الرسالة المحمدية جاءت لتزكي خلق البشرية وترتقي بها إلى أعلى مراتب السلوك اﻹنساني

مسقط - سامية الراشديَّة

جاءتْ الرسالة المحمَّدية -على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم- لتزكي خلق البشرية وترتقي بها من الدون إلى أعلى مراتب السلوك اﻹنساني، ولقد صرَّح نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وقال: "إنما بعثت ﻷتمم مكارم اﻷخلاق"، ولو تأملنا نص الحديث قليلا لماذا قال الحبيب المصطفى محمَّد -عليه الصلاة والسلام- مكارم اﻷخلاق ولم يقل اﻷخلاق؟

وهل هناك فرق فعلا يذكر.

إنَّ اﻷخلاق لفظ عام يشمل الحسن والسيئ منه؛ فكل إنسان لديه خلق، ولكن يتعين ذلك الخلق بالحسن والقبح حسب مرآة الشريعة السمحة، ولا ينفك هذا الخلق عن اﻹنسان ﻷنه وصف لسلوكه وأفعاله؛ فلذا على المسلم أن يسلك السلوك الذي ينعت بالحسن ليتصف باﻷخلاق الحميدة.

محمَّد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- قد ساد ذكره سيدا ﻷصحاب اﻷخلاق الحميدة، كيف كان محمَّد مع نفسه؟ كيف كان محمَّد مع أهله؟ كيف كان محمَّد مع قومه؟ كيف كان محمَّد مع عدوه؟ بل كيف كان محمَّد مع هذا الكون بأسره؟

أيُّها المحب لمحمَّد -صلى الله عليه وسلم- تعال بنا نقف مع سلوكه وخلقه مع نفسه وكيف أحسن إليها وما ذلك إلا لحسن خلقه.

نشأ محمَّد عليه الصلاة والسلام بين أهله وكافليه من جد وعم وداخل قومه وتعامل معهم وارتقى بنفسه؛ حيث يذكر عنه أنه تعلم خمس مهارات في طفولته وهي مهارة القيادة بمجالسة رؤساء قريش مع جده ومهارة الرعي ومهارة التجارة ومهارة الرماية ومهارة السباحة، فلم يترك نفسه دون مهارة توجه سلوكه اليومي كما هي حال الكثير من الشباب اليوم هدانا الله وإياهم إلى الطريق المستقم.

فمن اﻹحسان إلى النفس أن ترتقي بها وتحسن إليها بالتعلم والتدرب؛ حيث تكون نفس يحتاجها المجتمع، ويطلبها لا نفس يأبها المجتمع وبنفر منها بسبب اتكالها وقلة نفعها.

أيُّها المحب لمحمَّد -صلى الله عليه وسلم- يا من تقرأ هذه السطور عليك أن تعرف أن محمَّد جعل سلوكه منظومة من اﻷخلاق الحميدة فلم يتمسك بخلق على حساب خلق، ولم ينفك عنه السلوك الحسن حتى في أصعب المواقف وأحلكها.

محمَّد الصادق اﻷمين التي لهجتْ بها لسان قومه كانت قبل الدعوة إلى الله ونزول الوحي وكفرهم وعتوهم لم تكن مبررا لترك هذا الخلق، وقد أحسن إلى نفسه بتمسكه بها وكانت حجة عليهم يوم بعثته وتهمتم له بالكذب.

أيُّها القارئ الكريم، إنَّ رحمة محمَّد بمن يعاشرهم ويتعامل معهم جعلت القلوب تألفه حتى بعد ما جاء بما يصادم عادتهم وفكرهم فقد أسر قلوب الكثير منهم من لم يتجاوز ستة عشر عاما ومع هذا ارتمى في أحضان الدعوة وما ذلك إلا للخلق الجذاب الذي أسر القلوب.

إنَّ شخصية محمَّد -عليه الصلاة والسلام- لتتمثل بين ناظري محبيها بأجمل حلة لحبهم إياه ولكن هذا ليس مقتصرا عليهم بل حتى أعداء رسالته قد سطرت أقلامهم مديحه والثناء على شخصه الكريم وما هذا إلا ﻷنه توجه بسلوكه إلى ما يجعل اﻵخر يقدره يحترمه.

ونحن نعيش اليوم، نجد أن صاحب الخلق الكريم يدخل في القلوب دون إذن ودون مزيد معرفة بشخصه وهو لا شك يعتريه النقص لعدم عصمته فكيف بمحمَّد المعصوم الذي كان خلقه القرآن وقد زكى الله سلوكه بقوله جل في علاه "وإنك لعلى خلق عظيم". وعندما سئلت زوجه عنه، قالت: "كان خلقه القرآن".

وإنه ليؤسف القلب أن لو سئلت زوجات اليوم عن أزوجهن فكم واحدة ستجيب أنه كان خلقه القرآن، وكذا اﻷزوج كم واحد سيقول كان خلقها القرآن. أعزائي الكرام إن تمثلنا بالخلق الحميد قبل أن يكون إحسانا للغير فهو إحسان ﻷنفسنا وهو نفع لسيرتنا وسلم للرقي بين اﻷمم ووسيلة للسيادة فوق الحضارات، الخلق الحميد يرشد النفوس إلى أعظم المقامات وأعلى الرتب فهلا تمثلنا باﻷخلاق الكريمة لنسطر معالم أشخاصنا بالفعل الصادق لا بالقول الذي يعتريه التزييف.

تعليق عبر الفيس بوك