صراع الحياة

هلال بن سالم الزيدي*

الصراع من أجل البقاء في حياة مليئة بالنقائض والأضداد.. يكون صراعًا أزليا فكل نفستهفو إلى مسلماتها فتطفق ضرباً في مكونات الكون. فتزل أقدام لتصعد عليها أقدام أخرى..وتتجانس نفوس مع بعضها بعضًا..وتوغل أخرى في الضرب على فرص الحياة.. فهناك من يريد تحقيق ما تصبو له نفسه، وهناك من يريد أن يكون شوكة في خاصرة ثلة من البشر.. ليمارس عليهم قوّته وسطوته حتى يقتات وينتشي بوجوده.. فالأيديولوجيّات متخمة بروتين الحياة ومؤشر المعتقدات بين صعود وهبوط.. والأعمار تمضي ونحسبها من الأيام فتنضج الطفولة إلى الشباب وتنتكس القوة لتصير شيبة لا تقوى على حمل متطلبات الحياة. وتدور الدوائر بنفوس عجولة تريد كل شيء ولا تعذر من أي شيء.. يا له من صراع.. والحصيلة أجساد تندس في خرقة من وبر متناسية العبر.. فهي بين حضر وسفر وقليل من قناعات تؤمن بالقضاء والقدر.. فماذا جنت وماذا اقترفت.. فالساعات تعيد عدّها.. والأيام تكرر نفسها والشهور تتبدل وتتجدد..والسنين والعقود تطوي صحفا وتفتح أخرى.. والإنسان ينسى ويتناسى يتذكر ما يروق له ويدفن ما يتعارض مع هوى الذات.. فهل إلى يقظة وحساب قبل أن نقضي على أحلام يقظتنا؟ وهل من التفاتة لتأسيس أجيال صانعة عاملة كادحة بدلاً من أجيال مدللةمعطّلة القدرات؟ إذاً نحن بحاجة إلى وقفة صادقة وليس نظريات لا تتوافق مع متقلبات العصر.. فلنحتجب عن الظهور الصارخ بفقاعات الأناوالشهرة التي ستكون وبالاً وشيئا إداً.

كاتبٌ يكتب ويتمرغ بين الأحبار.. يجاهد لينزوي بنفسه.. ليستدعي الأفكار فيشحذ هممه ليعزف على وتر الكلمات فينتقي المفردات.. ويدلل الأحرف من أجل فكرة تنساق وفق أطر الحياة.. فيرسمها لوحة موناليزية ويسلسلها كنهر فاضت مياهه.. يبحث عن رصانة المعنى ويبحر بين شطآن المغزى.. فيضرب تارة.. ويجامل تارة.. ويسفك الدماء تارات أخرى.. كل ذلك من أجل من يقرأ ويبحث عن ذاته بين تلك السطور التي تأتيه جاهزة دون أن يقدم مقابلا لها.. فمنهم من يقف ويتسمّر مع تدفق الكلمات، ومنهم من يتغنى بسيمفونية الألفاظ فهي جزلة وسلسة وتحمل من المعاني ما لا يعيها الكل.. فهي مرسلة لك أنت أو أنتِ.. فلا تبخل بأن ترفع لها الهامة كونها عبرت عن فئة قليلة أو كثيرة.. ومهما كانت المقصائد ورقيها.. فهي لا تتعدى إلا أن تكون اجتهادا لنفس مجبولة على المتناقضات التي تشكل حياتكم جميعًا.. لذلك لا تخلو تلك الفكرة من إخفاق أو زيادة ونقصان.. لأنّها من إنسان إلى إنسان.. فتعد من متطلبات الحياة.

لا يمكن أن نرضي الكل، ولا يجب أن نكون على توافق مع الكل، لكن يمكن أن نؤمن بتعدد الآراء.. والاختلاف لا يعد نقيصة أو مفسدة وإنما دينامو من أجل تكامل الأدوار التي تؤسس حياة متكافئة.. حياة تبنى على التقارب وأداء الواجبات.. وعلينا ألا ننتظر الإذعان من الآخرين لنكون متميّزين.. لأنّ الإذعان ليس من القوة وإنما يدور في فلك هضم حقوق الغير، وبالتالي ستكون الحياة كحياة الغاب.. القوي يفتكبالضعيف.. وتكون الجهود مسخرة لإنهاك القوة التي خلقت من أجل الجميع لبناء العدالة والمساواة.

ذات ليلة عندما كان صوت المؤذن يعانق حلول الشفق، والنفوس تلهج بالدعاء لله جل وعلا بقبول صوم يوم من شهر التوبة.. جاءني ذلك الرجل يلهث ليسأل عن شيء ليس بحق له وإنما بوهم دسه في جوفه ليقول: هذا ظلم! لأتسمر مدهوشاً من قوله.. وأتساءل ما هو الظلم؟ وكيف يحق لنا أن نوسم ما لم ننله بدون وجه حق بأنه ظلم؟ ألا تدري أيها الجانح خلف مصالحك بأن الظلم ظلمات.. ألا تعي بأن ما تطالب به ليس لك؟ فكيف تصدر أحكام جزاف؟ عليك أن تتريث وتتزود بالمعرفة التي تقودك إلى حقوقك .. لأن الحياة لم تخلق لك وحدك، وإنما هناك من يتكامل معك لتجد قوت يومك، ومكانتك التي ثخنت بما ليس لك.. عليك أيها اللاهث خلف هذه الحياة الزائفة أن تعتبر وتتورع بأحداث يومك لأنها كفيلة بأن تحدد موقعك وموضعك وإلى أين مصيرك.؟

عندما تتعارض المصالح ينتج الصراع وبدورها تختلف القيم لتلقي بظلالها على حياة البشر، فتعم على الشجر والحجر.. فينشأ الصدام الذي يتسلل على هوى ورغبات الفرد الغريزية، ومنها تكبر الخلافات، وكل فرد يستند إلى مقدراته المادية والمعنوية وكل ما يتاح له من أجل الظفر، وهنا تتشكل الأنا التي تجتاح كل نواميس الكون، فتنهار القيم، لأنّ النظر من زاوية أحادية الجانب فكل قوة لها منظورها فتطلق عبارات التكفير بما أوتيت من سلطان، لتخطو بعض العقول إلى مبدأ الحوار العقيم الذي يكون أشبه بحوار الطرشان.. فكل طرف يسمع نفسه ويزكي هواه، دون الالتفات إلى أنّ النفس أمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي.. فيكون التوجّه أنا ومن بعدي الطوفان.

همسة:

هناك وعند حافة الحديث تنهار البوصلة.. فلا اتجاه ولا رؤية.. وهنا حيث الاصطفاف تزحف الأفكار الذاتية لتعلن عن وجودها بمبدأ واحد فقط.. وأنتِ أيّتها الساكنة في وسط اللب.. لديك ما يكفي من حنان.. فأنا أُزكيك لذكائك الخارق وفهمك الشارق، ونورك البارق.. لأنك تمتلكين حياءً وعطاءً يحني هامات الرجال.. وذلك من أجل أن أكون في عالم الكينونة والصيرورة.. فهل أكون أم لا أكون مع تزاحم الحياة بأضدادها

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك