سوق السيارات بين التقنين والاستغلال..

مسعود الحمداني

ضجة كبيرة أثارها قرار وزارة التجارة والصناعة حظر استيراد السيارات الصغيرة التي يزيد عمرها عن السبع سنوات، عارض البعض، وأيّد البعض، وانبرت وزارة البيئة والشؤون المناخية لتبرير وتأييد القرار، بحجة أنّه يحافظ على البيئة، وساقت مجموعة من المسوّغات لآثار المنع.

ولعل في قرار وزارة التجارة بعضاً من المنطق، الذي أرى ـ من وجهة نظر شخصية ـ أنّه يعزز من فرص عمر السيارة الافتراضي، ويقلل من الانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة، كما أنّ مواصفات الأمان في السيارات الجديدة عادة ما تكون أعلى، حيث تتسابق مصانع السيارات إلى تعزيز هذه المواصفات سنة تلو سنة..

كما أنّها من ناحية أخرى توفر حماية هامة لأصحاب معارض بيع السيارات المُستعملة الذين يمتلكون أو يستأجرون محلات يدفعون لها مبالغ الإيجارات، ورواتب العُمال، ومصروفات أخرى، في وجه (هواة) بيع السيارات الذين يتخذون من الشوارع والطرقات أماكن لعرض سياراتهم مجانًا، كما أنّ مثل هذا القرار متبّع في كثير من البلدان حول العالم وبشكل أكثر صرامة..

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو..أين كانت وزارة التجارة والصناعة طوال السنوات الماضية؟..ولماذا لم تطلع علينا وزارة البيئة والشؤون المناخية ببيان حول تأثر الأجواء العمانية باستيراد مثل هذه السيارات قبل هذا القرار؟!!..ثم هلا تساءلنا: لماذا يتّجه العمانيون لشراء السيارات من أسواق الدول المجاورة؟!!..وكم من المبالغ التي يتم صرفها لشراء مركبات مضى على عمرها الافتراضي أكثر من عشرين سنة أحياناً؟!!..ولماذا يفضلون استيرادها من الخارج بدلاً من شرائها من الداخل؟.

الجواب بدون لف أو دوران يكمن في (سياسة) السوق الاحتكاري الذي ساد السلطنة لعقود، والذي أمسك بخناق الأفراد، ولم يترك لهم خياراً غير الاتجاه للسوق الأرخص، وهي معادلة عادلة، فحين يجد المستهلكون السوق المحلية مرتفعة التكاليف والأسعار، يلجأون إلى الأسواق الأكثر قرباً ورخصًا، ورغم القرارات التي صدرت خلال السنوات الماضية بمنع الاحتكار، إلا أنّها لم تكن كافية لتخفيض الأسعار، أو خلق سوق تنافسية قادرة على الوقوف في وجه (غيلان) وكلاء السيارات، وهذا أمر طبيعي، نظراً للفارق المادي الكبير بين هؤلاء الوكلاء وبين التجار الجدد ذوي الموارد المحدودة جدًا، كما أنّ السلطنة في المقابل لم تستغل موانئها في تجارة (إعادة التصدير)، وهذا جزء من المشكلة حيث يتجه المستهلكون إلى أسواق الدول المجاورة والتي اشتغلت على هذا النوع من التجارة، واستفادت منها، ونجحت في تسويقها بشكل جيد، فمعظم السيارات التي يتم جلبها من الولايات المتحدة واليابان والتي يعاد بيعها هي في الواقع سيارات وقعت عليها حوادث، أو تمّ بيعها في البلد الأم لأسباب مختلفة، ورغم ذلك فقد نجحت (الدول الوسيطة) في الاستثمار في هذا القطاع الهام، وجذبت إليها الزبائن من دول مختلفة، بينما كان بالإمكان أن تقوم مثل هذه التجارة عبر موانئ السلطنة، وبتكلفة أقل، وبمواصفات فنية يمكن التحكم فيها من الجهات المعنية، بدلاً من هدر الأموال خارج البلاد، إلا أن ذلك لم يتم للأسف بالشكل المطلوب.

مرة أخرى..قرار وزارة التجارة والصناعة ليس سيئاً كله، ولعله يصب في صالح المواطن، ولكن في الجانب الآخر يجب على الوزارة (الحكومة) دراسة حلول أخرى بديلة، وأكثر واقعية، فالسيارات التي تسير على طرقات السلطنة تجاوز عمر كثير منها العشرين عامًا، وهذا ما تعتبره وزارة البيئة والشؤون المناخية مصدرا للتلوث!!..رغم أنّ سبب هذا التلوث ليس السيارات الصغيرة، وإنما هي المركبات الثقيلة التي لا يمكن التحكم في دخولها وخروجها للسلطنة.

كما أنّ إقامة أسواق خاصة لبيع السيارات المستعملة قد تنظم هذه العملية، إضافة إلى ضرورة التشدد في المواصفات الفنية، والفحص الدوري للمركبات التي تجاوز عمرها العشر سنوات، وقبل هذا وذاك يجب مراقبة أسعار وكالات السيارات، وهامش الربح الذي تتقاضاه نظير استيراد حصتها من السيارات من المصانع الأم، والذي يفوق أحيانا الحد المعقول، وهذا دور الهيئة العامة لحماية المستهلك.

صحيح..أن عبئا ماديا سيضاف على كاهل الراغبين في اقتناء سيارة جديدة / قديمة، ولكن ذلك لن يقلل من (اندفاع) الأفراد لشراء المركبات من الدول المجاورة، إذا لم يتم علاج المشكلة من الجذور، ومراقبة سوق السيارات و(تقنينه) بشكل لا يتيح استغلال الثغرات في القانون الجديد.

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

تعليق عبر الفيس بوك