زلابية رمضان

أحمد الرحبي

هناك مثل شعبي طريف يظهر مدى ولع المجتمعات العربية بالزلابية تناقله الناس منذ القدم يقول: هانت الزلابية حتى أكلها بنو وائل.. ولا ندري لماذا خص المثل بني وائل بالذات بالرغم من أنه في رواية أخرى يقال : هانت الزلابية حتى أكلها بنو قريضة. هذه الزلابية التي لم تسلم من فتاوي التحريم وهو الأمر الطريف الآخر الذي تناقلته بعض الصحف بورود فتوى على لسان أحد الشيوخ بتحريم الزلابية التي أمعن الشاعر ابن الرومي في وصفها حتى شبه جمالها بالذهب. نفس هذا الولع بالزلابية و في عصر الانترنت وشبكة التواصل الاجتماعي الإلكترونية دفع عددًا من الشباب في إحدى المدن العربية إلى تأسيس مجموعة إشهارية على موقع شبكة التواصل الاجتماعي الفايسبوك يدعون فيها الصائمين لتناول مختلف أنواع الزلابية التي تشتهر بها بعض مناطق مدينتهم ومواقع المحلات التي تبيعها والتي يقصدها الصائمون من مختلف أنحاء المدينة مما يجبرهم على الانتظار في طوابير طويلة أملا في الظفر برطل من الزلابية الشهية.

ويوصف تقرير صحفي بعنوان (زلابية لمن استطاع إليها سبيلا) الوضع في الإقبال على شراء الزلابية منذ حلول شهر رمضان في مدينة عربية أخرى وحالة الطوابير الطويلة أمام محلات بيع الزلابية حيث أصبح من العسير على كبار السن والأطفال التقدم أمام هذه المحلات التي تحولت إلى مكان لعرض العضلات حيث إن التزاحم والملاسنات الكلامية بين الزبائن الذين معظمهم من الشباب والذين لا يفوتون فرصة التهافت الجنوني لاقتناء الزلابية رغم النوعية الرديئة المعروضة في بعض هذه المحلات. وفي نفس سياق رصد حمى التهافت على الزلابية في رمضان يذكر تقرير صحفي آخر أن بعض المحلات التي كانت تمتهن الحلاقة والتجميل وأخرى تبيع الكتب والأدوات المدرسية تحول أصحابها بين ليلة وضحاها في رمضان إلى بيع الزلابية بهدف تحقيق الربح السريع نظرًا للإقبال المنقطع النظير على الزلابية خاصة أصحاب الدخل الضعيف الذين يلجأون إلى أصحاب هذه المحلات بسبب الأسعار المنخفضة مقارنة مع المحلات الأخرى المتخصصة في صناعة الزلابية والحلويات ضاربين بذلك بالاشتراطات والقوانين الصحية بعرض الحائط.

والزلابية هنا مثال يوضح أنه كلما أدت المغالاة في التمسك ببعض العادات الرمضانية وممارستها بحذافيرها أدى ذلك إلى الوقوع في الشراهة والهجمة الاستهلاكية، فيكون رمضان هذا الشهر الفضيل فاقعا بالطرافة من جانب صائميه وممارساتهم الشرهة، فلو أمعنا النظر في صورة رمضان من الزاوية الاجتماعية التي يختلط في تفاصيلها الشراهة بالقيم الاستهلاكية بالعادات الرمضانية التي يعاش بها شهر رمضان مأكلا ومشربا، لوجدنا بأنه في الواقع ما هو ممارس على صعيد بعض العادات التي يعاش بها رمضان يتنافى مع القيم الروحية والإنسانية التي يحظ عليها هذا الشهر الكريم.

هذا ومن المعتاد أن يتوافد في هذه الأيام الكثير من الأشخاص على الصيدليات لاقتناء أدوية تخفيف آلام الجهاز الهضمي، كنتيجة لحالات الشراهة والإقبال على الطعام، حيث تستقبل المصالح الطبية يوميا منذ بداية الشهر الفضيل 10 حالات في المتوسط لأشخاص يعانون وعكات صحية تتصدرها "أعراض التخمة" بسبب الإفراط في الأكل والشرب، وفي ظرف قياسي إذ بلغ عدد المصابين في العشر الأوائل من رمضان 10 آلاف شخص حسب إحصاء أجري في إحدى المدن العربية و أكبر نسبة في عدد المصابين بالوعكات الصحية هي بسبب التخمة أو ارتفاع الضغط الدموي وإختلالات السكري.

هذا مما يدلل بأن الناس وممارساتهم الحياتية الإستهلاكية والمادية الصرفة هم في وادٍ، وشهر رمضان بقيمه ومعانية وأخلاقه التي يحظ عليها هذا الشهر، في واد آخر، الأمر الذي يخلق فجوة واسعة بين معاني رمضان وقيمه التي يسعى من أجل غرسها في الناس من خلال التقيد به كفريضة دينية، وبين الناس الذين يستقبلونه كشهر للموائد الغاصة بما لذ وطاب من الأكل والشراب، بشيء من المبالغة والإسراف، إلى درجة إنقلاب الأمر في هذا الشهر من مجرد تحمل ودربة على الجوع والعطش وذلك من الإحساس بالفقراء والمعوزين، ومعايشة بعض مايعانونه من فقر وعوز، إلى نقمة تهدد صحة الجسد بالأمراض والآلام الناتجة عن الإسراف في الطعام.

تعليق عبر الفيس بوك