عفوا سيدي الوزير القادم من واشنطن 2– 2

عبيدلي العبيدلي

تناولنا في الحلقة الأولى التحرك الأمريكي السياسي الذي من شأنه ضمان ترسيخ ثوابت الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية، لكنه يفقد نسبة عالية من حظه في النجاح ما لم ترفده ركيزته الرئيسة الأولى التي تمده بالبعد العسكري الذي يتمحور حول صفقات السلاح التي تعقد بين كل دولة من دول الشرق الأوسط، وعلى رأسها الدول العربية من جانب، والعواصم الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن من جانب آخر.

في البدء لا بد من الإشارة إلى ظاهرة تنامي سوق السلاح الأسيوية، فوفقا لتقرير نشره موقع " أورينت برس" الإلكتروني، تجمع التقديرات على "نمو سوق الأسلحة الآسيوية في المستقبل، بحيث إن موازنات الدفاع في آسيا ستكون عام 2020 أعلى بنحو 50 في المائة مقارنة بما كان عليه في عام 2012، فيما موازنات الدفاع في الولايات المتحدة وأوروبا ستكون أقل بـ20 في المائة مقارنة بما كانت عليه عام 2012. فالاقتصاديات في الشرق الآسيوي تتقدم بينما أسواق الغرب تتراجع".

وفي هذا الاتجاه تتميز سوق السلاح العربية، عن سواها من الأسواق الآسيوية الأخرى، بسرعة وتيرة تناميها أولا، وضخامة الصفقات التي تعقد فيها ثانيا. ويقف وراء هذا التميز عاملان أساسيان: أولهما اتساع نطاق الصدامات العسكرية على المستوى الجغرافي، وتطورها نوعيًا على مستوى كل منطقة على حدة. فلقد تطورت المعارك في بلدان مثل سوريا وليبيا، بل وحتى اليمن، من مجرد معارك قريبة من حروب العصابات المتفرقة، والمحدودة من حيث دوائرها الجغرافية أو نوعية الأسلحة المستخدمة فيها، إلى معارك تتقابل فيها جيوش بحوزتها أكثر الأسلحة تطورا بما فيها الطائرات والصواريخ والمدفعيات الثقيلة. ولذلك نجد أن معظم التحليلات "تشير إلى أن الجيوش العربية -ضمن جيوش الشرق الأوسط -تعتبر من أكثر جيوش العالم تسلحاً، فنسبة مقتنيات دول المنطقة من السلاح تبلغ 40% تقريباً من مجموع صادرات السلاح فيالعالم. أما ثاني ذلك العاملين، فهو الوفرة المالية والسيولة النقدية التي تؤمنها الفوائض النفطية، التي تسهل عمليات توقيع الصفقات الضخمة وبوتائر متسارعة.

حالة العسكرة الملحوظة التي تعيشها المنطقة العربية تكشفها التقارير والدراسات الصادرة عن مراكز موثوقة متخصصة، بما فيها تلك التي تمارس أنشطتها في البلدان الغربية المصدرة للسلاح.

فتنقل الكاتبة سامية عبد الله، على موقع "شؤون خليجية" مقتطفات من تقرير صادر عن (معهد أبحاث السلام الدولي في ستوكهولم "سيبري")، جاء فيه "أن الولايات المتحدة شكلت ما يقرب من نصف إجمالي مبيعات الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط، وكانت أمريكا على رأس أكبر مُصدري السلاح في العالم في السنوات الخمس الماضية، مضيفة أنّ الحرب على (داعش)، " تعني نفقات بملايين الدولارات لشراء قنابل وصواريخ وقطع غيار للطائرات، وتؤمن حججاً إضافية من أجل تمويل تطوير طائرات فائقة التقدم من مقاتلات وطائرات مراقبة وطائرات تموين".

تقرير آخر صادر عن المركز ذاته "سيبري"، يؤكد كما ينقل عنه الكاتب شمس العياري، أن "حجم الإنفاق العسكري في العالم العربي ارتفع (في العام 2015) بنسبة 5 بالمائة مقارنة بعام 2014. تشكل السعودية نصيب الأسد في ذلك، حيث ارتفع حجم الإنفاق العسكري فيها بنسبة 17 بالمائة ليصل إلى نحو 81 مليار دولار، بحسب المعهد، فيما ارتفعت النسبة في كل من لبنان والعراق بنسبة 15 بالمائة. وإذا ما ثبتت إمكانية نجاح إيران في صنع سلاح نووي، فمن غير المستبعد أن تسعى السعودية بدورها إلى كسب سلاح نووي أيضا، ربما بطريقة تختلف عن الطريقة الإيرانية، ولكن السعوديين لن يتوانوا في الدخول في سباق نووي في المنطقة".

وتجدر الإشارة هنا إلى أن قيمة صفقات الأسلحة مع دول مجلس التعاون الخليجي، قد ارتفعت، كما ينقل موقع "تقرير"، (http://altagreer.com) إلى "68 مليار دولار خلال السنوات الخمس الأولى لأوباما في منصبه، وهو الرقم الذي يتجاوز ثلاثة أضعاف الـ 22 مليار دولار في مبيعات الدفاع لهذه الدول في عهد إدارة بوش بالكامل، وفقًا لأرقام جمعتها وكالة التعاون الأمني الدفاعي".

ولا تقتصر الفائدة الأمريكية من وراء هذه الصفقات على تعزيز فرص نجاح الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية فحسب، بل إنها تساعد على حل مشكلات داخلية يفرزها الاقتصاد الأمريكي المتعثر. هذا ما تؤكده مقالة نشرها موقع "تقرير"، شخصت "حجم الاستفادة الأمريكية من هذه الصفقات"، فأشارت أنه "على سبيل المثال في الإعلان عن صفقة لبيع 84 طائرة (بوينج) من طراز F-15S للسعودية، حيث خرج بعدها مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية والعسكرية (اندرو شابيرو) ليؤكد أن هذه الصفقة من شأنها أن تخلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل في 44 ولاية أمريكية".

لهذا نجد أن العديد من محللي الصناعة وخبراء الشرق الأوسط يؤيدون ما ذهب إليه كاتب المقال، ونشر آراءهم موقع (http://www.sasapost.com/how-america-benefited-from-the-wars-of-the-arabs/) التي تؤكد "أن الاضطرابات والتنافس المستمر على السيادة الإقليمية في المنطقة، سيؤدي إلى المزيد من الطلبيات على آخر الأسلحة المتطورة وأحدث الأجهزة ذات التقنية العالية في الصناعات العسكرية بمختلف أنواعها، ليصبّ ذلك كله في سباق تسلّح "خطير" ستشهده المنطقة التي تعيد رسم خارطة تحالفاتها بشكل حادّ".

تأسيسا على كل ذلك، يناشد المواطن الخليجي سعادة الوزير الأمريكي القادم من واشنطن بأن يكف عن مواصلة تغليف السياسة الأمريكية الشرق أوسطية التي، بغض النظر عن ادعاءات سعادة الوزير، لا يمكنها إلا أن تتنافى مع دعوات السلام التي يدعي أنه يدافع عنها، وليس في وسعها أن تعيش بعيدا عن حفلات قرع طبول الحرب، وتصاب بشلل قاتل يحبط كل من يحاول تنفيذها بعيدا أصوات المدافع عسكريا وألسنة نيران الحرائق الطائفية والفئوية اجتماعيا.

فعذرا يا سعادة الوزير بضاعتكم كاسدة، كما أن استراتيجيتكم مدمرة، مهما كان ظاهرها مغريا.

تعليق عبر الفيس بوك