة الهجرية لا يجب أن يكون بتعطيل العمل؛ فلم نرَ المساجد في هذه الأيام تعج من الصباح الباكر تحتفي بهذه المناسبات، وإنما يزداد فيها النوم والتيميمم إلى وجهات خارجية.

فبلا شك، يجب أن يكون الاحتفاء بالمناسبات الدينية والوطنية عبرة وعظة نتوقف عندها ونتذكر عظمتها علينا كمواطنين ومسلمين، ومحطات توقف نعيد فيها حساباتنا وأولوياتنا الوطنية، لكي نشرع من جديد لبناء أنفسنا دينيا ووطنيا، وليس الاسترخاء والكسل والخمول الذي ينتج عن هذه الإجازات؛ فمنح الإجازات بحد ذاته عامل لإضفاء هذه الصفات.

... إنَّ العديدَ من الدول العربية والإسلامية لا تعطل في هذه المناسبات الدينية، بل ليس هناك سبب واضح في السلطنة أن تعطل المصالح في هذه المناسبات الدينية دون أي مناسبة لإحيائها من قبل الجهات المختصة يتطلب حضورا يتفرغ فيه الموظفين للاحتفاء في الصباح وقت الدوام، بل إنَّ بعضها يحتفل بها في المساء مما لا يدعو إلى تعطيل يوم كامل عن العمل، بل ليس هناك عرف ديني بضرورة الإجازة في هذه المناسبات.

كما أنَّ المناسبات الوطنية -مثل مناسبة يوم النهضة، الذي يُصادف 23 من يوليو- ففي هذا اليوم يجب أن نشحذ الهمم لمواصلة الدرب وتعزيز العمل الوطني من خلال الإخلاص في العمل والتفاني والاحتفاء في أماكن العمل بالمزيد من التضحية لحب الوطن، وليس تعطيل طاقات العمل والفكر، وينسحب الأمر كذلك على مناسبة العيد الوطني وتعطيل العمل يومين في شهر نوفمبر فما هي القيمة المضافة لهذه الإجازة.

إذا كانت طبيعة المرحلة الماضية التي شرعت فيها الإجازات تقتضي ذلك لأمور عديدة، فإنَّ المرحلة المقبلة تختلف كليًّا عن مقتضيات تلك الفترات التي كانت لها ظروفها وأسبابها، هي ما يُحتِّم التفكير في إلغائها؛ فمثل هذه الإجازات -البالغة ستة أيام في السنة- مسوغاتها غير كافية وقوية وفقا لطبيعة المرحلة الراهنة والمقبلة.

فاليوم -على سبيل المثال- تعطيل ستة أيام في السنة بالنسبة للاقتصاد والقطاع الخاص بدون دواع قوية -إلا إحياءً للمناسبات- يُكلف الشركات -على سبيل المثال- في اليوم الواحد ما يزيد على عشرين مليون ريال يوميًّا إذا حسبنا أنَّ عدد العمالة في هذا القطاع أكثر من مليون و700 ألف عامل، ومتوسط الأجور 10 ريالات في اليوم، فإنَّ في 6 أيام يتكلف القطاع الخاص أكثر من 120 مليون ريال، فضلا عن تعطل المصالح غير المنظورة وتأخر العمليات مع الدول الأخرى...وغيرها من السلبيات التي يمكن تفاديها، وليس ذلك خسارة لاقتصادنا في نهاية المطاف وما يترتب عليه يكون المواطن هو الخاسر الأكبر فيه.

... إنَّ إجازات أعياد الفطر والأضحى المباركيْن علينا وعلى الأمة الإسلامية والمسلمين جمعاء في هذه المعمورة، لهما من المسوغات ما يستوجب تعطيل العمل فيهما، وهو الاحتفال بهما كغيرنا في العالم، لكن أن نعطل في أيام يجب أن نعمل بها هو ما يجب تجاوزه في كل الأحوال.

وبالطبع، فالاحتفالات والمناسبات مطلوبة وإيجابية، ولكن لا يجب أن تقترن بتعطيل المصالح وما يترتب عليها من خسائر، ومسوغاتها غير كافية.

نأمل أن يُعاد النظر في هذه الإجازات غير المبرَّرة، ويكون الاحتفاء بها بعد الدوام إذا كانت هناك احتفالات فردية أو جماعية؛ فمقتضيات المرحلة تستدعي مراجعة هذه الإجازات في هذه المناسبات التي لا تدعو ولا تحث على تعطيل العمل، وإنما العكس صحيح من ذلك.

تعليق عبر الفيس بوك