الجمعية العمانية للكتاب والأدباء تكرم عائلة بن دارس والمشاركين في تأبينه

مسقط - الرؤية

احتضنت الجمعيّة العمانية للكتّاب والأدباء أمس الأول بمقرها بمرتفعات المطار أمسية تأبين الكاتب علي الزويدي والمشهور بـ "بن دارس"، في أجواء غلب عليها الطابع الإنساني والحضور الأدبي والثقافي، حيث تآلف كل من أفراد عائلته ومحبيه في حضور استثنائي، وضمن مشهد مغاير.

وفي الليلة الاستثنائية التي قدمها الشاعر عوض اللويهي، كانت البداية مع كلمة

خميس العدوي رئيس الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، الذي قال: نلتقي ونحن نجمع بين الحب والأمل، وهذه طبيعة الحياة بلا شك، ومشيئة الخالق سبحانه وتعالى في عباده، لا أحد مخلدّ وكلنا ذاهبون حيث الحياة الأبدية، لكن في المقابل يجب أن ندرك تمام الإدراك إن الحياة البشرية لا تتجدد إلا وفق الحياة والموت، والإنسان شاهد في الحياة وما يجري بها من تناقضات وأحداث لكن في المطاف حتما سيصبح خبرا ضمن صروف الغياب، والكاتب علي الزويدي-رحمه الله-، لم يعبر هذه الحياة عبور الكرام، وإنما ترك أثرا كبيرا وبالغا، فهو دائما ما يكون حاضرا بضمير الكاتب والمتقصي والحريص على هذا الوطن ومقتضياته، كان لقلمه بوح لا يستريح، يصول ويجول، لم يكن يعرف المجاملة، فهو المؤمن بقضايا وطنه وقداسة حضارته.

وأضاف العدوي: كانت معرفتي بعلي الزويدي من خلال ما قرأت له في الصحف وما يكتبه من مقالات خاصة وإنه يحمل صدق المعلومة داعما لها بكل ما يزكيها من إحصائيات وأرقام. فأنا اشهد له بعضا من اللقاءات الرائعة الخفيفة الرقيقة والمهذبة في آن واحد، فهو يتمتع بروح طيبة خفيفة لا تمل، ويكتب لأجل عمان ورسالته الإنسانية. وختم العدوي كلمته: اليوم ومن خلال هذا التجمع نكرّم أنفسنا ونقول للجميع بأنّ الزويدي كان قدوة في الكتابة.

وكان لوالد الراحل عبدالله بن محمد الزويدي حضور القلب الحاني الممتزج بالعشق الأبوي، وألقى شهادته نيابة عنه الباحث جمعة البطراني قائلا: إن العين لتدمع والقلب يبكي ألما، إن عزائي في فقدك يا علي هو تلك الروح التي تحمل الفخر والاعتزاز بالوطن ودعوتك المستمرة للذود عن الوطن والمواطن، وكفاحك وصبرك طوال حياتك الذي سطرته من أجل هذا الوطن الغالي وشعبه الوفي الذي سيبقى تاج فخر واعتزاز على قلوبنا جميعًا، متضرّعين للمولى عز وجل أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك وأعمالك الصالحة وأن يجمعنا بك في دار الخلد على سرر متقابلين. كما وصفت شهادة والده بأنّ الكاتب الزويدي كان مجتهدًا ومثابرًا في تعليمه مما أهله ليكون ضمن العاملين في نطاق الطيران المدني في السلطنة.

فيما تقدم (ابن الكاتب الزويدي) محمد بن علي الزويدي بكلمة شكر وثناء على ما قامت به الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء وإظهار سيرة والده بالمقام اللائق والمشرف، موضحا ما تمر به الأسرة من معاناة يومية إثر الفقد والغياب، متوجها بحديثه حيث العمل وإعطاء الضوء لسيرة والده في عالم الكتابة، وإيصال أثره لأكبر شريحة ممكنه من متابعيه، كما توجه بالشكر الجزيل لكل من ساهم وتفاعل وعمل على أن يخرج حفل التأبين على أكمل وجه، مبينا أنّ الحضور الثقافي في تلك الليلة ما هو إلا دليل على أهميّة ما سطرته أنامل والده ونقل على أرض الواقع في صور شتى.

أمّا الكاتب والروائي محمد اليحيائي، فاستعرض ورقة بعنوان (معارك علي الزيدي الرابحة ومعركته الخاسرة) ومن خلالها بيّن اليحيائي أنّ الكاتب علي الزويدي من مؤسسى الجمعية العمانية للكتاب والأدباء والفاعلين في ظهورها وبيان حضورها في المشهد الثقافي العماني، وأضاف: من بين من عرفت من كتّاب ومثقفي هذه البلاد ممن انخرطوا بتفاني منقطع النظير، في الشأن العام، وانشغلوا بقضايا المجتمع والإنسان، أكثر من انشغالهم بأنفسهم وكان علي الزويدي في مقدمة هؤلاء. وأضاف اليحيائي: لم أجد هنا في هذه البلاد من ينطبق عليه وصف المثقف العضوي الملتزم قضايا المجتمع والناس التزامًا مبدئيًا صارمًا أكثر من علي الزويدي، لقد عانى علي الزويدي من التجاهل وعدم الاعتراف طويلا. وتابع: أنّ التغيير الذي أحدثته معارك الزويدي في صفوف السلطة مهم للغاية، و"بن دارس" لم يكن كاتبا منافحًا عن حقوق الإنسان والمجتمع فحسب ولم يكن الكاتب المشاغب الذي قد يبدو للآخرين ضاربًا عرض الحائط بالتزاماته الاجتماعية والأسريّة، لقد كان ربّ أسرة ملتزمًا لأسرته وأطفاله، لطالما وضع على حائطه في الفيسبوك صوره مع أبنائه في رحلاته الترفيهية العائلية. وكان الزويدي محاربًا ذربًا خاض معارك على جبهات عديدة دفاعا عن حق المجتمع في المعرفة والمعلومة ودفاعاً عن حرية الكلمة والتعبير.

وعرضت الشاعرة أميرة بنت مبارك العامري قصيدة شعرية كتبها والدها في الكاتب علي الزويدي بعد وصوله خبر وفاته مباشرة بعنوان "رحيل موجع كما جرح غائر" وتقول القصيدة:

يجلدنا الغياب كل آن

بألف سوط

في حين تزحف خفافيش الوطن

إلى حيث تنسج الأحلام ثوبها البسيط

ضاقت بنا جلودنا

والفرح

ذلك النادر الذي نتسقاه كالندى

نصبوا له الفخاخ إثر كل غيمة

فغدا مثل طريدة في البرية

وكان من بين المشاركين، الدكتور المعتصم البهلاني الذي استعرض ورقة بعنوان (بن دارس، الكتابة بغمر). وأكّد البهلاني أنّ علي الزويدي المعروف إلكترونيا بـ "بن دارس"، هو أحد رواد الكتابة الإلكترونية في السلطنة، منذ البدايات المتواضعة منذ إنشاء سبلة العرب، فهو أول من أسس للكتابة والتدوين الإلكتروني من خلال نمط مختلف ومغاير، والمتتبع لـ "بن دارس" لا يمكنه إلا أن يذهل بأسلوبه الرشيق في الكتابة وصدره الرحب في النقاش، وأدبه الجم عند الاختلاف، "بن دارس" ترك أرثا إلكترونيا كبيرا كان له أثره البالغ في الأحداث التي مرت بالبلاد، فقد نذر نفسه لفضح الفساد وتعريته مهما كان مصدره. وأضاف البهلاني: المشهور عن "بن دارس" أن كتاباته تمتاز بالتحليل المستند على الأرقام والحقائق، أو ما يعرف مع الناس بـ (بلغة الأرقام)، ولهذا كان يلجأ "بن دارس" إلى لغة معقدة، ولم يتمترس خلف العبارات اللغوية البلاغية، كما طرح "بن دارس" العديد من العناوين المشهورة من أهمها (ملفات الفساد الإداري وإهدار المال العام).

وأشار البهلاني إلى أنّ الزويدي لم يجد ضالته المنشودة في وسائل التواصل الاجتماعي والتي توفر مساحة التدوين الصغيرة والمقصود هنا التويتر، لكنه كان عضوا فاعلا في صفحته في الفيسبوك والتي تبدو المتنفس الأكثر حرية له ككاتب حر، كان كمن يسقي المال الجاف بغمر الكتابة.

وكان الختام مع الكاتب الدكتور عبدالله الغافري الذي جاء بشهادة ذاتيه حملت عنوان (الجانب الإنساني في شخصية علي الزويدي) ألقاها نيابة عنه محمد بن عبدالله العبيداني، ومن خلال هذه الشهادة أورد الغافري تفاصيل العلاقة الإنسانية التي تربطه بالزويدي والأسرية في آن واحد، فالزويدي المهندس المولود في 17 يوليو 1962 في مدينة نزوى، وتلقى تعليمه في مدرسة أحمد بن عبدالله الخليلي وتنقل بعدها إلى مدرسة سلطان بن سيف اليعربي، كما أنّه درس الطيران في جامعة أمبري ريدل في فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية، كما درس الماجستير في هندسة الطيران وتخرّج بدرجة الماجستير عام 2001م.

وأوضح الغافري أنّ علي الزويدي كان كاتبًا متمرسًا في الشؤون المحلية والسياسية، ويمتاز بشخصية صادقة وبسيطة غير متكلفة. وهذا يلمس من كتاباته التي تمثل المواطن البسيط. كما له حس علمي قد تتضح في جميع كتاباته المدعمة بالحقائق والأرقام والمصادر، ويمتلك الزويدي شجاعة نادرة في طرقه لمواضيع كتاباته والدفاع عنها، ولديه صبر ونفس طويل على مخالفيه في الرأي. وفي ختام الأمسية كرم رئيس الجمعية المشاركين في الندوة ومن بينهم أسرة الراحل علي الزويدي.

تعليق عبر الفيس بوك